هل سيحرر حزب العمال الكُردستاني عفرين حقاً؟

حسين جلبي
تحت جنح الظلام، وعندما أصبح الجيش التركي؛ والفصائل السورية المعارضة الموالية له على أسوار مدينة عفرين، اختفى حزب العمال الكُردستاني فجأةً من المدينة، بعد أن كان يتوعد الأتراك حتى اللحظة الأخيرة بهزيمة ساحقة، و”جعل عفرين مقبرة لهم” حسب قياداته، ويمنع المدنيين من مغادرتها إلى مناطق أكثر أمناً، بداعي أن البقاء مقاومة، سيمنع إلحاق كوارث بالمدينة. لكن المهاجمين لم يجدوا في صباح اليوم التالي؛ وهم يدخلون بسهولة إلى عفرين، ويذرعون بآلياتهم العسكرية شوارعها طولاً وعرضاً، أثراً للحزب، لم يجدوا مسلحاً واحداً يتصدى لهم، ويخوض ضدهم “مواجهة مشرفة” ليسجلها التاريخ، أو حتى إدارياً منه يضحي بنفسه؛ ويبقى في واحدة من مؤسساته المدنية، كي يتابع شؤون المواطنين، ويمنع حصول فراغ في المدينة.
لم تنسحب منظمات حزب العمال الكُردستاني؛ مثل حزب الاتحاد الديمقراطي وإدارته ومسلحيه لوحدهم من عفرين، بل أخذ معه عشرات آلاف المدنيين، ليتسلل بينهم ويستعملهم دروعاً بشرية، مثلما كان يفعل إبان وجوده في المدينة، ويمنعهم لذلك بالقوة من المغادرة، لدرجة بناء حواجز، وزرع ألغام قتل بسببها البعض، وإطلاق النار على كل من يحاول الفرار. وقبل أن يغادر الحزب، عمد على عجل إلى تفخيخ بيوت الكُرد “لحكمة” لا يعلمها غيره، الأمر الذي أدى إلى وضع حاجز آخر مميت؛ منع كثير من المواطنين من التفكير بالعودة فيما بعد، نتيجة مقتل كثير من العائدين، بعد تمكنهم من الإفلات من الحواجز المشتركة للحزب ونظام الأسد؛ وحواجز الفصائل المسلحة التي سيطرت على عفرين، حيث انفجرت بيوتهم بهم، ودفنوا تحت أنقاضها.
بعد هزيمته المذلة في عفرين، بعد أن تراجع على مدار الساعة؛ طوال أيام العملية العسكرية التركية، أمام تقدم الجيش التركي والفصائل الموالية له، أخذ حزب العمال الكُردستاني يشيع؛ بأنه يعمل على تحرير المدينة من تركيا، وبأنه لن يسمح بعودة أهلها؛ الذين يعيش معظمهم في العراء إلا بعد تحريرها، لأن العودة ما دون ذلك تعني رضىً بالعيش تحت الاحتلال، في حين أن العيش في العراء أصبح مقاومةً؛ حسب نظريته الجديدة، وقد أعاد هذا الأمر إلى الأذهان حكاية “تحرير كُردستان وتوحيدها”، التي زعم الحزب بأنه كرَّس نفسه لها طوال عشرات السنين، وانتهت بالنتيجة إلى تبخر الشعار، وفشل زعماء الحزب أنفسهم في تحرير بيوتهم، وولادة جيل في مخيمٍ تابع له في إقليم كُردستان، لا يعرف هويةً سوى الانتماء للحزب، ولا يمتلك شيئاً سوى شعارات الحزب.
وبعيداً عن موضوع العيش تحت الاحتلال، الذي يعزف عليه الحزب مؤخراً، والذي كان الأولى به ـ لو كان يعتبر تركيا احتلالاً ـ حقاً، أن يبادر إلى إخراج مئات الآلاف من أنصاره من تركيا، وأخذهم إلى البراري والجبال النائية؛ لتجنيبهم “العيش المذل تحت الاحتلال التركي” كما يدعي، إسوةً بقيامه بإخراج أهل عفرين من بيوتهم. بعيداً عن ذلك، هل الحزب حقاً في وارد العمل على “تحرير عفرين من تركيا”، وهل يمتلك الإرادة والأدوات اللازمة لذلك؟ أم أن الأمر يتعلق مرةً أُخرى بشعارات يعتاش عليها، وبأُناس وقعوا في فخ تلك الشعارات؛ تحت تأثير سطوة سلاحه؟ بحيث سيطيل بدمائهم عمره، وهل سيتوقف الحزب يوماً عن اعتراض سبيل هؤلاء، ويسمح لهم بالعودة إلى بيوتهم؟.
واقع الحال ينفي ذلك، ولعل على رأس الأسباب، هو أن حزب العمال الكُردستاني لم يمتلك قراره يوماً، وهو لا يمتلك بالتالي قرار إطلاق رصاصة واحدة في سوريا، فكيف بالقيام بعملية عسكرية كبيرة في منطقة عفرين، كان إبعاده عنها محل اجماع، توافق عليه الجميع؛ من نظام الأسد إلى تركيا وإيران، إلى روسيا وأمريكا؟. ثم أن الحزب لا يمتلك القوة اللازمة لخوض حربٍ؛ حتى إذا تحررت إرادته يوماً، ولو كان الأمر على غير ذلك، لكان نجح في الصمود بدايةً، ولما خرج مهزوماً. في الحقيقة إن كل ما يمكن أن يقدم عليه الحزب في عفرين، وينجح فيه أيضاً، هو تنفيذ عمليات اغتيال بحق الكُرد في المدينة، والقيام بتفجيرات في أملاكهم، إما بتهمة الخيانة أو لإلصاق تهمة تلك الأفعال بغيره، وذلك هو العمل الوحيد الذي أتقنه حزب العمال الكُردستاني، طوال تاريخه الدموي الطويل.
ـ عن موقع تلفزيون سوريا

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…