الأمازيغي: يوسف بويحيى
يعتبر الدين جزء من الثقافة بمفهومها الفضفاض ،فمادام الإنسان خلق على فطرة ربانية ناصعة لابد له من أن يصل للحقيقة بنور البصيرة التي تسكنه إذا أراد ،فلا يمكن الحسم في الحقيقة من خلال طبيعة الإنسان و مكانه و زمانه كما يدعي البعض ،بل لا حدود للحقيقة و لا حيز معين لها ،نسبية غير مقرونة بالإطلاقية مادام الإنسان يبحث عنها في المتغيرات ،ولو كان الإنسان حقا يبحث في دروب الحقيقة لوجد نفسه مضطرا لتغيير معظم مخلفاته الغير العلمية و المنطقية ،فمعظم ما يرمي الإنسان للتناقض القاتل سوى تراكمات تاريخية تفتقر للوعي الذاتي.
الإنسان العاقل لا يعارض الدين كونه جزء الوجود الإنساني ،معادلة تشمل منظومة الوجود و تنطبق على الإنسان الغير المتدين و الملحد كذلك ،معادلة مفروغ منها بلا شك ،في حين يتغير هذا إلى موضع النقد إذا ما تحول لإديولوجية سياسية كما باقي الإديولوجيات ،كون الإيديولوجية الدينية ليست الدين أبدا ،كما الدين بدوره له قراءات و مذاهب و طوائف لا يقف على قراءة واحدة أو تأويل واحد أو رؤية واحدة ،مع ذلك يتم تقزيم الرأي الحر العقلاني بتفسير ديني طوباوي ،وبهذا الجرم تمت محاربة النهضة الفكرية في كل البلدان الإسلامية و العربية.
إن إشكالية الإنسان في قراءته للنص الديني تكمن في أزمة العقل و التفكير و جدار الثقافة المتوارثة من خلال الأوطان الإسلامية ،بينما الغرب قطع أشواط طويلة و شاقة لتفادي ما يعيشه الإسلاميون اليوم من آفات الفكر المسيحي و اليهودي (بٱستعمال العقل و ليس النقل)…،ليس من المعقول الإقتناع بفكرة تطبيق الإسلام بحذافيره على المجتمع و العالم كحل دنيوي و أخروي دون دراسة عقلانية علمية تتماشى وفق العصر ،والعجيب في أمر بعض دعاة هذا الفكر لم يستطيعوا التعبير و العيش بحرية إلا في بلاد الغرب (الكفار) ،بينما في بلدانهم الإسلامية و العلمانية المشوهة لم يكن لهم أدنى إحساس بأنهم إنسان ،مع كل هذا التناقض يدعون لشيء لا يدركونه و لا يفهمونه بعقل حر ،والأحرى لا يملكون دلائل منطقية للدفاع عن ارائهم.
إن تبرأ الٱسلاميين من مسألة إعادة الدولة الإسلامية لم يكن نضجا بفهمهم حركة التاريخ و الواقع وصولا إلى حاجياته ،بل لضعفهم و إكتشافهم أنها أمنية مستحيلة المنال ،لهذا لا يترددون بين الفينة و الاخرى للتهجم على الغرب و الأطراف المخالفة لمشروعهم المميت ،دليل على أن الفكرة المغروسة باقية رغم قصور اليد (والحمد لله) ،يتبادر لهم أنهم الوحيدون من يملكون الشرعية و الحق و يحاربون من كل النواحي دون أن يراجعوا تاريخهم الأسود ٱتجاه باقي الديانات و الإنسان المختلف ،فسواء يرى الإسلاميون قيامهم حلا لأزمات الحياة فعدم قيامهم أنجع الحلول في نظري.
لقد كان الإسلام السياسي يشمل كل مجالات الأنظمة العربية بما فيها العلمانية العرجاء منها ،كون الإسلام السياسي يراه العرب حافزا للتعريب و الإستيلاب الهوياتي بغض النظر على طبيعة النظام الحاكم ،فمن كان يظن أن أنظمة البعث العلمانية لم تكن إسلامية في عمقها فهو لم يصل إلى الحقيقة بعد ،والأمثلة كثيرة أبرزها نظام صدام و الأسد و الناصر و العابدين…الذين حاربوا شعوبهم بالقرآن الكريم نفسه (حلبجة،أنفال،مجازر الأقباط،مجازر الأمازيغ….) ،فما صراع الطرف القومي العربي الإسلامي البعثي (العلماني) و الطرف القومي العربي الإسلامي الإخواني إلا على السلطة ولا فرق في النهج و الفكر و الغاية.
إن الثورات السوفياتية التي قيل على أنها ثورات علمانية و اممية شيوعية ماهي في الحقيقة إلا ثورات عرقية و دينية في جوهرها الحقيقي ،لهذا فشل مشروع الأممية بشكل كارثي على حساب المنطقة و الإنسان ،كما فشلت الأممية الإسلامية منذ الغزو الإسلامي و إلى الآن ،مع كل هذا لم يفكر أحد بشكل جاد بإعادة النظر و القراءة في الأمور و الأحداث المرتكبة كونها غير مقبولة شرعا و واقعيا و أخلاقيا…لأسباب تتجلى في العقلية الإسلامية التى ترى في إعادة الخطأ حلا للكارثة.
لقد طرح المفكر “أدونيس” و “محمد عابد الجابري” و “المهدي المنجرة” و “عبد الله العروي” و “معشوق الخزنوي” و “فرج فودة”…أسئلة ملموسة للإسلاميين و لأصحاب العقلية المتأسلمة في نقاط عدة ،فلم يكن للإسلاميين إلا التهرب و غض النظر كونها تكشف العورات و الحقيقة التي يطمحون لها ،على الرغم من أن هذه النقاط لا تمس أبدا بأي مقدس و معتقد إلا أنها لقيت رفضا و هجوما عنيفا من اللوبيات الإسلامية و القطيع الشعبي الذي تم تسويقه بإحكام ،فما كان إلا لفكر هؤلاء المفكرين العقلانيين النجاح في البلدان الناجحة بينما بقي الإسلاميون يتخبطون في عصر القرون الوسطى بحمد الله و نعمه.
الإسلاميون شوهوا صورة الإسلام الحقيقي و تاريخه العلمي البناء لدى (البيروني،الخوارزمي،الخيام،الكاشي،ابن سينا،ابن رشد….) ،بينما إكتفووا بإسلام العريفي و القرضاوي…الفارغ من قيم الرحمة و الانسانية و العلم و العقل ،معتبرين هذا الجهل المقدس حلا للأمة (صوب الدمار في نواياهم الباطنية) ،ومن طبيعة الحال لا يخلو العالم لمن يصفق للذل و الجهل و الظلام.
لقد تأكدت منذ زمن طويل أن من يسمون أنفسهم بالإسلاميين المعتدلين بين ألاف الأقواس “عقلانيون” ليسوا كذلك بل فقط يدعون ذلك ،بينما تفسيرهم و قراءاتهم للمفاهيم و الأشياء طبق أصل رؤى المتشددين الذين أفقدونا الحياة و الوجود ،كما أرى لمن يبحث للناس عن حل أن يجد لنفسه حلا ليتحرر أولا قبل كل شيء ،بالإضافة إلى حاجته الماسة للبحث و التنقيب من جديد في المفاهيم و الأسس و المناهج بطريقة عقلانية و منطقية و منصفة بعيدا عن الفكر المتعشش المخفي وراء جمال و إغراء الكلمات.