نصفُ مثقّف، أم ماذا؟

إدريس سالم
إن افتراق وانشقاق الشعب الكوردي – حركات سياسية ومنظمات مدنية وإعلامية – كان بسبب “المُنَصّفين”، الذين يأخذون بالنصف ويتركون النصف الآخر، فأنصاف المثقفين فلا أنهم بمثقفين ولا أنهم بجهلة، وأصبح خطرهم اليوم على المجتمع أكثر بكثير من خطر ذلك الجاهل بالفطرة لما قد سببوه من تسميم بعقول القرّاء من خلال  الترويج لثقافة المجون والسفاهة باسم المدنية وثقافة القرن الحديث، والأقلام المأجورة المأسورة بيد أولئك المأجورين هدفها الوحيد هو جمع المال والسلطة وحبّ الشهرة وتنفيذ ما يُطلب منهم.
بالقراءة والمتابعة اليومية على مواقع التواصل الاجتماعي، تبيّن أن معظم المشكلات الكوردية المجتمعية، والتي أضرّت القضية الكوردية في كل المجالات المختلفة، سببها أنصاف المثقّفين، أنصاف الإعلاميين، أنصاف المهندسين، أنصاف الاقتصاديين، أنصاف السياسيين، أنصاف الأكاديميين، الذين يغرّدون دائماً خارج السرب، فالجاهل لا يستطيع أن يصنع طائرة، أما العالم فيصنع أقوى الطائرات، لأنه يملك أدوات المعرفة وقوانينها، أما النصف عالم فيصنع طائرة لتهبط إما في قاع البحر أو الجبال أو زحمة مباني المدن الشاهقة! إذاً هذا النصف يمتلك أدوات المعرفة، لكنه لا يملك قوانينها.
أين تكمن المقارنة؟! الجاهل لا يؤذي إلا نفسه، ولن يضرّ المجتمع كثيراً، فهو لا يستطيع حتى أن يبرهن على أقواله وجعلها أفعالاً، أما نصف مثقف هو أشدّ خطراً وكارثة من الجاهل، إذاً فنصف المعرفة أشدّ خطراً وكارثة من الجهل، فالجاهل قد يدفعه جهله إلى التعلم، أما المتعالم فقد حاز القشور وترك اللبّ، فظنّ أن العلم هو هذه القشور، فلا هو عالم فينتفع بعلمه ولا هو جاهل في نظر نفسه فيتعلم.
نصف مثقّف هو مَن قرأ مقدّمات وخواتيم الكتب، دون أن يكلّف نفسه في أن يبحر في تفاصيلها، فصار يتكلم بالعولمة والفلسفة والطبّ، في قرارة نفسه هو لا يعلم ماذا يفعل، وأمام الناس والمجتمع تصبح شخصيته الشكلية مثقفاً مرموقاً فارغاً من مضامينه المعرفية، فنصف المثقف يستطيع خداعك بمصطلحاته التي لا يفقه هو نفسه مضامينها، فتراه يتكلم باصطلاحات المحللين الاستراتيجيين والصحفيين، لكنه متخبّط في فحواها لا يفهم لها معنى، وغالباً ما نضطر إلى تصديقه، لأنه يتكلم بلسان المحلّل أو الصحفي، فلا نستطيع – كعوام – أن نعرف إن كان حقاً متعلماً أم جاهلاً لم يصل بعد ثقافة الجهل؟!
إن علاج هذه الظاهرة يكمن في إصلاح أنفسنا أولاً، ومحاربة أنصاف المثقفين ثانياً، فعلاج النفس هو بتأهيل الذات على التزام الحدود واحترام التخصّص مع الاستزادة من الثقافة، وإسقاط هؤلاء المتعالمين من حساباتنا، وألا نجعل لهم شأناً، والحرص على متابعة أهل التخصّص، والحذر من جماعة التلصّص، هذه الجماعة التي أصبحت وباءً وآفة خطيراً، فلا هم بمثقفين ولا هم بجهلة، إذاً باتوا سبباً في تسميم عقول القرّاء، من خلال  الترويج لثقافة المجون والجنس الشاذ وادعاء الديمقراطية والحرية قولاً ومحاربتهما فعلاً، لأنهم أقلام مأجورة مأسورة بيد أولئك المجنّدين والمؤدلجين، هدفهم الوحيد هو جمع المال والسلطة وحبّ الشهرة واكتساب رضا الأعداء.
أخيراً؛ إن أولئك المُنَصّفين سيظلون مُنصّفين للأبد، لأنهم يعتبرون تلك الكلمات التي يكتبونها في بعض الصحف البعيدة عن الإعلام والصحافة أو على صفحاتهم في الفيس بوك وتويتر مجرّد حروف تجلب ألوف الدولارات واليوروهات، ولا يهمهم إن كانت روائحها هابطة عفنة تزكم أنوف المجتمع والناس أم لا، لأنهم يعتبرون تحصيل تلك الأموال فهلوة وشطارة، ولا عيب في ذلك عندهم، لكنني أتساءل: «نصفُ مثقّف، أم ماذا؟».

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…