ثورة تجديد أم إعادة بناء

 عمر ملا ألمانيا
في الوقوف على عتبات المشهد الحزبي و السياسي الكوردي السوري و بعيدا عن النظر في خلفياته الثقافية والتاريخية هنالك لغط لتفسير حقيقة ما يجري من تفاعلات قد ينظر إليها البعض في معزل عن سياقها الحقيقي الذي يجعلها تبدو كردة فعل أكثر منها نتيجة حتمية ومخاض طبيعي لتحولات مهمة تأجلت بعض الشيء.. ولكنها أتت مباغتة لقادة أحزابنا الكوردية السورية في ساعة قيلولتهم السياسية التي استمرت لعقود وظلت تراودهم فيها أحلام فسرها لهم حاشيتهم المقربة وقالوا: إن الهروب إلى الأمام قد يعني الهروب من حتمية التغيير . 
و المتأمل للمشهد السياسي الكوردي السوري يجد أن جذر المشكلة يكمن في عدم تداول دفة القيادة بين الأجيال .. فالجيل السابق حاول سحق الأجيال اللاحقة وإخضاعها وتدجينها والاكتفاء في أحسن الحالات بالحديث عن القضية كتطلعات شابة مما ولد صراع إرادات وأحلام لجيل جديد يحاول أن يولد بينما يحاول جيل كهل إعادته إلى رحم أمه أو الاحتفاظ به في حاضنة اصطناعية..! 
لقد تراكمت الأجيال المقهورة على أيدي جيل الستينيات و السبعينات و حتى الثمانينات و التسعينات من القرن الماضي الذي أمسك بزمام القيادة السياسية لشعبنا و ظن بأنه اكتسب مشروعيته من نضال قديم .. ليتحول هذا الجيل تدريجيا وعلى غفلة من التاريخ إلى ارستقراطية جثمت عنوة على أنقاض أحلام أجيال لاحقة.. ورثت بدورها جينات الغضب لأحفادها ليتخلق جيل ثالث أقل خوفا وأكثر جرأة في اقتحام كل تراكمات الماضي و تفتحت عيونه على وسائل اتصال ثورية جديدة فرضتها تكنولوجيا العصر ليجعل منها محطة تجمع لبقايا أحلامه التي خاض غمار الدفاع عنها من خلال ثورة لم تكتمل . 
و بعيدا عن الخوض في تفاصيل الثورة الموؤدة سوريا وكورديا وما رافقتها من أخطاء داخلية وتدخلات خارجية إلا أنه من المجازفة عدم اعتبارها نتيجة طبيعية لتراكمات طويلة بلغت ذروتها بمحاولة القيادات الحزبية إيقاف حركة التاريخ حيث ظلت تصر على تقديم ذات الحلول بغرض الحصول على نتائج جديدة.. أو لا تقدم أية حلول أصلا ظنا منها أن ذلك سيوقف عجلة التاريخ في أحد ملامح الخداع والمكر السياسي الذي يقترب كثيرا من مكر الشخصية الأسطورية الإغريقية “سيزيف ” الذي ظن أنه استطاع خداع إله الموت مما أغضب كبير الآلهة “زيوس” ليكون عقابه الأبدي بأن يحمل صخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه فإذا وصل القمة تدحرجت الصخرة مجددا ليعود إلى رفعها إلى القمة ليصبح رمزا للعذاب الأبدي..!
لقد مثل الخداع الذي حاول من خلاله قادة جيل أن يضعوا العصا في عجلة التاريخ وأن يقمعوا إرادة أجيال لاحقة لم تحظى بحقها في المشاركة في صنع مستقبلها وتحديد أولوياتها وخيارتها في الحياة والحرية و التحرر و الوقوف بقوة بوجه نظام شوه كل شيء و سحق كل ما هو جميل  بمثابة عذاب وهو الأمر الذي شاركت فيه أيضا قيادات أحزابنا التي جعلت من نفسها رمزا للنقيض من السلطة الديكتاتورية بينما هي ذاتها تفكر بذات العقلية وتستخدم نفس الأدوات وإن بدت لأول وهلة أنها مختلفة .. إلا أن خطأها الفادح أيضا أنها كانت تنتمي لنفس الجيل فكانت بمثابة الظل تقريبا الذي لا يمكنه أن ينتصر على النظام و ينتزع حقوق شعبنا في يوم من الأيام.
و على مبدأ يحتاج كل جيل إلى ثورة جديدة” بتقديري أن الجيل الشاب يحتاج العمل على التغيير الجوهري في بنية الفكر الثوري التي كان يجب أن يعاد تشييدها على قواعد جديدة ومتجددة تسمح بتحرير صيحات الغضب التي اختزنتها صدور أجيال ظلت قيادات عجائزية تتعامل معها كوسائل وليست كغايات.. فمن دون إعادة النظر في ثقافة التغيير وجوهرها والتخلي عن سياسة احتواء الأحلام التي يقوم بها كهول الأحزاب سنظل في انتظار وردة لم نزرعها بعد..!
من المؤكد أنه كانت هنالك شخصيات قيادية حزبية كانت تحمل أفكارا إيجابية لكن لم تحظى بصنع القرار الحزبي و السياسي ودفعت ثمن إيجابية أفكارها بالإهمال حينا و الإبعاد أحيانا أخرى..!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…