الأمازيغي: يوسف بويحيى
ٱن “ناصر الزفزافي” لا يشغل أي منصب في الدولة المغربية و لا نشاط حزبي معين و لا منخرط في جمعية حقوقية…،بل مواطن فقير يعمل في تجارة حرة بسيطة لكسب قوت يومه ،لا يقل طبقية على شهيد حراك الريف “محسن فكري” بائع السمك الذي تم قتله بطاحونة شاحنة الأزبال بجملة مشهورة عامية “طحن مو” بمعنى “قم بطحن أمه” ،حيث أستغرب من الصحافة المغربية المأجورة بٱدعائها “ناصر الزفزافي” بالمعتقل السياسي علما أنه لا توجد أي حجة ملموسة تجعله مصنفا ضمن الإعتقال السياسي المعروف حسب بنود قانونية ،فما كانت تهمة الإعتقال السياسي التي نسبت إليه سوى بوابة لتلبيق التهم الصورية كالعمالة لإسرائيل بمثابة ضالة لكل من لم يجد لنا سببا و لجهات خارجية معادية للدولة المغربية قصد تضخيم الأمر و تمويه رأي الشعب المغربي على مضمون حقيقة الملف المطلبي لأهل الريف الشرفاء.
إن الملف المطلبي الذي هتف به أهل الريف و خرج من خلاله ملايين الشعب المغربي بمسيرات سلمية ،إحترمت من خلالها كل الشروط المنصوص عليها دوليا بلغة الحوار و التحضر ،للعلم أن قادة حراك الريف هم مجرد شباب الطبقة المسحوقة ٱجتماعيا و إقتصاديا لا علاقة لها بالمعارضة السياسية و لا الحكومة ،مع العلم أن أهل الحراك أبدوا موقفهم من الإثنين (المعارضة و الحكومة) كمتورطين في سرقة و نهب ثروات الريف الذي يملك موارد نفطية و غازية و معدنية و بحرية دون أن يستفيد أهل المنطقة من أي شيء ،بل الحقيقة أنهم مسحقون و مهمشون بشكل فظيع مع ذلك كانت نية قادة حراك الريف مع الحكومة المغربية ذات طابع الحوار و السلمية رافضة العنف و الصدام و الشغب ،لكن لمدة سنة كاملة عجزت الحكومة المغربية على عقد إجتماع جاد مع أهل الريف لأسباب كثيرة أثبتت أن الحكومة ما هي إلا دمية كرتونية تحركها الأيدي التي سرقت الريف و نهبته ،كان سببا كافيا بعدم توجيه الحكومة خطاب إلى. ما يسمى التساميح و العفاريت التي بدورها من تدفع رواتب الوزراء الحكوميين.
معادلة صعبة معقدة كان أهل الريف عن علم بها جيدا ،مع كل هذا طالبوا فقط بتحسين الوضع المعيشي و الصحي و التعليمي إلى بعد حين أن تضبط الأوضاع مستقبلا ،بحكم أن قادة الحراك رفضوا قطعا أن يكون المغرب مثل تجربة سوريا و اليمن و العراق و ليبيا…،مع ذلك لم يكف صحافة الدولار عن إفتراء الكذب و البهتان و الزور لتشويه حراك شعبي إنبثق من رحم الشعب بسبب معاناة كارثية لا تعود ليوم أو عام بل لمئات السنين التي راكمت هذا التهميش ليصبح كثقافة تعايش معها أهل الريف و الشعب المغربي بصفة عامة رغم القسوة و التحديات ،ما بادلته الحكومة المغربية بالمراوغة و القوة و لغة الخشب دون أي خطوة جدية للحوار البناء و لا للإستماع لأهل الريف كأضعف الإيمان.
لم يتوان صحافة الدولار بنعت أهل الريف بالإنفصاليين و أصحاب الفتنة و الخونة و المرتزقة و الدخلاء و الأوباش…،لكن هل يا ترى تم إعتقال شخص دخيل غير مغربي ضمن المعتقلين المحاكمين؟! ،فالزفزافي و الشهيد “محسن فكري” و باقي المعتقلين جميعهم مغاربة و كل الأوراق الحكومية تثبت هويتهم و مغربيتهم ،أما بخصوص تهمة الإنفصالية و التخوين فالملف المطلبي لحراك الريف لا يتوفر على مطلب يمس بأمن و إستقرار دولة المغرب ،بمعنى آخر أنهم لم يخرجوا أبدا لإجراء إستفتاء الحكم الذاتي أو طالبوا بالإستقلال ،علما أن مثقفي الدولار إستغلوا أمازيغية الريف لترويج السموم بشأن الحراك قصد تخوينه و تصهيينه ،لكن الجواب بالمنطق سواء تم الحراك أم لم يتم فهل من أحد يشك في أمازيغية الريف و المغرب عموما!! ،علما أن هذه حقيقة تاريخية و جغرافية و أنثروبوجية صرفة لا غبار عليها ،مع ذلك لم تندرج مطلقا ضمن الملف المطلبي كون كل حوارات و خطابات قادة أهل الريف كان الهدف منها الإصلاح و رفع التهميش لا أقل و لا أكثر.
منذ تعديل الدستور سنة 2011 على يد الملك “محمد السادس” أصبح الحكم بالمغرب برلماني توجهه إنتخابات شعبية ولو بشكل شكلي فقط ،ولو تماشينا مع هذا الفهم لوجدنا أن المقدسات الثلاثة “الله،الوطن،الملك” لم تلمس و لم تدنس أبدا لأن خطاب و مطلب أهل الريف كان موجها إلى الحكومة و أحزابها ،كون من حق أي مواطن مغربي أن ينتقد الحكومة بذريعة أن صوته جزء من تكوينها ،هذا إذا كان يؤمن رجال الدولة بما شرعوه لنا و يتبجحون به ليل نهار بٱسم الحرية و الديموقراطية و التعبير…،لهذا فٱعتقال “ناصر الزفزافي” تعسفي و قمع لحرية التعبير و النقد لأشياء تعتبر حقوقا للمواطن ،علما ان الحكومة تأسست وفق إنتخابات بأصوات هذا الشعب الذي تم إعتقاله بمجرد أنه إنتقد شيئا فيها أو طالب بمحاكمتها ،فعوض أن تتدخل السلطة المغربية بإحالة ملف الريف المطلبي و التهم المنسوبة لرجال الحكومة إلى القضاء قصد الحسم و التدقيق فيها لمحاكمة الفاسدين و المذنبين تم إعتقال الضحية بينما بقي الفاسدون أحرار بلا أي تحقيق ولو شفهي بسيط.
إن تهمة إعتقال “ناصر الزفزافي” بذريعة إقتحام المسجد يوم الجمعة هي كذبة و تزوير و تدليس للحقائق ،بل الحقيقة أن “الزفزافي” كان في نفس المسجد لأدائه واجب صلاة الجمعة كمسلم مع باقي المسلمين ،بمعنى أنه لم يكن ملحدا أو مسيحيا أو يهوديا…بل مسلما كباقي المصلين ،مع كل هذا تم إستغلال ذلك من طرف الإسلاميين لدس السموم الإعلامية للرأي العام المغربي و الإسلامي ،بينما كانت نقطة نظام “ناصر الزفزافي” كانت عندما بدأ خطيب الجمعة بالتهجم على أهل الحراك واصفا إياهم بالخونة و أصحاب الفتنة و التفرقة ،قاطعا إياه قصد توضيح ملف و مطلب الحراك أمام الجميع ،في حين كان أكثر من نصف الحشود بالمسجد لم يتوقعوا أن الزفزافي موجود أصلا في المسجد لولا أنه تكلم ،فما كان للحشود إلا أن صفقت للزفزافي لأنه أسكت الببغوات بأدلة قاطعة بكل إحترام و أدب ،فما لبث ذلك إلا بضع دقائق حتى إنفجر إعلاميا بصيغة بعيدة عن الصحة و الحقيقة ،أي ما كان أصلا يبحث عنه رجال الحكومة و الدولة للإنقضاض على الزفزافي بتهمة المس بالمقدسات الدينية.
ٱن السؤال الذي يطرح نفسه و لم أجد أحدا إستطاع الإجابة عليه أو حتى التطرق له من مثقفي و خطباء الدولار هو لماذا لم يتم الإفصاح عن تهمة المس بالمقدس الديني و محاكمة الزفزافي عليها؟! ،علما أن كل التهم التي إتهم بها الزفزافي و رفاقه كانت لا علاقة له بها أبدا و خطيرة جدا لم تكن حتى متداولة في ساحة الحراك ،تهم لم يكن حتى “نيلسون مانديلا” و “مهاتما غاندي” و “گيڤارا” متهمون بها كقادة أنظمة و أمم فما بالك بشاب عاطل ينحذر من أسرة مسحوقة فقيرة كالثائر “ناصر الزفزافي” ،ٱنه لأمر عجيب أن تعيش في وطن كل حلمك فيه هو أن ترحل منه.
إلى هنا ماذا حققت الدولة المغربية من إعتقال “الزفزافي” و تعذيبه و الحكم عليه؟! ،الحقيقة أنها خطوة
خاطئة فادحة إرتكبها صناع قرار الدولة المغربية لن يحمد عقباها كونها بمثابة إعتقال للشعب المغربي عامة و ليس “ناصر الزفزافي” فقط ،فالدولة العميقة المغربية عوض أن تتدخل بصدر رحب لفك كل الإشكاليات التي يعيشها الشعب المغربي فضلت أن تتركه ضحية تصفيات حسابات المعارضة و الحكومة فيما بينهما و بين القوى النظامية الحاكمة و الغير الحاكمة المعارضة سواء من داخل الوطن و خارجه ،من جهة أخرى كان موقف أهل الريف من أحداث الصحراء قبل أيام بين الدولة المغربية و جبهة البوليساريو مشرفا و وطنيا بحرق أعلام ما يسمى الجبهة الديموقراطية الصحراوية (البوليساريو) ،لكن هذا لم يذكره إعلاميو الدولار على القنوات و الصحف لأنه يطعن فيما يبتدعونه بخصوص الإنفصال و الخيانة و الفتنة…
أليس من العار و الفضيحة أن يعتقل حراك شعبي فقط لأنه طلب بمستشفى و جامعة و طريق و عمل…،أليس مهزلة أن يحكم مواطن مسحوق بعشرين سنة من السجن كمجرم قاتل ،بينما الوزير الذي سرق ثروة بحار المغرب خارج الوطن حر طليق ،وبينما المسؤول الذي سرق طائرة مغربية باعها في “كندا” حاجزا مبلغها في رصيده الشخصي حر طليق ،وبينما وزير سرق رمال شواطئ بحار المغرب في سوق السوداء حر طليق ،وبينما مسؤول سرق صندوق الضمان الإجتماعي للمتقاعدين لنفسه حر طليق ،وبينما مسؤولون سرقوا أطنان من الذهب و الفضة و المعادن الأخرى أحرار ،وبينما مسؤولون يسرقون النفط و الغاز الطبيعي بشكل شخصي أحرار ،وبينما كل وزير يتقاضى على أقل سبعة ألاف يورو شهريا مع الإعفاء من الضرائب و براتب تقاعد مدى الحياة أثناء نهاية الولاية زائد تعويضات تقدر بمليون يورو كتعويض وزاري ،وبينما نواب البرلمان يتقاضون على الأقل ثلاث ألاف يورو مع الإعفاء من الضرائب و تعويض برلماني يقدر بخمس مئة يورو أثناء نهاية الولاية بالإضافة إلى راتب تقاعد مدى الحياة…،في المقابل يبقى المواطن المسحوق دائما هو الذي يدفع ثمن تلك السرقات بفرض عليه الغلاء و الراتب الضعيف و زيادة ساعات العمل و رفع عمر التقاعد و خفض راتب التقاعد ب60℅…،بالإضافة إلى أنه لا يستفيد من أي شيء مجانا خصوصا بعد أن بيعت كل القطاعات الأساسية إلى الخوصصة كالصحة و الشغل و التعليم و العمران…،فقط الشيء الوحيد الذي يزداد بالمغرب بسخاء كبير من المسؤولين دون توقف هو بناء السجون هي الأخرى دون إعادة الإدماج.