الأمازيغي: يوسف بويحيى
لا أحد سينكر أن فرنسا من بين أكبر و أهم الدول الموقعة لمعاهدة “سايكس بيكو” الغاصبة لأرض كوردستان الكبرى ،كما لا يختلف إثنان على أن فرنسا من اخبث الدول سياسة في العالم مع بريطانيا….،لكن لماذا لا نرى إصرار فرنسا على تفعيل معاهدة “سايكس بيكو” في كوردستان كما هو الحال لبريطانيا؟! ،أو لماذا فرنسا تلعب على كل الأوتار الموجودة دون أن تعطي موقف واضح تجاه القضية الكوردية خصوصا في العقد الأخير؟! ،هل يمكن تفسير هذا أن فرنسا راجعت أوراقها لمصالحة الشعب الكوردي؟! ،أم أن في ذلك دوافع خفية جعلتها تخفف حدتها ضد كوردستان؟!
للإجابة على هذه الأسئلة بكل شفافية و دقة و بمنطق السياسة و الإقتصاد و المصالح بعيدا عن دوافع الوعي و الأخلاق و الإنصاف علينا أن نسلط الضوء على إمتداد الإمبريالية الفرنسية على مستوى العالم و ليس فقط الشرق الأوسط ،إذ أن السبب الرئيسي من ضبابية الموقف الفرنسي و تحالفها مع أمريكا يوحي إلى صراع فرنسي_بريطاني خفي ظهر بشكل علني أثناء إنسحاب بريطانيا من الإتحاد الأروبي ،علما أن قرار الإنسحاب البريطاني كان مقرر لمدة عقد كامل ،كان الهدف منه تخلص بريطانيا و تحررها من القيود و القوانين الأروبية ،من جهة أخرى بريطانيا ترى نفسها مثقلة بعد أن لاحظت الإتحاد الأروبي و القارة الأروبية عموما في
ضعف و تراجع إقتصادي و سياسي مهول ،فكان إنسحاب بريطانيا أول الدوافع التي جعلت فرنسا تتراجع للمحور الأمريكي و الألماني بشكل رسمي و واضح.
من جهة ثانية فرنسا ترى نفسها مضطرة للتنازل لأمريكا على بعض مناطق النفوذ من أجل حفظ مناطق قوتها الإقتصادية ،لهذا نرى أن فرنسا قدمت تنازلات لأمريكا في الشرق الأوسط مقابل الحفاظ على نفوذها بٱفريقيا ،كدليل على هذا يمكن الإستدلال بملاحظة كيفية إجهاض ثورات الربيع المغاربي التي كانت لا تخدم مصالح فرنسا (الجزائر،المغرب،تونس….) بدعم أمريكي ،بالمقابل تم إنجاح ثورات أخرى كالتي هي خارجة من تحت العباءة الفرنسية و الأمريكية (ليبيا مثالا) ،إذ بمنطق الإقتصاد و القيمة ليس من المعقول أن تضحي فرنسا بإفريقيا الثرية من نفط و غاز و ذهب و فضة و اورانيوم و بحار و طاقة و ماء…بمستعمرات الشرق الأوسط التي لا تتوفر على ربع مما تربحه فرنسا بإلقارة الإفريقية.
إن مسألة تنازل فرنسا لأمريكا بعد تقوي النفوذ الأمريكي و مشروعه الإقتصادي و العسكري بالشرق الأوسط كان قرار مرغمة عليه لإهماد و إستقرار مصالحها بإفريقيا عموما ،فما كان لفرنسا إلا أن تشتري صمت أمريكا بورقة الشرق الأوسط و صفقات الخليج العربي حماية لمنبعها الغني (إفريقيا) ،لهذا نرى فرنسا تحالف أمريكا التي تسعى جاهدة لمنافسة و إخراج الخليج و الشرق الأوسط من تحت النفوذ البريطاني ،ما جعل فرنسا تعود بمبادرات حسنة للتعاطي مع الملف الكوردي و شعب كوردستان بإتفاق امريكي جديد ،ضاربة بعرض الحائط التحالف الإستراتيجي بينها و بريطانيا الذي دام لمئة سنة تقريبا في الشرق الأوسط.
لقد كانت مواقف فرنسا تتغير شيئا فشيئا بشكل واضح لصالح الكورد حين قدم السيد “كوشنر” عدة نصائح لقادة الإتحاد الديموقراطي pyd بأن يضعوا يدهم بيد “مسعود بارزاني” معللا ذلك لهم على حد قوله “إن لم تضعوا يدكم بيد البارزاني فستخسرون كل شيء” ،بعد ذلك زيارة الرئيس “هولاند” كان لها وقع كبير من الناحية الأمنية و الإستخباراتية ،أي ان الضغط الأمريكي جعل من فرنسا ترضخ لأوامرها خصوصا في العراق و سوريا و إيران و تركيا منذ إندلاع ثورات الربيع المغاربي و بعض دول إقريقيا السمراء (السودان،الكوديڤوار،مالي…)
إن الصراع الفرنسي و البريطاني قائم إلى حد اللحظة بشكل رهيب لكنه لا يظهر بوضوح ،صراع بمثابة حرب باردة قد تقبل التصعيد في أي لحظة شريطة إذا كانت أمريكا وراءه علما أن الأخيرة سرقت تحالف فرنسا لصالحها من بريطانيا.
من ناحية إستطاعت رئاسة و حكومة كوردستان أن تستغل إقتناص الفرص المقدمة من طرف فرنسا بضغط أمريكي من أجل ترتيب العلاقات الديبلوماسية و الإقتصادية و السياسية لصالح الملف الكوردي و حقوق شعب كوردستان ،في حين بقي موقف بريطانيا متعنتا إلى حد اللحظة ضد شعب كوردستان ،مع العلم أن كوردستان الآن تعيش إنتعاش ملموس إقتصاديا و سياسيا و ديبلوماسيا يبشر بمستقبل و نهضة قوية بعد أن نجح “مسعود بارزاني” بشكل خاص في قلب المعادلات العراقية و الإقليمية و حتى الدولية بإدخال كل من روسيا و الصين على الخط بقرار مصيري شجاع دون علم أمريكا بذلك إلا بعد أحداث حيانة “كركوك”.