عندما تحتضر مدينة هي قامشلي.. «عن زيارتي الأخيرة إليها ما بين 18 تموز- 19 آب 2018 »

ابراهيم محمود
 7- Heval…Heval 
لفت نظري في قامشلي هذه أمر جلل، وأكثر من أي وقت مضى، حيث لم أزرها منذ عشرين شهراً، وعلى خلفية من التزايد السكاني وترجيح كفة العرب في ذلك، وأعني بذلك تلك الكلمة الكردية والتي تذكّر بنظيرتها العربية ” رفيق : Heval”. كنت أسمعها في كل مكان، من قبل الداخلين في محكومية الإدارة الذاتية، العاملون منهم أساساً، وفي السلك العسكري خاصة، حتى في مخاطبة العرب. لكم تذكّرني هذه المفردة بمفردة ” كاكا ” ومرارة المحتوى ضمنياً !
إنني، وإذ أستهل مقالي الجزئي هذا بهذه الكلمات، أنوّه إلى أنني لا أقلل من القيمة الرمزية لهذه الكلمة  ” Heval “، ولا أي كلمة مرادفة لها تلعب الدور نفسه في سياق المخاطبة، بمقدار ما ينصب حديثي على مغزاها، وكيف يجري العمل بها، ومن يحرص عليها.
لقد سمعتُها في أكثر من سيارة ” ركاب ” من قبل عنصر الأسايش، وهو يخاطب كل من فيها، أو من ليس كردياً بالمقابل. ولا بد أن هذه الكلمة انتشرت على نطاق واسع، أو سيكون لها استدعاء لاحقاً، حين يخص الحديث تاريخ الراهن.
أعني بما تقدَّم، ذلك السعي إلى نوع من التعميم لدلالتها، واحتواء الجميع داخلها، أي حيث يكونون رفاقاً، وهذا التلوين الأحادي والمعمَّم يفصح عن العلاقة القوية بين تنوع الواقع، والرغبة في احتوائه بمثل هذه الصيغة: الجميع رفاق، وهذا يضع المعني بها في واجهة المساءلة عن ذهنية الداعي إليها، ومن يشدد على العمل بموجبها .
عملياً، وفي كل المجتمعات البشرية، أثبتت التجارب فشلَ كل الصيغ المعتمَدة ” من فوق ” والإيحاء إلى أن المجتمع معرَّف به من خلال كلمة- مفتاح كهذه. في البنية الصراعية للعلاقات الاجتماعية، السياسية والفكرية، يبرز الواقع محكاً لعدم فاعلية اعتماد أسلوب كهذا، وذلك لمصلحة القائمين على إدارتها، والساعين إلى لزوم التقيد بمنطوقها الكردي.
كان ينبغي على أولي أمر الإدارة الذاتية مراعاة هذا التنوع في المجتمع: اثنياً ولغوياً، مراعاة الاختلاف اللغوي وما يترتب عليه من الحد من تداولها بالطريقة السالفة الذكر.
أما حين، يشعر القائمون بأمر الكلمة هذه بأنهم خلاف من سبقوهم، ففي ذلك مرارة كبرى، وعدم النظر إلى التاريخ كتاريخ تحولات، وليس ” تحت اليد ” .
إن من الصعب، إن لم يكن مستحيلاً جعْل الناس جميعاً رفاقاً، أو اعتبارهم كذلك، وهم ليسوا هكذا، وهو ما يحفّز على مراجعة دقيقة للمآل الخطير لتوجه مستدام كهذا. 
في العودة إلى كلمة ” كاكا ” والتي تعني ” الأخ ” كما هو معلوم لكل كردي. فإن المقصد منها، هو التذكير بأن الذي كان يتهجاها وباستخفاف، في إقليم كردستان العراق، هم ممثلو النظام العراقي الساقي زمن صدام حسين، لأنها كانت معتمدة في التخاطب بين الكرد، وفي السليمانية خاصة. لقد كانوا يريدون تمييزهم، واستصغارهم. ولا بد أن هناك من يتملكهم شعور كهذا كردياً، إنما عربياً بصورة أكثر، وسوف تشكّل صيغة من صيغ التهكم على الكردي لزمن قد يطول، فيتم تجريد الكلمة تلك من مضمونها الاعتباري، تأكيداً على اللااعتراف بالناطق بها.
هل نشوة الاستئثار بالقوة تخرِج المعني بها من التاريخ وتحدياته المستمرة ؟

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…