شعبوية الأحزاب الكُردية المُتأسسة بعد2011.

شفان إبراهيم
استطاعت الأحزاب الكُردية وتحديداً بعد 2011 من تبني خطاب شعبوي، ما لبث أن تحول مجرى الشعبوية الكُردية، كُردياً، نحو الداخل الكُردي فقط. فأصبحت جميع مدلولات الأحزاب قائمة على التشهير بأخطاء وهفوات غيرها من أقرانها الحزبية، حاملة في الوقت عينه كوارث من تنتقدهم.
ككل شيء في المجتمع الكُردي. نزعة الظهور حاضرة دوماً في أي تجمع. إنها لغة الوجود الكُردي حالياً. هناك انفصال الأنا الجمعي لعدد ضخم من الأحزاب الكُردية عن الواقع العياني المُعاش. وتستعيض عوضاً عن لزومية تضحيتها في سبيل الشارع الكُردي بأن يعيش واقعه كما يحلوا له، دون الاكتراث بأوجاع الناس إلا على مستوى المدلول اللفظي والتوجه الخطابي الإنشائي.
حقل التجمع الحزبي الحديث بأغلب مستوياته، لا يخرج عن أناه كعمل خاص يدر أرباحاً شهرية أو ما شابه. ببساطة فالعمل والسلوك مرتبطان بمخرجات تخدم الآخرين، وهي تكاد تكون معدومة، إضافة إلى انعدام التواجد البشري الملتزم والمنضوي معهم.
يتأسس العالم الحزبي على مفهوم كسب الحقوق المهدورة أو كسب المزيد من المزايا للفئات المحرومة والمقموعة. لكن والحال مع التكاثر الحزبي الكُردي، ليست سوى حالات للمزايا الشخصية لا أكثر. والحق أن تكاثر تلك الأحزاب شكلت قوة المصلحة لأحد الأطراف الكُردية الطارئة على المجتمع الكُردي؛ لتنتصر بها على سلطان قوة الحق والتوجه السليم.
أُسِس لمناخ مساهم في تكاثر تلك الأحزاب. ربما تكون التربية، وربما يكون الوضع الاجتماعي. ولكن كيف نفسر الفرق بين من يسعى لنيل الاعتراف الدستوري بالكُرد، أو من يسعى لتثبيت الحق الكُردي، وبين من ينتهز أبسط فرصة ومستعد لجر عربة النظام أو أي شيء أخر لأيَّ طرفاً يُكسبه شيءً من العطايا.
شتان بين أحزاب سياسية تسعى نحو تأمين حقوق الشعب، وبين أحزاباً تسعى لسدّ الفراغات في أيّ تجمع سياسي. وشتان ما بين سلطة سياسة ذات إهاب ديمقراطي وسلطة جاءت عن طريق استخدام العنف ولا تستمر إلا بالعنف. 
عادة ما تسعى الأحزاب نحو السلطة، أو أن تكون معارضة للسلطة. لكن والحالة الكُردية فإن السواد الأعظم من ال72 حزباً كُردياً لا يسعى نحو هذه ولا تلك. فقط تسعى لتواجدها في أي محفل كان. لا تمتلك مقومات البقاء، فلا مقرات، ولا جريدة مركزية يُمكن الرجوع إليها بين الحين والأخر، لا أعلام شبه جيد، ولا تنظيمات شبابية أو نسائية أو حتى على صعيد الأنتسابات، ثمة أحزاب كُردية لم تطبع طلب أنتساب واحد منذ بدايات تأسيسها حتى اليوم. ما يعني أنها لن تكون سلطة في تاريخها، ولن تتحول إلى معارضة للسلطة القائمة. ماذا يريدون؟ بعملية حسابية بسيطة، لو جرت انتخابات نيابية، وطُلب لكل مقعد برلماني ألف صوت فقط لا غير، فإن تجمع حوالي 60حزب كُردي في قائمة واحدة رُبما يحصلون على مقعد وأحد أو قدّ يفشلون حتى في ذلك. كيف لهم أن يكونوا سلطة أو جزء من سلطة، أو معارضة وهم عن تأمين مقعد برلماني عاجزون ولا يملكون سوى البكاء على نمط التوافقات السياسية.
هذا ما يُمكن أن نسميه بانشطار العقل الكُردي وانفلاته من عقاله. خاصة مع تواجد شخصيات كُردية تنتمي إلى الماضي السحيق تنتشر بين أغلب التنظيمات الحزبية القديمة منها والجديدة. المنتمية إلى ارث حزبي سياسي والمتواجدة ضمن جوقة المستفيدين من فوضى الحالة المجتمعية الكُردية. 
جميع الأحزاب الانشقاقية تبدأ بياناتها بمصطلح الوحدة الكُردية، ووحدة الصف الكُردي. وجميع الأحزاب المهتزة بداء الانشقاق تبدأ بيان الردّ الأول بانفعالية المتعرضين للتآمر عليهم وعلى نضالهم. هنا نتحدث عن المرض المجتمعي الكُردي المتلوث بأفكار حزبية بالية، استطاعت تلك الأفكار أن تتغلب على الأفكار الحزبية المتقّدة والمنتشية برغبة التغيير والتبديل الجمعي. هذه الأفكار هي بنية المجتمع في الحاضر، وأيٌّ منهما يتغلب على الأخر يكون قدّ وسم المحيط بدائه أو دوائه.
يعيش المجتمع الكُردي تناقضاً حادّ على مستوى آليات النضال وخطابه. وما بين الانتماء إلى الوسط الحزبي من عدمه، فإن الأحزاب الكُردية المجهرية تتكاثر على موائد الكبار، الذين فشلوا أيضاً في قراءة اللوحة السورية، وهذه لوحدها تحتاج إلى شرحً أخر.
لاشك أن النظام السوري نجحَ بشكل كبير في مسخّ القاعدة الجمعية الكُردية. لكن يفترض بالساسة الكُرد أن تكون فسحة وهامش العمل الحزبي بعد2011 النجاح بالجمع بين التركيبة السياسية والامتداد التاريخي لهم مع الزمن الحالي الذي شهد تحولات وتبدلات على مستوى العرض والطلب شاقولياً وأفقياً. فالحدث والموقف منه يعكسان تناقضات عمل الأحزاب الكُردية في الوضع الراهن وانعكاسه على من حولهم وإن كانت الأحزاب النفعية تفتقد للتأثير المباشر على الشارع الكُردي، لكنها مادة سهلة لإبراز قوة وحجم الالتفاف الحزبي حول أحد الأقطاب الرئيسية.
قصارى القول: لا تمتلك غالبية الأحزاب الكُردية وبشكل أخص الجديدة منها، جديدة بتاريخ التأسيس فقط لا غير، لا تمتلك سوى خطاباً شعبوياً مارقاً ليست لديها إي وسائل أو آليات أو أدوات بالنظرة المستقبلية للقضية الكُردية، خارج إطار ما سيكسبونه على الصعيد الشخصي. عدا عن فقدانها لأي تصور أو حلّ أو رؤية أو مخرج لحلّ القضية الكُردية.
لماذا تتأسس تلك الأحزاب، وهل حقاً أنها ضرورية للدورة السياسية والنضال القومي؟

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…