البحث عن إنسان يبحث عنك «الكاتب والصحافي الكردي: فرهاد عوني نموذجاً» 4- ألم أن تكون كردياً

ابراهيم محمود
يمكن إيجاد عشرات الأمثلة تلك التي تفصح عن ألم أن يكون المرء كردياً، وأن يكون منذوراً لألم وهو لا ينفك يسلّمك لألم مختلف تالياً، من خلال تنوع المآسي والمشاق التي يتعرض لها.
 وربما حديثه المنجرح في مقاله الطويل ” مرثية لمحطات ثلاث تعرضت فيها ممتلكاتي ومكتبتي وأوراقي وشهادات أولادي وأرشيفي للنهب والضياع “، في كتابه ” ذاكرة الأيام – صص 327-345 “، والمنشور أصلاً في مجلة ” كولان العربي- ع 39 في آب 1999 “، مؤثّر بفعله. ويأتي نشره ضمن ذاكرة الأيام متجاوباً مع الحدث المتسلسل، حدث درامي عنيف لا يهدأ ولا يعتدل لا بمحتواه ولا بمغذياته القهرية. وكون الذاكرة هي من جهة تحمل بصمة الكردية، ومن جهة ثانية تلوّح ببصمة الكاتب بالذات، إنما في الجانب الآخر تأتي العبارة بهولها من باب التأكيد على أنها نوع من جنس، هي ذاكرة بشرية أساساً وتعني البشر ضمناً.
ما يلفت النظر أن عوني تردد بداية، في نشر المقال لأنه يحمل دمغة شخصية، وتخوفاً مما يمكن أن يقال عن أنه بذلك يريد لفت الأنظار إليه، كما هو نفسه عن ذلك، لأن الموضوع لا يقتصر عليه إلى جانب أنه يعتبَر إثراء لأرشيف المواجع الكردية والذي يجب أن يودَع تاريخاً ، أي كيف أن ما نوَّه إليه في العنوان وبين عامي ” 1963-1975-1995 ” يترجم هذه الصدمات الآلمة، والتفجع الذاتي، فليس العدو باسمه وحده من ينقض على الكردي أو يتربص به أو يمارس فيه أحقاده الفولكلورية تباعاً، إنما الكردي ذاته ، وما في ذلك من انقسام الاسم كمفهوم، وكيف أنه خسر الكثير مالاً وعذاب روح، ليجد نفسه في وضعية المقيم في واجهة التاريخ أي في نطاق دفع ضريبة المبدأ ” وأود أن أقول هنا مقدماً إنني لست نادماً على ما تعرضت له بسبب قناعات وجدانية وسياسية وما تعرضت إليه على الأقل ضياع أثاث بيتية ومكتبية عامرة وأرشيف صور ودفاتر المذكرات وأشياء شخصية ثلاث مرات في فترة لا تتجاوز ثلاثة عقود ونصف لأنني بقناعتي الكاملة قد اخترت وما زلت هذا الطريق للمساهمة ضمن مسيرة شعبي وبجهد متواضع جداً حيث لا يقاس ذلك بقطرة دم لإنسان ضحى بأغلى شيء وهو الحياة في سبيل سعادة شعبه وحرية وطنه، وأرجو المعذرة مرة أخرى. ..ص 327 “.
ثمة الكثير القابل للتذكير به في هذا المقام المترجرج والرهيب، ومن ذلك طبعاً أن التطرق تحديداً إلى ” أفاعيل ” العدو لا ينبغي أن ينفصل في بعض الحالات أو الأوقات عن الأفاعيل التي يعتمدها الكردي ضد كرديّه، بالعكس، ثمة ما يجب التشديد عليه، وهو أن ظلم العدو للكردي والذي لا ينظَر في أمره إلا بوصفه علاقة تضادية بين اثنيتين، جماعتين، قومين، ثقافتين، لغتين…الخ، والعداوة تستحضر مختلف القوى والآلات والأدوات التي تؤكد هذا التجابه الساخن والدموي، بينما ظلم الكردي للكردي فهو في أساسه يندرج في نطاق الأكثر فجائعية وقهرية، وهو أن على الباحث أن ينظر إليه من زاوية التعادي الداخلي، ومن زاوية أخرى، من زاوية التشرذم ووهم التأكيد على ما هو قومي، وفي بنيته ما يحول دون هذا التطاحن الداخلي.
تصبح الذاكرة عينها ملغومة ومغمومة ومثقلة بالرهانات والتصدعات. ويتدخل المسبار النفسي بالترافق مع العامل الثقافي والسياسي، وما يخرِج الكردي من كرديته، وأكثر من ذلك ما يدفع به لأن يسخّر خبرته ككردي في خدمة عدوه التقليدي والمستحدث ضداً على بني جلده، وفيهم، ومنهم القريب والحبيب والصاحب والمعروف، ودافع التشفي المقيت في كل ذلك .
وفي مضمار هذه التنازعات وتشابكاتها وتداعياتها ومستجداتها، تتسع دائرة العداوات الفئوية والعشائرية والتمذهبية والتحزبية تعبيراً عن استحالة النضج المدني بخاصيته المؤسساتية.
عوني فيما أورده آنفاً، وفي أمكنة كثيرة أخرى، يشهد على تلغيمات وتجرُّمات من هذا القبيل، لا بل إن قارىء كتبه الآنفة الذكر يتلمس عمق شكواه ورعبها الكرديين من الكردي أكثر من العدو نفسه، فهذا يبقى ” هناك ” في نقطة حدودية، أو يسهل النظر فيه، بينما الكردي فهو في البيت، والمتاخم للبيت، وفي الحي أو المدينة أو في الضاحية وهكذا، وكل ذلك يكوّن مادة مغرية ومهيبة لدراسة متعددة الأبعاد، من قبل الباحث المؤرخ أو المحلل النفسي أو الناقد الاجتماعي.
أشدد على هذه العبارة أكثر من الإشارة إلى أمثلة أخرى تقع في منطقة تحركات العدو، كما في موقف الضابط البعثي العراقي من والده بصدد أسماء أولاده، وهو ينزِل فيه تهماً كونها كردية، والآخر يعتبرها ” يهودية . ص 529 ” وما في إثر التحقيق من استخدام نعوت قميئة موجهة ضد كل ما هو كردي، ومن موقع القوة وغطرسة القوة وشرعنة العنف والثواب عليها .
ذلك ما يمكن إيجاد أكثر من مواز له في جهات كردستانية أخرى، مع تفاوت في نبرة العسف.
ضابط التحقيق كان مخلصاً لجهازه الأمني الاستخباراتي وثقافته التعبوية العنصرية الطابع، وهو يعلم جيداً أن حمْل الاسم الكردي رديف لنضال ملموس، وتمسك بتاريخ مختلف، وأن أي اسم كردي يستشرف وجود أكثر من جبهة مقاومة لعنف العدو، سوى أن الكردي ” المعادي ” فهو يكون عقرب الجيب أو البيت أو الفرش، أو المسهّل لدخول ألد الأعداء إلى داخل البيت ومن ثم إلى النفس والعقل الكرديين والسعي إلى العبث بهما والنيل منهما تلبية لإرادة عسف .
أليس من الصواب في ضوء ما تقدم، القول بألم أن يكون المرء كردياً ويحيى كردياً ؟
يتبع ..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…