شفان إبراهيم
شكل البيان الختامي لمجلس سوريا الديمقراطية، نقلة جديدة على صعيد الاستخدام المُكرر لمصطلح الديمقراطية. مصطلحا خاويً من أي تطبيق فعلي أو مدلول ميداني وواقعي لها. خاصةً وأنهم استمروا في عدم تبني مبدأ مسؤولية الكتابة والالتزام تجاه الجمهور القارئ، والمتابع، وباقي التجمعات والأطراف السياسية الكُردية وغير الكُردية على حدّ سواء، الغير منضوين تحت لواء سوريا الديمقراطية.
اللامركزية الديمقراطية. مصطلح أبدعت فيه سوريا الديمقراطية لجهة بثّ التعويمات والتبريرات الهشة في الشارع الكُردي، خاصة وإن هذا التركيب العجيب يفتقد إلى إمكانية شرحه سياسياً أو ثقافياً أو فكرياً. ولم يصدف في التاريخ السياسي أو تاريخ الحروب والأزمات حول العالم أن تم تداول مثل هكذا ألاعيب لفظية.
لم تبلغ دهشة الشارع الكُردي والمتابع والمتواجد هنا في هذه الرقعة الجغرافية التي يتصارع الجميع حتى على تسميتها، لم يندهش المشاهد وهو يسمع تلاوة البيان بما يحمل من تكرار لمصطلح اللامركزية الديمقراطية. حيث سبق أن تمّ تشكيل إتحاد الحلاقين الديمقراطيين، ومجلس الصحة الديمقراطي، والفدرالية الديمقراطية… عدّا عن باقي الجهات التي يلزم عليها إلصاق مصطلح الديمقراطية بها كدليل على ديمقراطيتهم وتشبثهم بها.
وفق عقلية ونوعية تفكير هؤلاء. فإن الغرب والمجتمع الدولي، غبي ولا يحمل أي حلول للمنقطة خارج عن أسوار ديمقراطيتهم الجديدة. وربما يعتقدون أن التحالف الدولي مهزوم شرقياً وخاصة في سوريا، ويعاني من ضربات شعوبهم داخلياً، أو يبحثون عن من يحميهم أمام الشعوب الأوربية، وسيلجئون إلى ديمقراطيتهم المكررة الفاقدة لأي مضمون واقعي.. المضحك بالموضوع هو الانغماس الفكري والعقلي لمناصريهم إلى درجة حمل هذه البيانات والمصطلحات ومن يقف خلفها إلى درجة القداسة والتأليه، وتصويرهم بموقف المنتصر الهمام، وحملهم لأوراق ضغط كبيرة على النظام السوري ستجبره على العودة إلى المنطقة بشيء من انحناءة الظهر أمام بطولاتهم. ولا يجب أن يستغرب أحدٌ من عقليات هؤلاء. فلا نقدّ حقيقي يطال الأبطال الميامين، ولا يقف أحد على إخفاقاتهم وهزائمهم بشكل جدّي وعملي.
اللامركزية الديمقراطية. لم يكن خطأ مطبعي أو خطأ في الترجمة. وأجزم لم يكن اعتباطيا. فهو ببساطة لا يتجاوز ذر الرماد في العيون. فلا يجد حلاً عادلاً للقضية الكوردية، ولا يُطمئن الأشوريين والسريان، ولا يؤمن الحفاظ على الخصوصيات القومية للهويات المتعددة في سوريا المستقبل. هذا النوع من الطرح لا يحمي الخصوصية اللغوية ولا التفرد والتمييز الثقافي ولا يؤمن الانشراح النفسي والعاطفي للمستقبل الشعبي لأيّ مكون من مكونات المنطقة.
يحتار المتابع لوقائع مؤتمرهم في أمرين غريبين:
الأول: الطرح الجديد للمستقبل السياسي للمنطقة بعد مشاريع فدرالية شمال سورية. الواقع يقول: بعد تخلي روسيا عن قوات سوريا الديمقراطية في عفرين، فشل المشروع السياسي للإتحاد الديمقراطي، وسعت الجهات المتنفذة إلى تقديم بديل سريع وسهل بعيداً عن ما تم الترويج له خلال نصف عقد. والأغرب هو موقف الفئات المصفقة للطرح الجديد، وهم أنفسهم المصفقون للطرح الذي سبق.
الثاني: المكونين العربي والسرياني المنضويين تحت لواء الإدارة الذاتية، ومجلس سوريا الديمقراطية وباقي التشكيلات على اختلافها. حمل موقف الرافض لضمانات أخوة الشعوب التي قدمها مشروع الأمة الديمقراطية عبر تطبيق مبدأ الرئاسة المشتركة، خاصة مع انقسام المكون العربي على نفسه بين المنضم والمعادي والرافض للمشروع، لكن وفق نوعية الطرح الجديد فإن المشاركين كلهم اجمعوا واتفقوا على الطرح الجديد؟
من المحتمل جداً أن يكون طرح اللامركزية الديمقراطية ليس سوى للتخفيف ثم إنهاء طرح فدرالية شمال سوريا، وهي لامركزية غير محددة بنوعية نظام سياسي محدد، ومتثوب برداء مصطلح الديمقراطية. يمتلك الجسم السياسي /مسد/ قوات عسكرية /قسد/ وتتلقى الدعم من قوات التحالف الدولي ضد /داعش/ بقيادة أمريكا. مرحلة ما بعد الحرب على الإرهاب رُبما تمتاز بانتهاء الحاجة لتلك القوات، دولياً. فهل تم التنازل عن كل شيء مقابل ضمان عدم شنّ النظام السوري لأي حملات عسكرية على المنطقة، وإعادة تدوير عجلة الاقتصاد المرتبطة بالنفط والغاز والمعابر المغلقة؟ وهل يعتقدون أن الحل يكون في دمشق بعيداً عن حوارات وقرارات جنيف واللجان الدستورية والاتفاقات الدولية؟
يبقى السؤال الأهم: إن كانت /مسد/ ستمثل مكونات المنطقة المنضوية تحت لوائها، في أي لقاء مع النظام السوري، لماذا لم يتم الاتفاق على شكل الدولة، ونوعية الإدارات، ونظام الحكم في تلك الجلسات سواء المعلنة أو المغلقة. على اقل تقدير كي تحمل أوراق اعتماد وطلبات مكونات المنطقة، المنضوية معها.
رُبما يفسر الأمر على معرفة قسم من الحضور عن خفايا الطرح الجديد وما بين اسطر البيان. فالنظام السوري جادّ في لجم التواجد العسكري لأي طرف خارج منظومة الجيش السوري النظامي والرديف. وتركيا تتحين فرصة الضوء الأخضر الأمريكي للزحف نحو شرق الفرات، وروسيا قدّ تحظى بنفوذ أكبر للرقعة الجغرافية السورية، وإيران إلى مزيد من الانحسار والانكماش وفق طلب أمريكي، وهو ما لن ترضاه –إيران- ما قدّ يُمهد لنزاع جديد.
من المحتمل أن يستفيق قريباً أهالي دير الزور والرقة ومنبج والطبقة على هتاف وصيحات عناصر الجيش السوري، وأن يجد أهالي محافظة الحسكة أن جل الفرمانات والقرارات الصادرة عن الإدارة الذاتية وحزبها الحاكم قد ألغيت أو تبدلت وعلى رأسها قضية المناهج المدرسية، مع بقاء تواجد للإدارة الذاتية وبعض تشكيلاتها، لكن بنمطية ونظام جديدين.
قصارى القول، المصطلح المطروح ليس سوى محاولة للهروب إلى الأمام وعدم تمكنهم من التوجه صوبَّ دمشق بمشروع واضح أو رؤية سياسية واضحة للحل في سوريا. فلا إستراتيجية واضحة، ولا أجندة عمل للحوار أو التفاوض، ولا الأخذ برغبة وطموحات السكان الأصليين والممثلين الحقيقيين عن مكونات المنطقة، لدرجة أن حقوق القوميات والهويات دستورياً أضحت قضايا مجتمعية!