إدريس سالم
أمريكا وروسيا، وجهان لعملة واحدة. النفوذ، القوة، الاقتصاد، السلاح، التكنولوجية، التحكّم. إن الحقيقة التي يجب أن يدركها الجميع، هي أن الأمريكان والروس ضحكوا ولا زالوا يضحكون على الكورد في غربي كوردستان، الكورد المنقسمون بين المجلس الوطني الكوردي المدعوم هوليرياً، والإدارة الذاتية المدعومة قنديلياً «الصراع بين هولير وقنديل كالصراع بين العرب وإسرائيل».
واشنطن وموسكو، يحتاجان إلى الكورد، كلاعب احتياطي، لزجّه في الملعب متى ما تشاءان، وفي المحصّلة الكورد يصبحون أداة بيدهما، ووقوداً لمصالحهما، للإفادة من خدماتهم كيفما تشاءان، أيّ أن الكورد يلعبون كما يشاء الآخرون، وليس كما هم يريدون، فهم ينفذون كل مخطّطاتهم ومشاريعهم من خلالهما، دون أن يصيب أي مسؤول أو جندي روسي أو أمريكي بخدش بسيط، فيما الحرب النفسية الطاحنة والصراع البارد المتجمّد مستمرّ بين أبناء الكورد، فهم يذبحون بعضهم البعض على الأرض وفي دول اللجوء وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.
السؤال المطروح بقوة، على الساحتين السورية والكوردية “ماذا يريد الأمريكان والروس من الكورد؟”، وسبب هذا التساؤل، هو لتذبذب الموقف الأمريكي والروسي – الغامض والمعقّد وغير الأخلاقي – من القضية الكوردية في غربي كوردستان، جملةً وتفصيلاً، وتأرجحهما في الوعود والاتفاقات غير الواضحة بين الإدارة الذاتية والمجلس الوطني الكوردي من جهة وبين إدارة دمشق من جهة أخرى، هل ستبيع أمريكا شركاءها الكورد بعد القضاء التام على داعش، مقابل ضمان مصالحها الإستراتيجية والاقتصادية من قبل دمشق وموسكو، وإرضاء أنقرة «التي تتجه لتكون حليفة للروس» وإنشاء مناطق آمنة على المدى الطويل في الحدود السورية – الإسرائيلية للتهدئة مع روسيا وإيران؟ متى سيقرّر الأمريكان والروس نهاية هذه اللعبة الخطيرة في منطقة الشرق الأوسط عموماً والساحة الكوردستانية خصوصاً؟ وما هي النتائج المترتبة عليها؟ أم أنهما ستعملان على تفاقم أزمات العرب والكورد والتلاعب بهما؟
من المعلوم، أن واشنطن وموسكو، تختلفان وتتصارعان يومياً على الإعلام، في كل قضايا وأزمات الشرق الأوسط والوطن العربي، ومن تحت الطاولات وفي السرّ تتفقان على كل حدث وقرار ومعركة ووليمة، وتديران قادة الخنادق ومسؤولي الفنادق، وتوجّهان الأوامر والقرارات والحلول لهم، وهم بدورهم يقبضون الدولارات واليوروهات، دون حتى أن يعترضوا بعض التنفيذ، أو يكون لهم رأي أو موقف.
إن كل ما يعلنه الروس من أعذار أو تبريرات، لتدخلهم العسكري في سوريا، هي خاطئة ومخالفة للحقيقة وللقانون الدولي، وهي حقيقة وقانوناً تدخل غير مشروع، ووجود عسكري يشكل قوة احتلال مباشر في ظل دولة فاشلة، وبالتالي من حق السوريين معارضين للثورة أو موالين لها اعتبار الروس عدواً عسكرياً مباشراً محتلاً لبلدهم، والرئيس الروسي وأعضاء حكومته والضباط العسكريين الروس هم مجرمون، ويتوجب محاكمتهم، وعلى الأمم المتحدة رفع الشرعية عن أيّ معاهدة أو اتفاق بين روسيا والشخصيات السورية المتحالفة معها، واتخاذ كل الإجراءات اللازمة لإجبار روسيا على الانسحاب من سوريا ورفع الاحتلال، ومحاكمة المجرمين الذين ارتكبوا الجرائم في سوريا، والمسؤولين الذين أعطوا الأوامر بهذه الجرائم، وهذا حلم إبليس في الجنة، لأن الجميع متواطئ في حمّام الدم السوري والكوردي.
خلال قراءتي العميقة لشروط توقيع المعاهدات الدولية، قرأت شرطاً يتعلق بشرعية وعدم شرعية تدخل الأمريكان والروس في سوريا، وهو أنه لا بدّ أن يكون جميع أطرافها متمتعين بالأهلية القانونية الكاملة، وتستطيع إبرام كافة أنواع المعاهدات، ولكن الأمر يختلف بالنسبة للدول ناقصة السيادة أو الدول الفاشلة، التي لا يمكن أن تبرم اتفاقيات دولية، ولا يعتد بأي اتفاقيات يمكن أن تبرمها، ومنذ 2011 تعتبر سوريا دولة فاشلة بموجب المعايير الدولية، التي تنصّ على أن الدولة تصبح فاشلة إذا ظهر عليها عدد من الأعراض، أولها أن تفقد قدرتها على السيطرة الفعلية على أراضيها، أو أن تفقد احتكارها لحقّ استخدام العنف المشروع في الأراضي التي تحكمها، وثانيها هو فقدانها لشرعية اتخاذ القرارات العامة وتنفيذها، وثالثها عجزها عن توفير الحد المعقول من الخدمات العامة، أما رابعها عجزها عن التفاعل مع الدول الأخرى كعضو فاعل في الأسرة الدولية.
عندما ازدادت المخاوف التركية شيئاً فشيئاً، بسبب توسع النفوذ الكوردي قرب حدودها الجنوبية وبقية المناطق العربية السورية، التي وصلت إليها بدماء كوردية، وهو ما دفع الأتراك إلى التعاون مع الروس والأمريكان، بغية القضاء على هذا النفوذ، والكورد ليسوا أولاداً أو أبناء عمومة الروس أو الأمريكان أو حلفاء إستراتيجيون قدامى، وقد وجدوا أن مصلحتهما كبيرة مع تركيا حتى في المستقبل البعيد، فأطاحوا بالكورد في عفرين ومنبج وكركوك وفي سوتشي وجنيف، حيث دستور بمقاسات سورية بعثية وبنكهة روسية أمريكية، وربما حكم ذاتي بعثي بامتياز.
إن الوجود العسكري والدبلوماسي الأمريكي في شرقي نهر الفرات بجنودها ومطاراتها وراداراتها وقواتها الخاصة وشركاتها ومنظماتها، ليس للدفاع عن القضية الكوردية في غربي كوردستان، أو التخطيط لإعادة عفرين والوقوف الحاسم في وجه كل مَن يعارض الفيدرالية الكوردية، أو لتوحيد جزأين كوردستانيين، فالأمريكان آخر همهم القضية الكوردية، بل إن عيونها على النفط والغاز، وستحاول تقوية قواعدها ونفوذها في شمال شرق سوريا من أجل مصالحها الاقتصادية فقط، وليس حباً بالكورد، إذاً فهذا الوجود شرعي في ثقافة بورصة المصالح والأعمال، وغير شرعي في القوانين والأعراف الدولية.
تقول الحكمة: “السنبلة الفارغة تشمخ برأسها، بينما الممتلئة تنحني”. وهذا حال المجلس الوطني الكوردي وحزب الاتحاد الديمقراطي، اللذان دائماً ما يشمخون برؤوسهم عند مخاطبتهم مع الشعب الكوردي، واللذان فشلا فشلاً ذريعاً في أن يمتلكا أي بادرة أو فسحة إيجابية يخدمهما ويخدم الكورد، بل على العكس تماماً، كانت عقولهما مليئة في تنفيذ الأجندات والأوامر، ممن يدعمونهما اقتصادياً وإعلامياً وسياسياً، حيث زرعا الحقد الدفين والكره والعنف وثقافة الشتائم والتخوين.
أخيراً: ليس مهمّاً أن تنتصر في الحرب، بل المهم أن تكسب السلام والاستقرار، وتساهم في زعزعة الخراب والحرب والفوضى، وهذا ما لن يكسبه النظام السوري، إلا إذا عاد إلى عقلية ما قبل 2010، فالذهنية التي خطط لها “ميشيل عفلق” تشير بأن عصر القمع والاستبداد والعنف النفسي قادم، ولو بطرق مختلفة وأساليب أحدث.