الأمازيغي: يوسف بويحيى
هنا أريد أن اوضح بعضا من فلسفة “نتشه” بخصوص إرادة القوة و التي لقيت سوء فهم كبير لدى الأغلبية المثقفة ،علما أن الفسلفة النتشهوية من اعقد الفلسفات القائمة إلى الآن لإقترانها بالعمق و الجوهر الذي يستوجب على الباحث للوصول إليه شروط ذاتية نتشهوية و نظرة ثاقبة في إستخلاص مستقبل الفكرة و حركتها بدءا من الماضي إلى المستقبل.
إن فكرة “إرادة القوة” عند نتشه لا تختلف عن فكرة “موت الله” لإكتشاف غباء الأغلبية التي لا تجيد إلا ما يفهمه الفخار في تجارة الحرير ، علما أن فكرة موت الله لم تكن إلحادا حسب ما اراده نتشه من هذه القولة ، بل كان القصد منها أن الإنسان عبر حركة التاريخ و التطور الصناعي ذاهب للتخلي عن قيم الله التي فطرت في الإنسان ، ما أكده بأنه كارثة تنتظر الإنسان بفقدانه نفسه و قتله للقيم الإلهية في ضميره و ذاته ،
الشيء الذي حتم عليه أن يبحث عن بديل لهذا الإنسان الفارغ الذي لم يرتقي و الماشي في طريق الإنحطاط ،لهذا كان نتشه يرنو لإحياء قيم زرادشت و سقراط صوب الإنسان المتفوق ،فما كان على نتشه إلا الهجوم على كل الأفكار الدينية و الغير الدينية المنحطة التي لا ترتقي بما يسمو لصفات الله الحقيقي ،ما يوضح انه لم يكن ملحدا أبدا ،علما أن كتاباته جميعا لم يذكر فيها أنه لا يؤمن بالله ،حيث أن كل من قرأ نتشه بعمق توصل للكثير من أسرار فلسفته الجقيقية ،والتي كان يحارب من أجل الوصول إلى تحرير العقل الإنساني من الأوهام التي صنعها البشر ،فما كانت أفكاره إلا رؤى ذات أبعاد عميقة فهمت عكس ما كان نتشه يؤمن به في عمقه.
أما بخصوص فكرة “إرادة القوة” و إتهام نتشه الباطل كزعيم النازية و الفاشية ،علما أن “هتلر” و “موسوليني” إتخدا كتاب نتشه “إرادة القوة” دستورا و مرجعا في حياتهم السياسية ،لكن هذا لا يعني أن مضمون الكتاب هو ما فهمه “هتلر” و “موسوليني” ،بل هي وجهة نظر رجال سياسة لا مفكرين و لا مؤرخين و لا منظرين و لا فلاسفة ،يعني ان نظرة الديكتاتورين كانت ضيقة جدا و لا ترى في معنى القوة إلا العنف ضد الغير لإخضاعه ،لكن مغزى “نتشه” كان بعيدا و مخالفا لهذا الشيء حيث كان قصده أن حركة التاريخ و طبيعة الإنسان الحالي الفاقد لجوهره الأخلاقي في طريقهما إلى كارثة كبيرة ستغير الفطرة بشكل جذري ،حيث ستصبح قيم الحق و الإحترام و الحرية و السلام…مقرونة بالقوة و العدة لا المبدأ الأخلاقي الإنساني و العقلانية ،بشكل آخر أن الديموقراطية و الحياة و التاريخ و الإنسان موجه بعامل القوة و ليس الحق ،وليس أن “نتشه” يدعو إلى القوة و العنف و الحرب كما يظن البعض و أولهم الدكتور الإسلامي “عدنان إبراهيم”.
إن نظرية إرادة القوة يراها نتشه أنها ستخلق عالما مزيفا لا يرغب في أن يعيشه أي إنسان حقيقي ،كما حذر البشرية قبل مماته بأن نصف العالم يوشك على أن ينفجر ليعاد تركيبه بشكل تفرضه القوة لا العقل ،فما كان بعد رحيله إلا أن إندلعت الحرب العالمية الأولى و الثانية بالإضافة إلى إنهيار أغلبية الإمبراطوريات و تنظيره بفوضى عارمة ستشمل كل بقاع الأرض التي تربطها صلة بالأيدي الطويلة و الخفية (يقصد الماسونية) ،ما ثبت أيضا في ثورات الربيع المغاربي و الشرقي الأوسطي…،زيادة إلى العديد من النظريات السياسية و الإجتماعية و الإقتصادية حسب رؤى نتشه الثاقبة سواء على مستوى أروبا أو العالم بأسره.
إن سر محاربة فلسفة نتشه ليس لأنها متطرفة و فظيعة كما يظن ضعاف الأفق ،بل أولا لأنها لم تفهم جيدا كما أكده نتشه بنفسه قائلا “لن تقرأ مؤلفاتي جيدا بعد مماتي” ،أما ثانيا فلأنها تحارب القوى الشيطانية و تدافع عن العقل و الحق و الحقيقة الجوهرية عوض حقيقة القوة التي نراها الآن قائمة في كل المجتمعات و الأنظمة ،فما كان للمتدينين إلا أن يختزلوا “نتشه” بأنه ملحد ،كما الشوعيين بالنازي ،والرأسماليون بالعنصري بدون أي علم يذكر بفلسفته ،مع العلم أن هذه الإنطباعات هي نفسها إشاعات تم نشرها من طرف الماسونيين لتشويه سمعة فكر “نتشه” كي لا يلقى أذانا صاغية كونها تفضح مشاريعهم الشيطانية و اللاإنسانية.
إن فلسفة نتشه لمنبع راقي ليس في متناول الجميع النهل منه ،بل فكر لا يعادي أي شيء محدد ،كما لا يتقبل أي شيء بسهولة كمسلمات ،ليس لها مركزية ثابتة محددة بحكم أن الكون نسبي ،تسعى للحقيقة الجوهرية التي لم تكن أبدا تلك التي يتداولها المجتمع و رجال دين السياسة…،فلسفة عقلانية سبقت عصرها بمئات السنين لإمتيازها بالنظرة و الرؤية و الحدس الثاقب للمستقبل ،مجمع بمثابة مرجع يشمل كل الفروع و التوجهات الفكرية و الإجتماعية ،فلسفة كانت نفسها جوهر شخصية نتشه الإنسان الراقي الذي تحدث عنه أصدقاؤه عن قرب أمثال “بريوير” و “سالومي” و “فاگنر” و “بول ري” و “كوزيما”…
إني أنوه خصوصا للدكتور “عدنان إبراهيم” أن يعيد النظر في نتشه الحقيقي إنطلاقا من قراءة كتاب “جذور ما وراء الحداثة” ،بٱعتبار هذا المرجع يظهر كيف درس نتشه الحضارة الإسلامية بالأندلس و موقفه الإيجابي منها بكل تلقائية ،إضافة إلى قراءة نتشه الشخصية للإسلام و رأيه في النبي “محمد” بضوابط محددة عجز عليها حتى المسلمين في إستنباطها ،لكن هذه الدراسات تلقى نكرانا و طمسا كبيرا لأسباب واضحة و معروفة وقع ضحيتها الكثير من بينهم “عدنان إبراهيم” ،الشيء الذي يوضح أن نتشه لم يكن أبدا قطيعا و تبعيا و حاقدا و إنتمائيا و متقوقعا ،بل الإشكالية تكمن في العقلية المشبعة الغوغائية الطوباوية التي إلى الآن مازالت تناقش فقط على هامش فلسفة نتشه.
أستغرب من وصف الدكتور “عدنان إبراهيم” لنتشه بالإنسان الوقح دون معرفته به و بفلسفته شيئا يذكر ،إتهام لا يخف على الإسلاميين بمجرد عدم الفهم و الإختلاف و أغلب الظن عدم المعرفة الكاملة بالشيء ،بالمقابل أرى أن كل الذين درسوا فلسفة نتشه كٱختصاص و مختصين أمثال “برتراند راسل” و “ألبير كامو” و “روي جاكسون” و “إيرڤن يالوم” و “ميشيل فوكو” و “جاك ديريدا” و “جيل دولوز” و “بيير هيبار” و “عبد الرحمان بدوي”…رأوا في نتشه صاحب الفلسفة الكاملة الشاملة ذات الرؤى المتعددة دون تقزيمها في شيء محدد ،مع العلم أن هؤلاء الفلاسفة معظمهم متدينين لكن لم يروا في نتشه عدوا للمتدين و الضعيف و الوجودي…،لهذا أستغرب على أي أساس إعتمد الدكتور “عدنان إبراهيم” بالحكم على فلسفة نتشه أنها خطورة تعادي إسلامه الشخصي؟! ،بينما هؤلاء الذين قضوا معظم حياتهم في قراءة نتشه و فلسفته رأووا العكس على الرغم من إختلاف العديد منهم مع رؤاه الفلسفية ك”راسل” و “ألبير كامو”…
إن مقولة نتشه “أبغض ضيق الأفق أكبر بكثير من الخطيئة” علها قولة تنصف فلسفته مما تتعرض له من تحريف و حرب و تزييف من طرف القوى الخفية الحاكمة للعالم ،والتي تحرك بيادقها ضد فلسفة حرة نابعة من عمق بشري علمي كل هدفها تحرير الإنسان من طباع العالم المزيف إلى العالم الحقيقي الراقي الذي خلقنا الله منه لنعيش فيه و نحافظ عليه.