حسين جلبي
فتحت مساء اليوم صفحتي على التويتر، لأجد بياناً من ” شبكة روداو الإعلامية”؛ حول اعتقال نظام الأسد المذيع في القناة عمر كالو، وذلك عند: “نقطة تفتيش تابعة للاستخبارت العسكرية التابعة للحكومة السورية بين منبج وحلب، خلال توجهه صحبة زوجته وطفليه، من مدينته (كوباني) إلى مدينة حلب لتجديد جوازات سفرهم”، حسب البيان، الذي ذكر أيضاً بأن: “الاستخبارات العسكرية السورية سمحت لزوجته وطفليه بالانصراف، وأخبروهم أنهم سيفرجون عن عمر كالو بعد توجيه بعض الأسئلة إليه، لكنه مازال محتجزاً لدى الاستخبارات العسكرية في مدينة حلب، وحسب ذوي زميلنا عمر كالو، من المقرر نقله إلى فرع فلسطين للأمن العسكري، في دمشق”. إنتهى الإقتباس.
تذكرت وأنا أقرأ البيان الذي أصدرته “شبكة روداو الإعلامية”؛ حول اعتقال الإعلامي عمر كالو، أنني قرأت خبر اعتقاله في موقع “ولاتي مه” منذ أربعة أيام، عندما أصدرت جهة تطلق على نفسها “المكتب التنفيذي لاتحاد الصحفيين الكُرد السوريين ـ قامشلو”، بياناً حول الموضوع في الأول من سبتمبر 2018، ذكرت فيه بأن عمر كالو معتقل منذ الخامس والعشرين من آب 2018، أي أن “قناة روداو ـ الحدث” لم تذكر شيئاً عن اعتقال أحد العاملين لديها؛ إلا بعد عشرة أيام ـ فقط ـ من احتجازه. لقد ذكرني الأمر بمجمله بعملية اختطاف تنظيم داعش للإعلامي فرهاد حمو، قبل أقل من أربع سنوات بقليل، حيث تناولت القناة المذكورة الاختطاف ببيان ـ إذا لم تخنّي الذاكرة ـ بعد ثلاثة أيام من وقوعه، وركزت في بيانها على أن فرهاد حمو لم يكن موظفاً ثابتاً لديها، بل يعمل معها “فري لانسر”، وكأنها تحاول التبرؤ منه، للتخلص من إلتزاماتها المادية والأدبية تجاهه وتجاه ذويه، خاصةً أن القناة لم تحمل حزب الاتحاد الديمقراطي المسؤولية عن اختطاف حمو، علماً بأنه أُختطف في منطقة يسيطر عليها الحزب، وكان يحمل ترخيصاً منه لمهمته، والترخيص يعني في “قوانين” الحزب، توفير الحماية للشخص الحاصل عليها.
في مثل هذه الحالات تثور الأسئلة وتُستحضر المقارنات. تُرى لماذا تجاهلت القناة إعتقال المخابرات العسكرية السورية لعمر كالو، ثم عادت وتناولت الموضوع الذي لم يعد ممكناً إخفائه، بعد عشرة أيام؟ هل تلقت القناة وعوداً بإطلاق سراحه، ودخلت في اتصالات مع المعنيين بالأمر حول ذلك، وعندما فشلت الاتصالات أُسقط في يدها، وأصبحت مرغمة على تناول الموضوع؟ أم خشيت القناة، التي تنتهج خطاً موالياً لنظام الأسد، وتكاد تصبح جزءاً من المنظومة الإعلامية لحزب العمال الكُردستاني؛ تأثر عملها بامتناع مسؤولين في نظام الأسد وشبيحته عن الظهور على شاشتها؟. من جهة أُخرى أشارت القناة بعد قولها: “نحن إذ نطالب الحكومة السورية بإطلاق سراح زميلنا عمر كالو”، إلى أن مذيعها: ” كان مراسلاً لشبكة رووداو الإعلامية في كوباني، كما أنه تولى بكل مهنية تغطية الأحداث، ولذلك تعرض لضغوط كثيرة اضطرته قبل ثلاث سنوات للتوجه إلى أربيل ليواصل عمله المهني مذيعاً للأخبار في إذاعة وتلفزيون رووداو”، لماذا لا تذكر القناة الجهة التي ضغطت على زميلها، ودفعته إلى ترك المنطقة، أليس الأمر يتعلق بكونها أصبحت جزءاً من من تلك الجهة، وتعمل في المنطقة بشروطها؟. من جهة أُخرى، هل حصل عمر كالو على ضمانات من حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يسيطر على كوباني، بعدم تعرضه للملاحقة من قبل نظام الأسد، وتوجه بناء على ذلك إلى حلب التي يسيطر عليها الأخير؟. أما عن المقارنات، فهذه حقاً أول مرة في التاريخ “حسب علمي”، الذي أسمع فيه عن وسيلة إعلامية، من المفترض أن عملها هو إذاعة الأخبار، تمتنع عن إذاعة خبر يتعلق بمذيع رئيسي لنشراتها الإخبارية، تعرض لإنتهاك على خلفية عمله في الإعلام، حتى وإن لم يكن في مهمة إعلامية عند إعتقاله، وتتجنب الحديث عنه، وكأنه سيشكل إحراج لها.
يبدو بأن للزمالة والمهنية والوفاء والكُردايتي مقياس أُخرى نكتشفها حديثاً، وهي غير تلك المعروفة في الأوساط الإعلامية والإنسانية. فهناك من يتناول الأخبار ويضخمها ويؤطرها؛ إذا كانت تتوافق مع أجندته أو أجندة رعاته، ويتجاهل الأخبار ويخفيها إذا كانت ستضره، من ذلك إمتناع “شبكة روداو الإعلامية” نفسها عن تناول حادث سيارة، تسببت به إحدى مذيعاتها، وما تلا ذلك من فضيحة قيام المذيعة وذويها، بتهديد الضحايا ـ وهما شابين من كُرد سوريا ـ لإرغامهم على السكوت، في الوقت الذي تناولت فيه القناة حوادث سير، أحياناً أقل أهميةً من حيث اللغط الذي أُثير حوله؛ من الحادث الذي جرى في عقر دارها. وآخر الكلام عن المهنية، وتساؤل عن هذه القناة التي تسلق الأخبار وتذيعها خبط عشواء، فقد علمت بأن القناة أذاعت أمس شريط فيديو؛ يهدد فيه أحد الإرهابيين شاباً كُردياً من عفرين بالذبح، وقد ظهر وهو يضع السكين على رقبته، وراح يرغمه على مطالبة ذويه تقديم المال للخاطفين لتحريره، تحت طائلة الذبح في حال الامتناع. أذاعت قناة روادو مقطع الفيديو كما هو دون اقتطاع، وترجمت الحوار حرفياً، حيث تناوب مذيعين على قراءته؛ وبذلا جهدهما لتقليد صوتي الجاني والضحية، كما كان وجه المخطوف مكشوفاً. في الواقع، وطوال السنوات الماضية، ورغم الأحداث الدموية التي ضربت سوريا، وآلاف مقاطع الفيديو العنيفة، إلا أنني لم أشاهد يوماً قناةً تحترم نفسها، تنشر مقطعاً دون أن تخفي وجه الضحية، ودون أن تخفي الكلمات القاسية، حرصاً على الخصوصية ومشاعر ذويه. وإذا للضحية من حقوق فعلاً، فهي بالإضافة إلى حقه في الحرية ومحاكمة خاطفيه، الحق في إقامة دعوى قضائية على قناة روداو التي خرقت خصوصيته، إلا أن ذلك سيكون غير ذي جدوى للأسف، لأننا نعيش زمناً “ضاعت فيه الطاسة” كما نقول في اللغة الدارجة.