ما الذي يريد أن يقوله صلاح بدرالدين في مذكراته

فرمان بونجق
 
صدر مؤخراً كتاب ( الحركة الوطنية الكُردية السورية )، للكاتب والمثقف والسياسي الكوردي المعروف الأستاذ صلاح بدر الدين، وبعنوان فرعي: مذكرات ـ الجزء الثالث. ويُفترض أن الكتاب يوثّق للمرحلة التاريخية الممتدة من 2011 ولغاية 2018، أي منذ بداية الثورة السورية، ولكن الأمر لم يجر كما كان متوقعاً، أو كما كان مخططاً له ربما، باستثناء محطات قصيرة يتوقف عندها الكاتب، ليروي عبر هذه المحطات دور الكورد في الثورة السورية، وعلى أية حال،  فقد كان قد صدر له كتاب ضخم تحت هذا العنوان، في العام 2015 ، وربما كانت محاولة الأستاذ صلاح من خلال مذكراته في نسختها الثالثة، نوعٌ من التدارك أو التأكيد على ما فاته في كتابه ذاك، ولكن المسألة برمّتها ـ بما فيها الوثائق المهمة والصور المنشورة ـ تأتي في سياق رؤية الذات، أي رؤية الذات الكوردية السورية، وتفاعلات هذه الذات، مع محيطها الوطني والإقليمي، بكافة تراجعاتها وانتكاساتها، إن لم نقل انكساراتها، عبر تسليط المزيد من الضوء على هذه الذات بدءاً من العام 2011 ولغاية تاريخه.
قبل أن أخوض غمار مناقشة الكتاب الموما إليه، أرى بأنه لا بدّ من استهلالية ولو مختصرة ومحدودة، حول الطبيعة الثقافية التي تتمتع بها شخصية صلاح بدرالدين، وترتقي في كثير من الأحيان إن لم نقل في الغالب، إلى شخصية المفكّر الكوردي، إذ أن هذا الجانب الثقافي، والفكري لديه، يطغى على الجانب السياسي، ويستحوذ على جزء كبير من تركيبة عقله الاجتهادية، باتجاه حالة استنباط الحل من المشكلة، وهذا ما كنا نشاهده في كتاباته خلال السنوات الطويلة التي مضت. واليوم ومن خلال كتابه الأخير، يؤكد صلاح بدرالدين هذا التوصيف، فالكتاب يميل إلى كونه منتج فكري أكثر من كونه وثيقة تاريخية، أو مجموعة وثائق تاريخية سرديّة، ولعل الفرصة سانحة أمام أي قارئ ليلاحظ وبوضوح ما أتيتُ عليه من توصيف، لذا قدّمتُ على أن “الأمر لم يجر كما كان متوقعاً”، على الأقل من ناحية انطباعي الشخصي، وأنا أستلم نسخة من الكتاب.
وكي أؤكد مزاعمي، أو أؤيّد ما أسلفت، سأعود إلى كتاب (مذكرات ـ الجزء الثالث) وأقتطف منه بعض الأفكار الواردة في صفحاته المئة الأولى، وبعضٌ من هذه الأفكار تأخذ طابع التساؤلات في معظم الأحيان، باعتبارها إشكاليات ينبغي البحث فيها والإجابة على أسئلتها، وبعضها الآخر يُطرح على سبيل تحليل الظواهر ومحاولة تكييف هذه الظواهر، بغية الاستفادة منها، أو توظيفها، وإنْ لم يكن هذا أو ذاك، فعلى الأقل محاولة فهمها واستيعابها. كأن يأخذ مثلا: بتبدل القواعد فيما يخص حق تقرير المصير، في منطقتنا، بعد الحرب العالمية الثانية، أو القول: بالاختلاف بين الفكر السياسي في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، وفي مكان آخر يشير الكاتب إلى فشل (الدولة ـ الأنظمة الحاكمة للدولة) في بناء الدولة الديمقراطية وبناء النظم العادلة ووضع الدساتير والقوانين التي تعكس الحقائق المكوناتية والتعددية المجتمعية ، أو كأننا نقرأ في مكان آخر قضية أخرى، وتكمن في أن الثورات قامت في بلدان تتميّز بالتعددية الأثنية أو الدينية أو المذهبية ـ سوريا ـ تونس ـ ليبيا ـ مصر ـ اليمن . وليس هذا فحسب، وفي معرض حديثه عن الحركة الكوردية، يُصدِرُ تعريفا جديدا لما يسميه “جسم الحركة الكوردية”، وهذه الجزئية تعتبر بمثابة نداء للوسطين الثقافي والسياسي حول إعادة تعريف الحركة الكوردية، وبالتالي محاولة إعادة بنائها على أسس جديدة. وكل ما تقدم يُحسب للكتاب ولا يُحسب عليه.
وإذا تأملنا ولبعض الوقت في فصول الكتاب، فإننا سنجد ترابطا منهجياً بين الأفكار السالفة الذكر، على قاعدة التكامل بين جزئيات أُريد لها أن تأتي في سياقات متداركة، وربما لتشكل لاحقا المدخل إلى مذكرات ليس لكونها منتقاة بعناية فحسب، وإنما تستند في جلّها إلى وثائق، سواء أكانت هذه الوثائق على شكل رسائل متبادلة مع معنيين بالشأن، أو على شكل مدونات للقاءات واجتماعات معنية بذات الشأن. وهكذا فإن فصول الكتاب اللاحقة تدعم ما يذهب إليه الكاتب في الفصول السابقة، ولكن بطريقة سردية تكتنف الكثير من المكاشفات التاريخية، التي من شأنها أن تؤرخ لمرحلة تاريخية جدُّ مهمة، هذه المرحلة من تاريخ الشعوب السورية والمكتوبة بالدم والدمع والكثير الكثير من الآلام.
بقي أن أقول: ليس مجدياً على الإطلاق البحث في كتاب ( مذكرات ـ الجزء الثالث ) وإحاطة جميع جوانبه عبر مقالة واحدة أو اثنتين أو ربما أكثر، وأعتقد بأنني ـ وكحدٍّ أدنى ـ استطعت أن أوضّح انطباعي عن الكتاب، مع أنني وجدت فجوات عديدة وأنا أتنقل بين صفحاته، وعلى سبيل المثال ويبدو الأمر كذلك، أن الكاتب قد دوّن فصول الكتاب في فترات متباعدة، ويظهر ذلك جليا عند الإشارة إلى حدث ما، وتاريخ الكتابة عن هذا الحدث، والفارق الزمني بينهما، وأيضا الفارق بينهما وبين فترة تاريخ نشر الكتاب، وبتقديري هذه سقطة ما كان ينبغي لها أن تقع، ولا ينبغي أن تتكرر. 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…