الأمازيغي: يوسف بويحيى
الثائر إسم علم مسمى لشخصية أمازيغية حرة خالصة لعبت دورا بارزا في النضال والدفاع عن الهوية الوطنية و الثقافة الأصلية لشمال إفريقيا (تامازغا) ،إستطاع نحت إسمه بأحرف من ذهب في قلوب و ذاكرة الملايين من الشعوب العالمية و الشعب الأمازيغي المطالبين بحقهم في الوجود وفق أرض أجدادهم التي جردهم منها الغزاة ،رسخ إسمه في سجل الحركة الأمازيغية التي كان عضوا فعالا فيها و نجما في سماء الثقافة الأمازيغية ،المتمرد الأمازيغي كما يحلو للجميع أن ينادوه أو “ٱلدا لوناس” بمعنى الكبير و العالي ،إنه الفنان و المفكر و الفيلسوف و الشاعر “معتوب لوناس” من مواليد 1956 بأعالي جبال “جرجرة” الشامخة بٱحدى القرى التي تبعد حوالي عشرين كلم عن قلعة النضال “تيزي وزو” في القبايل بالجزائر ،ينحدر من عائلة بسيطة ذاقت مرارة و ويلات الحياة تتكون من جدته و أمه و أخته الصغرى لم يعرف حنان الأبوة رغم أن والده على قيد الحياة لكن هاجر وإغترب في فرنسا قصد إعانة عائلته ، لكن ذلك دام طويلا مما أجبر “معتوب” تولي المسؤولية رغم نعومة أظافره كونه الرجل الوحيد في العائلة والمدبر لشؤونها ،
عاش حياة بسيطة كمعظم سكان القرية و لعبت طفولته دورا هاما في تكون شخصيته الثائرة ،كيف لا وهو من مواليد حقبة الإستعمار الفرنسي وعاش ثورة التحرير الممتدة من 1954 الى سنة 1962 ،لقد عرف المعنى الحقيقي للوطنية بسبب أن جبال “جرجرة” الشامخة كانت معقل الثورة و قبيلة الثوار و من بين أكبر المناطق التاريخية التي ضحت بما تملك من خيرة رجالها ونسائها وكان الثمن غاليا تسع مئة و خمسين ألف شهيد بمختلف الرتب العسكرية ساهموا كلهم في تفجير و تسيير الثورة ناهيك عن الأضرار المادية و النفسية التي لحقت بالمنطقة ،لم تدم فرحة معتوب لوناس كثيرا حيث عاش الإصطدام الدموي الذي وقع بين قادة الثورة المتمثلة في شخصية الزعيم الراحل “الحسين أيت أحمد” كونه من أبرز مفكري ومفجري الثورة التحريرية و جيش الحدود الذي أجهض الثورة بإستلائه على مقاليد السلطة بدعم فرنسي رغم كونهم لم يطلقوا رصاصة واحدة إبان الثورة ،حاول “أيت أحمد” تسوية الأمور بهدوء ودبلوماسية إلا أن تعنت جيش الحدود وإسرارهم لغتصاب إرادة الشعب أرغم الزعيم “أيت أحمد الحسين” للصعود للجبال بنفس المنطقة “تيزي وزو” حاملا السلاح رفقة مقاومين مخلصين لمبادئ الثورة المتمثلة في إعادة الكلمة للشعب و له الحق ليختار.
رغم صغر سن “معتوب” كون تلك الأحداث جرت سنة 1963 أي مباشرة بعد الإستقلال المزعوم ،كان يتتبع الأحداث و إستطاع إستعابها و فهم ما يحصل و إستخلاص درس الوفاء للمبادئ التي ضحى من أجلها رجال كانوا يحلمون بوطن حر يتساوى فيه جميع شرائح الشعب و تكون سيادته هي العليا فوق كل إعتبار ،لقد كانت نتائج هذا الإصطدام الدموي بين الطرفين وخيما على المنطقة مما أثر سلبا في نفسية “معتوب” ،منها بدأت الأمور تتضح له كسائر سكان منطقة القبائل و المسألة إتخدت بعد سياسي عرقي محض ما يفسر العداوة القائمة بين السلطة الحاكمة ومنطقة القبائل الأمازيغية ليومنا هذا ،فهم “معتوب” أن من قتل الآلاف من الأمازيغ لن يتردد عن قتل الغير إن تقاطعت مصالحهم الضيقة مع جميع من يخالفهم ،دخل المدرسة سنة1961 حينها لم يستوعب اللغة التي كانت تتداول فيها كونها تختلف مع لغته الأم الأمازيغية التي تربى بها في أحضان أمه ما جعله يتساءل ما السبب و الهدف وراء ذلك؟! ،لم يدم هذا طويلا حيث طرد من المدرسة بقرار تعسفي من مديرها متحججين بإثارته للشغب وعدم الإمتثال للقانون الداخلي للمؤسسة ، لكن الحقيقة كانت غير ذلك كون أحد المعلمين عثر في محفظته على كتاب عن أصول و أبجديات اللغة الأمازيغية “التيفيناغ” أبلغ عنه الإدارة ،هذا كان سببا مقنعا لهم لطرده من مقاعد الدراسة مما شكل نظرة سوداء متشائمة عن المدرسة الوطنية والدور المنحط الذي تلعبه في تعليم وتربية الأجيال القادمة كونها إنحرفت عن دورها الأساسي مما جعله ينطق بقولته الشهيرة “لن أدرس في مدرسة مريضة” ،لم يستسلم “معتوب” راح يتكون كميكانيكي في أحد مراكز التكوين المهني بالعاصمة الأمازيغية “تيزي وزو” كونها المنطقة التي كان ينحصر فيها الفن الشعبي الأمازيغي هناك تأثر بعمالقة الفن أمثال “الحاج العنقة” وغيره…
رغم طرد “معتوب” من المدرسة ظل شغوفا إلى طلب العلم ،كان كثير القراءة و الكتابة ،تأثر بالمفكر الأمازيغي (الجزائري) “مولود معمري” كونه الأب الروحي للنضال الأمازيغي و مفجر الربيع الأمازيغي الذي تم إغتياله في المغرب نتيجة حادث سير كان مخطط له بإحكام حين حل ضيفا لإلقاء محاضرة حول الهوية والثقافة الأمازيغية ،كما تأثر بكاتب ياسين و “مولود فرعون” و “ديكارت” و غيرهم من كتاب و مفكرين إستطاع الإستفادة منهم وحسن مستواه الثقافي و المعرفي و العلمي ،كما برهن لغيره أن العمل لا ينحصر فقط في المدارس و الجامعات و ليس حكرا للدكاترة و الأكاديميين وخريجي المعاهد العليا بل يكمن ذلك في إرادة الفرد و مدى تحمسه لبلوغ هدفه المسطر ،من خلالها أصبح مفكرا و مترجما و كاتبا و شاعرا و مطربا و ملحان و فنانا مدافعا عن القضية الأمازيغية و الديمقراطية و حقوق الإنسان في وطن لا حق فيه للضعيف ،إنضم لصفوف الجيش الوطني الشعبي سنة 1975 نتيجة التجنيد الإجباري لكنه سرعان ما إنسحب منه ،مبررا ذلك بمرضه و عدم إستطاعته الخدمة إلا أن الحقيقة مغايرة حيث كان السبب الوحيد الذي لم يرق له و لم يعجبه هي تلك الحرب القذرة التي دفع إليها كلا النظامين الجزائري والمغربي لأتفه الأسباب خدمة لمصالحهما الشخصية الضيقة ،كان حافز هذا الموقف سماعه لجنود مغاربة امازيغ يتحدثون لغة تشبه لغته الأم الأمازيغية ،قال من خلالها حسب قوله كيف لي أن أقتل أخا وجارا يقاسمني كل شئ نفس اللغة و اللباس و الطعام و المحيط الجغرافي بل حتى مشاكلنا ،ما جعله يقف أمام المحكمة العسكرية بسبب ذلك ،شاءت له الأقدار أن يسلك طريق أبيه الذي إشتاق له في طفولته و هاجر للغربة “فرنسا” هناك إلتقى “سليمان عازم” و “حنيفة” كلاهما من عمالقة الأغنية الأمازيغية…
في ظل أحداث الربيع الامازيغي سنة 1980 نظم حفلا بالألمبية بفرنسا أرسل عائدات ومداخيل الحفلة للناشطين في الحركة الأمازيغية بالجزائر ،كما نظم مسيرة سلمية أمام قنصلية الجزائر بفرنسا إحتجاجا على الأوضاع والأحداث التي كانت تعيشها منطقة القبائل من قمع وتهميش و مضايقات يومية يتعرض لها النشطاء السياسيين و المناضلين المناهضين للنظام الحاكم ،للإشارة فقط فقد كان سبب الأحداث الأليمة التي عصفت بالمنطقة هو إعتقال و منع المفكر الأمازيغي “مولود معمري” من إلفاء محاضرة حول الهوية الأمازيغية في جامعة “وأد عيسي” بمنطقة “تيزي وزو” و التي تحمل إسمه اليوم أي جامعة “مولود معمري”.
بحلول سنة 1983 شاءت الأقدار أن يصادف حدثا غير مجرى حياته و يكون له صدى عميق في نفسيته جعله يتعلق بالحياة و هو الشيء الذي أعطاه بصيص أمل في الحياة ليتذوق حلاوتها بعد طفولة بائسة حرم فيها من أدنى الحقوق ،ٱسمها “جميلة” التي تعلق بها و أحبها وتغنى بها لآخر أيام حياته ،فتاة أمازيغية مقيمة بالمهجر في فرنسا تنحدر من نفس قريته جعلته يحبها ويتعلق بها طالبا يدها للزواج ،إتفقا أن يعقدا عقد قرانهما في الوطن الأم حيث لم تمر إلا أيام ليحصل ذلك و قررا الإستقرار فوق التراب الوطني الأمازيغي بالجزائر ،عاش أحلى أيام حياته معها كانت سندا له في السراء والضراء مما زاد تعلقه بها ،لم يتوان يوما عن قضيته الأمازيغية المبدئية هي الهوية و الوطن المغتصبين ،كان كثير التنقل و دائم الغياب عن منزله وعائلته يقيم حفلات ومؤتمرات داخل وخارج الوطن مناديا بأعلى صوت “أنا لست من تريدون أن أكون بل أنا أمازيغي حر” ما جعل السلطة الحاكمة تراقبه و تراقب جل تحركاته مدركة أن مثل هذه الشخصيات قد تهدد إستقرارها ومصالحها ،حاولت مساومته لإستدراجه نحوها قصد وقوفه بجانبها عارضة إمتيازات مغرية لكنه عارض ذلك و كان جوابه الرفض قائلا: لست كبشا للبيع ، حاولت الدولة الجزائرية مجددا التضييق عليه بعرقلة تحركاته وإعتقاله لأتفه الأمور كما غلقت في وجهه كل وسائل الإعلام السمعية و المرئية و حتى المكتوبة في محاولة عزله عن باقي الشعب ،ناهيك عن محاولاتها تلطيخ إسمه في الوسط الاجتماعي لكن ذلك لم ينفع أمام إرادة وصلابة “معتوب” ما زاده قوة و إرادة لبلوغ هدفه المنشود ،علما في ظل الوضع المتأزم زاد تعلق الشعب به و أصبح ثقل لا يستهان به أصبحت كلماته تلقى صدى وتجاوب جماهيري لا مثيل له على مستوى العالم و أرض “تمازغا” الكبرى.
عارض “معتوب” سياسة النظامين “هواري بومدين” الذي ينتمي لجيش الحدود “الشاذلي بن جديد” خليفته الذي كان سببا في تأزم الأوضاع الإجتماعية والسياسية للبلاد التي أدت إلى تفجير الأوضاع داخل المجتمع عام 1988حين خرج الملايين من الجزائريين في العاصمة وضواحيها مطالبين السلطة الحاكمة بالتغيير الجذري للنظام وتأسيس الجمهورية الثانية ،كان “لوناس” أحد رواد هذا الحراك ساهم في تحريك الأوضاع في منطقة القبائل إذ أنه كان الوسيط بين الحركة الأمازيغية و سائر الجامعات المتواجدة بالمنطقة كونه يلقى إحتراما وصدى كبير بين الطلبة الجامعيين و كان كثير التردد على هذا الوسط مدركا للدور الذي يمكن للجامعة أن تلعبه في صنع القرار ،أنذاك خرج من جامعة “مولود معمري” بواد عيسي في تيزي وزو حاملا معه منشورات تدعو لمساندة الحراك بطريقة حضارية و سلمية دون تكسير حيث في طريقه نحو المدارس و القرى وقع في حاجز للدرك الوطني أقاموه خصيصا له ليطلقوا وابلا من الرصاص نحوه ليسقط كجثة هامدة بعد أن أصيب بسبع رصاصات من الكلاشينكوف لينقل على جناح السرعة لقسم الاستعجالات بالمنطقة ثم للعاصمة ثم لينقل خارج الوطن إلى فرنسا بضغط من الجماهير الأمازيغية لأن النظام الجزائري كان رافضا لقرار معالجته كونه رمز ثوري سيعيق سمعة النظام على المستوى الدولي ،مكث عدة أشهر بفرنسا ليتماثل للشفاء بعد إجرائه لثمانية عشر عملية جراحية ،رغم الإعاقة الدائمة و الأزمة النفسية التي تعرض لها على وقع تلك الحادثة الأليمة التي غيرت مجرى حياته ،نظرا للأحداث الخطيرة التي كانت عائلته تعيشها آنذاك لم تستطع زوجته البقاء للعيش معه تحت هذه الظروف وطلبت منه الطلاق وكان لها ذلك رغم تعلقه بها إلا أنه كان يرى إن كان الأمر سيحسن من حياتها فلا بأس بذلك ،بعد عودته من فرنسا بأيام لأرض الوطن على كرسي متحرك إذ تلقى طعنات بخجنر في مفرزة الدرك الأمني بتواطؤ مع الأخير.
تقهقرت صحته وتأزمت حالته النفسية نتيجة تلك اللعنات و ذلك القدر المشؤوم ،لكن رغم صحته المزرية و جسده الهزيل بالكاد يقف على رجليه بٱستعمال عكاكيز نظم حفلات و سهرات داخل الوطن وخارجه في فرنسا و نيويورك و كاليفورنيا و مونتريال…للتعريف بالوجود و التاريخ و الجغرافيا و الثقافة الأمازيغية و إرثها مطالبا الجالية الأمازيغية هناك لمساندة قضيتهم والمطالبة بهويتهم من خلال تنظيم مسيرات أمام المجتمع الدولي ،برهن مرة أخرى أنه لن توقفه لا طعنات الخونة ولا رصاصات الغدر فمهما حاولوا أن يوقفوه و لن يزيدوه إلا عزا و إصرارا و ثبات حيث هو من قال: “التمسك بالحياة والعيش فيها شيء جميل لكن الموت من أجل مبدأ وقضية عادلة أجمل وأنبل” ،ليعود مرة أخرى للعمل في الميدان ليكون أحد منظمي المسيرة السلمية المطالبة توضيحات حول مقتل الرئيس “محمد بوضياف” الذي غدرته جنرالات النظام علما أن “بوضياف” أحد الزعماء الذين فجروا الثورة التحريرية لينفيه المقبور “بومدين” خارج الوطن ليختار أن يستقر في المغرب كحيار سياسي له ليبرهن مدى أخوة الشعبين ،خلال المسيرة تنفجر قنبلة أمام “معتوب” كونه كان في الصفوف الأولى لكنه نجا بأعجوبة ،خلال الإنزلاق الأمني الذي عرفته البلاد بعد 1991 بعد إلغاء المسار الإنتخابي حيث فتح “لوناس” جبهة أخرى للمقاومة المتمثلة في الدفاع الذاتي مقاوما للجماعات الإسلامية الإرهابية التي كانت منتوج إستخبارات النظام لإسكات الشعب بالتقتيل والترهيب ،أبى أن تمتد جذور تلك الجماعات لمنطقة القبائل ليتم إختطافه لمدة خمسة عشر يوما سنة 1994 من طرف مجموعة مسلحة مجهولة تنسب نفسها للجماعات الإسلامية الإرهابية التى كانت تنشط بالمنطقة تحت إمرة جنرالات خفية ،لكن بعد أحداث مظاهرات و شغب وإنتفاضة عارمة من الشعب الأمازيغي داخل و خارج الوطن بعد ضغط رهيب مطالبين بالإفراج عنه قبل أن تتطور الأمور ما جعلهم يلطلقون سراحه و حالته النفسية متدهورة لما عاشه كمختطف ليهاجر مرة أخرى لفرنسا ليكتب كتابه الشهير بعنوان “المتمرد”.
لقد كان “معتوب لوناس” أحد المشجعين الأوفياء لشبيبة القبائل لكرة القدم لكل ما تحمله من رمزية للمنطقة و للثقافة الأمازيغية كثيرا ما غنى لها و تغنى بها ،كانت فخرا له حيث كان رصيده البنكي مفتوحا لها كلما لجأت إليه ،كان سندا للمظلوم و صوتا حرا لمن لا صوت له ،وزن يحترمه الصديق و يهابه العدو ،أما رصيده الفني كان ثريا معظمه كانت أغاني بالألاف قومية أمازيغية و سياسية و إجتماعية و ثقافية ،بعد أن نظم أغنية ينتقد فيها النظام القائم حين أعلن عداءه المطلق له ،فما كان للنظام سوى أن يأخد لحن الأغنية ذاتها ليضعه في النشيد وطني الجزائري إلى حد الآن فقط ليتم إيقاف و تليين موقف “معتوب” الشامخ الذي رفض كل شيء من النظام و لم يقبل أي حفلة أو مهرجان بدعوة من النظام الجزائري ،بعد صموده تم إستدعاؤه للإمتثال أمام المحكمة لمطالبته بتوضيحات و أسباب مساسه لأحد رموز الوطن ،هناك أحيكت له مؤامرة جديدة كان مديرها النظام القومجي العروبي و منفذها إبنها المتمثل في الجماعات الإرهابية الإسلامية ليسقط في كمين حيث كان عائدا لقريته سنة 1998 ليسقط شهيدا ،حيث فارق الحياة تحت ثمانية و سبعين رصاصة كلها بغض و حقد في حق جبل طالما صعب عليهم تسلقه و إسكاته ،حيث كيف أن تكون 78 رصاصة لإغتيال رجل واحد لو لم يكن جبلا أو جيشا في عيونهم ،رغم النصائح التي قدمها له الأحباب و الأصدقاء بعدم للإمتثال للعدالة و عدم دخول الوطن كون المسألة غامضة من الممكن أن يكون ذلك فخا قد يؤدي بحياته لكن كانت إجابته حاسمة قائلا: “الموت من أجل المبدأ و لأجل قضية وطنية أفضل من العيش طويلا و الموت على فراش المرض” ،بل الحقيقة أن “متعوب لوناس” تم إغتياله وفق إتفاق دولي جزائري مغربي تونسي ليبي مصري سعودي عراقي تركي فرنسي إسباني بريطاني أمريكي…،لم يعرف النظام أن تصفيته لمن كان يحمل قضية الملايين من الأمازيغ حماقة حيث إذ أرادوا قتله لكن أحيوه للأبد ليظل رمزا و قدوة للأجيال القادمة ومنبعا للنضال و المقاومة و الوفاء.
لم يستطع أي طرف دولي النجاح للتوسط في الصلح و الهدنة بين “معتوب” و النظام الجزائري بل بين الأنظمة العربية القومية جميعا القائمة في أرض “تمازغا” الكبرى ،لم يستجب “معنوب” لأي قرار رئاسي عربي و أروبي ليتوقف عن خلق الثورة الفكرية و الفنية و الشعبية الأمازيغية ،كما لم يكن يخشى قول اي شيء أمام كان من يكون ،إذ قال قال سئل يوما ماذا سيفعل لو كان رئيسا للجزائر فأجاب: سأحذف كل الوزارات و سأنشئ وزارتين الأولى وزارة التفكير و الثانية وزارة تقسيم الثروات ،كما وجه خطابا قويا لرئيس الجزائر يعني به النظام ككل يقول في بعض مقتطفاتها *إنني أتوجه إليكم بالخطاب بقلب مثقل ،هذه الكلمات التى قالها محكوم عليه ،قد تشفي غليل بعض الأفراد المقهورين ،إنني أخاطبكم بلغة مستعارة ،لكي أقول لكم بكل بساطة و وضوح ،إن الدولة لم تعن يوما الوطن*…هكذا إختتم “معتوب لوناس” أغنيته على شكل رسالة بعنوان “سيدى الرئيس” ،لقد كانت رسالة كشفت للأعداء أنه لن يتنازل إلا بتغير النظام القائم و القوى الحاكمة ،كما وسمته “دانيلا ميثيران” زوجة الرئيس الفرنسي ” فرانسوا ميثيران” لكنه صدم الجمهورية الفرنسية بخطاب أنذاك في حفل تكريمه إذ قال :*الأمازيغي الذي أنا هو أخ اليهودي الذائق مرارة الإضطهاد ،وأخ للأرميني الذي قاس مرارة المحرقة ،وأخ الكوردي الذي يعيش تحت طلقات الرصاص التي تتقطع مساراتها فوق رؤوسهم آتية من طرف عدة ديكتاتوريات غاصبة لوطنهم ،وأخ الإفريقي الذي أنتزعت جذوره عن وطنه ،ولنا كلنا ذاكرة مشتركة في النضال والتضحية و قد حان الوقت لننسج بيننا جسور الأخوة والتضامن* ،لقد اعاد “معتوب” التاريخ الأمازيغي المدفون و كان حافزا و رمزا عند الشعوب المضطهدة في كل بقاع العالم ،لقد حملت صوره مع صور “كيفارا” في أمريكا اللاتينية و أروبا و إفريقيا السمراء ،كما إقترن إسمه عند الإخوة السود بما لا يقل عن “مانديلا” و “مارتن لوثر كينغ” ،اثقل كاهل النظام الفرنسي في الداخل الفرنسي و الأروبي كما عذب و أرهق الأنظمة العربية ،لا يكاد تذكر إسم “معتوب” حتى عند الشعب القبطي إلا هتفوا بٱسمه لكونه مثقفا عميقا و عارفا للتاريخ بشكل دقيق ،بل كان يفكك بشكل رهيب سياسات الدول العميقة الخفية الحاكمة و المسيطرة على إرادة الشعوب الأصلية في كل بلدان العالم ،كان يكتب باللغة الفرنسية التي لم يستطع الفرنسيين الكتابة بها و بالأمازيغية القوية ،كل هذا و “معتوب” لم يظهر قط على التلفزيون الجزائري في حياته ،كانت حياته مليئة بالرصاص الغاشم و المحاولات و المكايد و المؤامرات في أي بقعة رحل إليها قصد النيل منه حينها قال: *أعلم أنهم سيقتلونني لكنني لن أقبل الإهانة* ،كانت أغانيه و حفلاته في القبائل دون رخصة النظام الجزائري تستقطب ملايين من الجماهير التي تغني و ترقص و تبكي لشدة الشغف و ما تفعله كلماته بهم ،كان موته بإغتيال يوما مظلما في تاريخ الجزائر حيث كانت جنازته أعظم مناسبة ذات قاعدة جماهيرية مليونية لم يشهده إلى الآن أي موكب رئاسي قائم بإسثتناء الربيع المغاربي ،كانت محاضراته بجامعات بالقبائل غير نظامية إذ كان يأتي للجامعات و يلقي المحاضرات على الطلبة الأمازيغ رغم أنف النظام ،وإلى الآن مازال رمز الفكر و الثورة و النضال و الأحرار و القضية و الوطن
نم هنيئأ يا شهيد القضية الوطنية يا من أنت عنوانا لكل ثائر و لكل قضية عادلة ،وقدوة لكل صوت يرفض التهجين والمساومة ،وتأكد أنك لاتزال حيا في قلوب الملايين ،وعلى روحك الطاهرة التي أفنيتها خدمة لهم ،وتأكد أن من حاربتهم وعارضتهم قد رسخوا الأمازيغية اليوم لغة وطنية و رسمية في وطن لطالما أردته أن يكون كذلك ،فنك ونضالك اليوم محل دراسات جامعية و بحوث للطلبة المتخرجين من الإجازة إلى الدكتوراة ،الرحمة على روحك الطاهرة يا شهيد القضية الوطنية فلا تتعجب أيها القارئ و ليكون في علمك أنها حقيقة لحياة رجل ثائر خلد إسمه بالعالم كاملا كونه حفيد ماسينيسا و يوغرطة و ديهيا و أكسيل.