ابراهيم محمود
6- بين علي فرو وطي :
في الطريق الذي يصل مقر ” الهجرة والجوازات ” لـ” الإدارة الذاتية في المنطقة الصناعية، بقامشلي، أعلمني السائق وهو يتجه صوب ” دوّار الأربوية ” قائلاً: إنه طريق أسلم للوصول إلى البلد، لأن طريق طي غير آمن اليوم، لوجود خلافات محلّية. كان ذلك يوم ” 18-8/ 2018 “. لم أستفسر عن التالي، لأنني، وكما هو حال كل مقيم ومعني بأمر المنطقة، تكون الطرق علامات قائمة وشواهد على حقيقة الأوضاع هدوءاً، توتراً، إثارة مخاوف، وغموضاً..
هنا يمكن الحديث عن الطرق وهي تصل بين نقطة وأخرى، خارج نطاق المدينة، وبالتالي، فإن أحياء المدينة تفصلها عن قامشلي طرق، وهي تحيط بها، وتقع في جهات، ولكل جهة توصيف معين،وانطباع معين لا بد أنه يتشكل مع الناطق بالاسم أو المخاطَب، من خلال المكونات الاجتماعية في كل جهة” حي مثلاً ” أو حتى شوارع معينة أحياناً، استناداً إلى التوزع السكاني وطبيعة انتماءاتهم الجنسية، إذ إن أي خلاف قائم بين أولي أمر المنطقة سرعان ما يتبدى في الحركة المرورية، ونوعية سالكي هذه الجهة أو تلك .
ولكل طريق ذاكرة جمعية معينة تحمل في تضاعيفها تواريخ حية عن البيوت المتناثرة على جانبيه، أو النقاط التي يصل ما بينها، وأحداث سورية تقرَأ بجلاء في هذا المسار.
أن تذكر الهلالية، غير أن تذكر طي، أو الأربوية، أو البشيرية، أو ” قناة السويس ” أو ” الكورنيش، أو ” علي فَرو “، أو حي ” المحطة ” القديم…الخ .
سوى أن هناك ما هو أهم من هذه الطرق القصيرة والتي تصل ما بين مركز المدينة وأحيائها، وتلك الطويلة الممتدة في جهات ثلاث منها، كما هو معلوم مرة أخرى للمطلع على خارطتها، حيث الجهة الشمالية لصيقة الحدود ” التركية “، فيكون الطريق المتجه إلى هناك عند بوابة ” نصيبين ” دخول في ” أرض ” أخرى ” أجنبية ” .
الطرق الثلاثة هي طريق: الحسكة: جنوباً، عامودا: غرباً، وتربه سبي ” ثمة من يقول قبور البيض، بالترجمة الحرفية لاسم المدينة الواقعة، وهناك من يتهجى التسمية الرسمية والسياسية الطابع للدولة : القحطانية ” شرقاً. سوى أن طريق الحسكة يتحرك راهناً، وفي ضوء جملة من التوترات والمخاوف الفعلية وتلك المروَّج لها، في مسارين: مسار حي ” طي ” العربي، حيث تتجنب سيارات كثيرة المرور فيه، ليس خوفاً من أهل الحي بالذات، وإنما لأنه يمر بـ” دَوار زورى ” والذي يقع على مسافة خمسة كيلومترات تقريباً من المدينة، وهناك توجد نقطة تفتيش حكومية ” للنظام ” ويخشى من عواقب كثيرة، منها: مخاوف الاعتقال، وتحديداً بالنسبة لمن بلغ سن ” الخدمة العسكرية ” أو التعرض لابتزاز كما هو المتردد على ألسنة كثيرين، وما يجدر ذكره هنا، أن الطريق المستقيم إلى هناك، كان المار بالمطار، لكنه مغلق، وثمة من يسلكه من خلال الحصول على موافقة رسمية من الجهات ” الأمنية ” في المطار، مثلما أن هناك من يعبر حي طي، وبصورة يومية، وفي الصباح الباكر، كون طريق طي يربط المدينة بالجنوب الشرق منها، صوب ” تل حميس وغيرها، إنما بـ” سوق الغنم ” وهو يقع على بعد ثلاثة كيلومترات من المدينة وقريباً من قرية ” جرمز ” الطياوية .
يمكن القول هنا، وبصورة غالبة، إن الذاهب إلى الحسكة، واعتماداً على الميكروباصات، إلى جانب سيارات ” الفوكس ” وغيرها ” الشخصية، مثلاً ” لا بد أن يسلك الطريق المتفرع عن طريق عامودا، قرب جسر: هرم رَش- هرم شيخو “، وانعطافاً صوب اليسار، أي باتجاه قرية ” علي فرو ” حيث تتناثر مجموعة القرى الكردية في الجهة الغربية من المدينة، وهو طريق معبّد يجتاز قرابة عشرة كيلومترات ليصل إلى الطريق الرئيس للحسكة، عند قرية ” كفر سبي، أو :
Kevrê spî “، حيث تتمركز نقاط تفتيش على طول الطريق، خصوصة تلك النقطة الواقعة على بوابة البلد، قريباً من قرية ” هيمو ” الواقعة غرباً.
اللافت للنظر، أن هذا الطريق والموسوم محلياً بطريق ” علي فرو Kevrê spî” يري المسافر مدى التغير الحاصل عقب انفجار الأحداث منذ سبع سنوات، حيث يندر وجود جهة معينة دون تعرضها لتغير في معالمها الجغرافية.
أي إن طريق الحسكة والمار بناحية ” تل براك ” في وضعية التجميد جراء ما تقدم !
أريد أن أشدد هنا، أن المسافة الفاصلة ما بين طلعة ” هلالية ” وهو الحي الغربي للمدينة، والتليد باسمه، وقرية ” هيمو ” وتستغرق حوالي كيلومترين، قد اكتسحها العمران، وهي معروفة بخصوبة تربتها: ثمة البيوت، المستودعات، المزارع، مشفى خاص متعدد الطوابق لـ” PYD ” على مسافة ربما أقل من خمسمائة يمين الطريق المؤدي إلى عامودا. هذا الاكتساح العمراني امتد لكيلومترات من النقطة تلك، حتى تلك الفاصلة بين ” هلالية- هيمو ” صوب كل من ” نافكُر تحتاني ” و” نافكر ” فوقاني ” وأبعد، حيث أسعار العقارات في صعود، بحيث يمكن للمرء أن يتساءل عن بنية هذا التدافع على ابتياع هذه المساحات الأرضية وقد حوّلت إلى مقاسم.
ذلك على حساب المنطقة التي امتدت من جهة الجنوب إلى ما بعد ” دوار زورى ” وحتى باتجاه قرية ” كِرباوي ” التي تبعد عن المدينة قرابة خمسة عشر كيلومتراً. هذه المنطقة شبه ميتة الآن جرّاء هذا المتحول السياسي في المنطقة، ولا يعلَم مآل كل ذلك في المستقبل .
سوى أن الممكن قوله هو أن ما يجري في الفسحة الواقعة بين كل من ” علي فرو وطي ” يكاد يلخّص مجمل التراجيديا السياسية السورية عموماً، والتراجيديا السياسية الكردية وهي بطابعها الانقسامي، لحظة النظر في مسار الطريق ونوعيته، والعقارات التي تتقاسم الأراضي المنبسطة ومن يحيلها إلى سلعة للبيع في سوق البورصة الخاصة وقد سُلخت عن هويتها المكانية؟!