آفاق عودة اللاجئين السوريين

مصطفى أوسو
واصلت روسيا تكثيف جهودها في الفترة الأخيرة – خاصة بعد التطورات الميدانية المتأرجحة لمصلحتها ومصلحة “النظام” في معظم أنحاء سوريا – للدفع بقضية “عودة اللاجئين السوريين” في الخارج، الهاربين من جحيم الحرب وملاحقات الأجهزة الأمنية المختلفة التابعة لـ “النظام” وإرهاب معظم “فصائل المعارضة المسلحة”، منذ بداية الأزمة السورية في آذار/مارس 2011، وحتى الآن.
وفي مسعاها لتحقيق هذا الهدف، تٌنَظر الإدارة الروسية بأن مرحلة الحرب في سوريا قد انتهت أو أنها في طريقها للانتهاء، وأن مرحلة جديدة من السلام والأمن والاستقرار…، بدأت تظهر فيها، مستغلة في ذلك الظروف الخاصة لبعض الدول التي تتواجد فيها اللاجئين السوريين والضغوطات التي تشكلها هذه القضية عليها، خاصة دول الجوار السوري، التي تريد حسمها والتخلص من تبعاتها بأسرع وقت ممكن،
 وكذلك ظروفهم الحياتية والمعيشة الصعبة في هذه الدول، التي لم تمنحهم حتى الآن الصفة القانونية للاجئين، واكتفت بإطلاق تسميات عليهم، من قبيل: (نازحون، مهجرون، ضيوف..)، خوفاً من الالتزامات القانونية والترتيبات الخاصة بحقوق اللاجئين، المنصوص عنها في القوانين والمواثيق الدولية، وخاصة اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكوليها الإضافيين لعام 1977 واتفاقية جنيف لعام 1951 والبروتوكول الخاص الملحق بها حول حقوق اللاجئين لعام 1967.
وقد بدأت روسيا بحملة تحشيد/ترويج كبيرة لهذه القضية منذ بداية شهر تموز/يوليو الماضي، تمثلت في زيارات لوفود سياسية وعسكرية إلى هذه الدول، ومنها: (لبنان، الأردن، تركيا)، وأيضاً في الاجتماع الذي جمع بين الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” والرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” في العاصمة الفلندية “هلسنكي”، وكذلك في الجولة الأخيرة من محادثات “آستانة” التي عٌقدت في مدينة “سوتشي” الروسية. ولكي تكون هذه الحملة منتجة لآثارها ونتائجها أكثر، فأنها – روسيا – أوعزت أيضاً لـ “النظام السوري”، بالتجاوب السريع معها، ليقوم”مجلس الوزراء السوري” في بداية شهر آب/أغسطس الماضي، بتخصيص قسم كبير من جدول أعمال جلسته الأسبوعية، لبحث هذه القضية، ويقرر إحداث (هيئة تنسيق) لعودة المهجرين في الخارج إلى مناطقهم التي هجروا منها. وأيضاً في نفس السياق تقوم روسيا التحضير لعقد اجتماعات موسعة في سوريا حول هذه القضية، حيث أعلنت “وزارة الدفاع” الروسية في الخامس من شهر أيلول/سبتمبر الجاري، أن “مؤتمراً تاريخياً حول عودة اللاجئين” سيعقد في سوريا، وأنه “من المقرر دعوة الدول المهتمة والأمم المتحدة” إليه.
ورغم كل ما تقوم به روسيا للدفع بهذه القضية إلى الأمام، وأيضاً رغم التجاوب الواضح معها من قبل دول الجوار السوري – لاعتباراتها الخاصة كما أسلفنا – فأنها فشلت حتى الآن في كسب ود الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوربا الغربية إلى جانبها، فقد أكدت الإدارة الأمريكية على لسان العديد من مسؤوليها “أن الوضع في سوريا غير ملائم لعودة اللاجئين”، وأن عودتهم يتطلب “حلاً سياسياً”. ولم يختلف الموقفان الألماني والفرنسي عن الموقف الأمريكي كثيراً، حيث قامت كلتا الدولتين بوقف جميع أشكال المساعدات الإنسانية للمناطق الخاضعة لسيطرة “النظام”. 
إن من شأن هذه المواقف الغير مشجعة من جانب قوى دولية رئيسية ومهمة في العالم، أن تجعل من هذا المشروع الروسي وكأنه لم يكن، وذلك لاعتبارات عدة، منها: عدم وجود الغطاء السياسي الدولي المناسب لتمريره، ولأن عملية إعادة أعمار المناطق السورية المدمرة “جزئياً” أو  “كلياً”، والتي يجب أن تتزامن أو تبدأ قبل البدء بإجراءات إعادة اللاجئين إلى مناطقهم، تتطلب إمكانيات اقتصادية كبيرة وهائلة جداً، لا يمكن توفيرها بدون مساهمة ومشاركة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والدول المهمة في الاتحاد الأوربي وغيرها من الدول القريبة من هذا التوجه.
وما يزيد أيضاً من تضاءل فرص نجاح المشروع الروسي موضوع البحث، أنها لم تفصح حتى الآن لا هي – روسيا – ولا “النظام السوري” أيضاً، عن ماهية وطبيعة الضمانات الكفيلة بحماية اللاجئين من بطش “النظام” وملاحقة أجهزته الأمنية المختلفة، وأن كل ما تسرب عنه لا يتعدى خطوط عامة ومحاولات يفهم منها أنها لفرض “أمر واقع” تعمل روسيا و “النظام السوري” على تكريسه بعقلية الطرف المنتصر في “الحرب”، بعيداً عن المرجعيات الدولية المتعلقة بالأزمة السورية عموماً.
ولا أعتقد أن مثل هكذا مشاريع سوف تأخذ طريقها إلى التطبيق، لأنها ببساطة شديدة مبنية على القسر والزجر وفرض إرادة “المنتصر” على “المهزوم” إن جاز القول أو صحت التسمية، ولأن قضية عودة اللاجئين السوريين في الخارج، هي من جزئيات وتداعيات ونتائج الأزمة العامة التي تشهدها سوريا منذ سنوات، وأنها تتطلب حلول سياسية شاملة، استناداً إلى القرارات الدولية المتعلقة بها، وخاصة اتفاق جنيف 1، الصادر من قبل “مجموعة العمل الدولية أجل سوريا”، بناءً على دعوة “كوفي أنان” مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى سوريا، في 30 حزيران/يونيو 2012، وقرار مجلس الأمن الدولي رقم (2254) الصادر في 18 كانون الأول/ديسمبر 2015.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…