مصير الفن والفنان في إيران الحالية!

عبدالرحمن مهابادي* 
مع وصول وظهور نظام الملالي في إيرانعام 1979، توفي الفن في إيران، وغادر الفنانون أو معظمهم إيران وتركوها، أو تم تهميشهم من قبل الملالي، وسقطوا تدريجياً في صمت عن العالم. 
ومع ظهور الخميني، قام بتحريم الموسيقى والرقص في إيران وكما قام بمنع وحظر أي أعمال وتجارة مرتبطة بهما. واقتصرت الفنون التصويرية والتجسيدية والشعر والأدب على الدين والمصالح والاهتمامات الضحلة لأفكار الملالي المتخلفة والرجعية. وبالتالي فقد تم رمي الفنانيين ليواجهوا مصير الموت اما في السجون أو الحبس في بيوتهم. تم ابتذال الفنون المسرحية والسينما في نظام الملالي أيضا، وحل فنانو ولاية الفقيه محل الفنانين الحقيقيين والشعبيين المحبوبين. الفن في النظام الحاكم في إيران هو أداة للقمع واستمرارية بقاء الدكتاتورية. في حين يجب أن يكون الفن من أجل دفع المجتمع نحو التقدم والتطور والرقي. 
محمد علي فردين، ممثل إيراني شعبي سابق لم يسمح له بالعمل منذ مجيء الملالي وتوفي في حزن الفن. وقال في أحد الاجتماعات السابقة لرواد الفن في إشارة إلى ثقافة الملالي في ابتذال الفن : “أين هي الحياة؟”. ” نموت كل يوم لنعيش يوما واحدا “.حقا ان الملالي هم من قتلوا هذا الفنان العظيم و أخيرا وبعد صمت طويل غاب عن أنظار العالم في 7 ابريل 1999. وتم مواراة جسده التراب في مراسم دفن عظيمة وبحضور عدد واسع وكبير من الشعب الايراني الذي عبر عن احتجاجه ضد نظام الملالي خلال المراسم. لروحه السلام. 
ناصر ملك مطيعي الفنان الايراني الشعبي و المحبوب الذي ودع الحياة في الاونة الاخيرة كان له مصير مشابه حيث بكي بكائا شديدا خلال خلال مراسم دفن الفنان فردين وتحدث بتواضع كبير جدا عن هذا المصير المشترك. في يوم الأحد 27 مايو تحولت المراسم العظيمة لتشييع جثمان السيد ناصر ملك مطيعي هذا الممثل السينمائي الايراني البارز والمحبوب شعبيا بحضور عدد كبير من أهالي مدينة طهران وعدد من أصدقاء هذا الفنان الراحل الى مظاهرات مناوئة للحكومة. وقد عبر المشيعون عن غضبهم على اسلوب وسلوك النظام الديني المعادي للايرانيين والمناهض للفن بحق ناصر ملك مطيعي ونادوا بشعار : ” الموت لخامنئي “. رحل الفنان ناصر ملك مطيعي في 25 مايو 2018 عن سن يناهز ال 88 عاما. 
من المؤسف جدا أن نرى معظم الفنانيين الأساسيين والرواد الايرانيين يلقون نفس المصير. الشاعر الايراني الكبير (الراحل احمد شاملو) كان لديه الكثير من الاشعار والقصائد الشعرية في دعم الحرية والاحرار والثوار الايرانيين ضد الدكتاتوريين. و في الاعوام الاخيرة من حياته عانى بشدة من مرض السكري وهذا ما كان سبب ووفاته ورحيله عنا. خلال كامل حياته المثقلة بالألام، تعرض للرقابة والإساءة من قبل هذين الدكتاتورين الشاه والخميني. كان شاملو يعارض دوما وبصوت عال سياسة وجهاز رقابة نظام ولاية الفقيه. بعد سنوات عديدة من الآلام والمشقات الجسدية والنفسية، أغلق شاملو عينيه عن العالم في إيران مساء يوم الأحد 23 يوليو 2000. شارك عشرات الآلاف من الشعب الإيراني في جنازة أحمد شاملو، هذا الشاعر الإيراني العظيم، الذي لم يستسلم لهذه الديكتاتورية الدينية والإرهابية، على الرغم من الضغوط الكبيرة التي مارسها النظام الديني الحاكم عليه. وهو دائما كان مع المرحوم الدكتور غلام حسين ساعدي أحد الأصدقاء العظيمين والمقربين من المقاومة الايرانية. غلام حسين ساعدي كان أحد أبرز وأشهر الكتاب والمؤلفين المسرحيين في تاريخ إيران الذين قاموا بترك إيران مع ظهور حكم الملالي وذلك احتجاجا على نظام الملالي الديكتاتوري. وفي عام 1985 فارق الحياة في ديار الغربة. 
تجدر الإشارة إلى أن الملالي لم يكتفوا بعداء الفن والفنانين، وألحقوا عدة مرات أضرارًا متكررة بمقابر الفنانين الإيرانيين في أماكن مختلفة.
الاستاذ بنان، مطرب الموسيقى الكلاسيكية في إيران، أحد أشهر الفنانين الإيرانيين الشعبيين والمحبوبين الذي توفي في طهران في 27 فبراير 1986. تم تدمير وتخريب منزله في 24 اكتوبر 2013 من قبل عملاء النظام.
كان ومازال العديد من الفنانيين الايرانيين الذين انضموا الى المقاومة الايرانية خلال الفترة المظلمة من حكم الملالي وتوفي عدد منهم في دار المنفى وبقت ذكراهم خالدة في قلوب شعبهم. من بينهم مرضيه، منوتشهر سخايي، اندرانيك، عماد رام، بهرام عاليوند (رسام) ومنصور قدرخاه وغيرهم الكثير … 
وعدد كبير آخر أيضا من بينهم : منوتشهر هزار خاني، السيدة مرجان، محمد شمس، رضا اولياء و غيرهم من الفنانيين الذين ينشطون حاليا في صفوف المقاومة ضد نظام الملالي. 
السيدة مرضية بعد تغيبها عن الفن لمدة خمس عشرة عاما خرجت من إيران للأبد وبعد حصولها على حق اللجوء في فرنسا في باريس ذهبت فورا للقاء السيدة مريم رجوي وانضمت للمجلس الوطني للمقاومة الايرانية. سيدة الفن والغناء الايراني توفيت في عام 2010 على أثر مرض أصابها. 
الفن، الذي هو جزء لا يتجزأ من حياة الإنسان، من بين أول الضحايا في حكم الملالي. الفن الذي يجب أن يقود المجتمع نحو تحول و تطور الحياة البشرية تم تلويثه في إيران بتفاهة وابتذال على أيدي الملالي على وجه الخصوص ولهذا السبب فقط لم يرضخ أو يستسلم الفنانون الايرانيون الاساسيون الذين يعتبرون أنفسهم جزءا من الشعب ومن أجل الشعب لنظام الملالي أبدا. بل وسارعوا لمساعدة ونجدة الشعب والمقاومة الايرانية بطرق مختلفة ومتنوعة. 
هناك العديد من الأمثلة الموجودة. تجدر الإشارة إلى أنه في قائمة أسماء ال 120،000 شخص الذين أعدمهم النظام الإيراني، هناك عدد كبير من الفنانين الإيرانيين المشهورين. هؤلاء هم صنعوا الفن المقاوم لهذا النظام وكشفوا عن المكانة الحقيقية للفنانيين في المجتمع وعملوا على إحيائها وتنميتها. 
الآن اذا أردنا معرفة واكتشاف المكانة الحقيقية للفن والفنانيين الايرانيين يكفي أن نوجه حواسنا لنرى أنه في المؤتمر السنوي للمقاومة الايرانية الذي يعقد كل عام في باريس وهذا العام سيتم عقده في 30 حزيران في قاعة فيلبنت في باريس (#FreeIran2018) يلعب الفنانون الايرانيون في هذا التجمع دورا بارزا ويعبرون فيه عن دعمهم لانتفاضة الشعب والمقاومة الايرانية. 
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني.
Abdorrahman.m@gmail.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…