إستيقظت أمة «محمد صلاح»

الأمازيغي: يوسف بويحيى
هنا أود أن أتطرق لحادثة رياضية كروية في نهائي بطولة الأبطال الأروبية بين فريقي “ريال مدريد” الإسباني و “ليفربول” الإنجليزي ،التي على إثرها أصيب اللاعب الدولي المصري “محمد صلاح” بإحتكاك بدني مع الإسباني “سرجيو راموس” ،محاولا إسقاط الحدث على الواقع العربي و أي مصير ينتظر هذه الأمة العربية الغارقة في سباتها العميق هذا.
منذ تقنين رياضة كرة القدم و الإصابة و الأخطاء التحكيمية تعتبر جزءا من اللعبة إلا عند العرب الذين يعتبرون كل شيء مؤامرة و مكيدة ضدهم ،هكذا إنفجرت الجماهير العربية في وجه اللاعب الإسباني و إسرائيل…بٱحتجاجات لقت تحريضا و دعما من طرف الإسلاميين و رجال الدين بشكل غريب ،ٱعتبارا الواقعة مؤامرة ماسونية لكسر إرادة لاعب عربي مسلم و عليها يقاس ما يجري في الدول العربية من تآمر و تدمير و حروب قصد التخلص من الشعوب العربية و القضاء على الإسلام على حد رؤيتهم.
لم يستغرق الوقت إلا القليل حتى رأينا كل القنوات العربية سواء الفنية و السياسية…بتفعيل الحدث و نشره بنفس صيغة المؤامرة ،كما روجت شخصيات مشهورة هذا الحدث على صفحاتهم الرسمية بشكل ملفت للنظر كالمثقف النعامة “فيصل القاسم” و الممثلة الإباحية “ميا خليفة”…وغيرهم ،بالإضافة إلى تصعيد أشكال الإحتجاج بمظاهرات و وقفات شعبية أمام السفارة الإسبانية في “مصر” تعبيرا على الغضب و عدم الرضا ،بل تجاوز الأمر ذلك برفع دعوة قضائية من طرف محامي يدعى “باسم وهبة” إلى الإتحاد الدولي لكرة القدم “fifa”مطالبا التعويضات على الأضرار النفسية و الجسدية للاعب و المنتخب الوطني المصري ،ومطالبا الوزارة الخارجية المصرية منع اللاعب الإسباني “راموس” من دخول مصر سائحا أو لاعبا لإحدى الأندية المصرية في المستقبل…
الغريب في الأمر أن الجماهير العربية إستغلت أيام شهر رمضان للصلاة و الإعتكاف و الدعاوي على أذية “راموس” ليلا و نهارا ،مع نشر فيديوهات و بثات مباشرة للشتم و السب و الدعاوي عليه و إسرائيل و النصارى و الهيود و أعداء العرب و الٱسلام ،ما يجعلنا إما نسخر من هكذا سلوكيات و معاملات أو نستغرب إلى أي حد وصل إليه العقل العربي المسوق و المثقوب لتأجيج هذه الترهات و السخافات ،والأغرب أن كل هذا الغليان الشعبي من أجل حدث رياضي بسيط معتاد ،بالمقابل أن أحداث فلسطين و سوريا و العراق و اليمن…لم تحرك ساكنا في الأمة العربية بقدر ما حركته مباراة كرة القدم مدتها الزمنية ساعة و نصف.
هنا يجب أن نكون واقعيين و موضوعيين أكثر بدون دوران على أن الأمة العربية نائمة و إن إستيقظت لا تصحو إلا على التفاهة ،أمة فقدت كل شيء لأنه لم يكن لها قط بل سلبته و إحتكرته بلغة القوة ،تعيش تنويما مغناطيسيا على أطلال الماضي متناسية الحاضر و المستقبل ،قصيرة الرؤية و النظرة بل عقيمة المضمون و المحتوى ،مؤمنة بالعنف و القوة ٱتجاه أي شيء يربطها بالغير كما أن إيمانها هذا يسري داخليا في أحشائها ،بعيدة كل البعد عن التحضر و العلم و لا شيء يعلا على القوة بدل الحق في إيمانها و فكرها.
لقد واكبنا عدة تجارب ملموسة ثبت من خلالها أن الأمة العربية لم تكن أبدا امة حق و واجب ،بل امة قوة و دم و عنف و نفاق ،مظاهر ذلك بدت عندما خرجت الحشود العربية تنديدا بالرسومات الكاريكاتورية المسيئة للنبي “محمد” بالمقابل لم تخرج أي دولة عربية إسلامية ضد “داعش” بإعتباره تنظيم يسيء للإسلام ،كما لم نسمع أي دولة عربية سنية ترفض ممارسات المليشيات الشيعية على الشعب الكوردي بٱعتبار ممارساتهم إرهابا لا ٱسلام ،بل لم نرى أي مظاهرة عربية في اي بقاع العالم على مجزرة “حلبجة” و “الأنفال” و “كركوك” و “عفرين” و “كوباني” و “شنگال” و “الموصل”…مع العلم أن الضحية شعب كوردي مسالم ،بل الحقيقة اليقين أن مسألة التعاطف العربي لا ينبني على الدين إنما على العرق و الطائفة و الولاء ،لهذا لم تتضامن أي دولة عربية مع الكورد لسبب واحد أنهم كورد بغض النظر على أن أغلبية الشعب الكوردي مسلمة ،مع كل هذا التناقض و الإنفصام لا يكف العرب على معاداة إقامة الدولة الكوردية بٱعتبارها قاعدة عنصرية و إسرائيل ثانية متناسيين أنهم في منظومة العنصرية و القومية المتطرفة و العمالة غارقون ،وعلى حدث إصابة “محمد صلاح” عاكفون ،أمة ذات منطق كل شيء مباح إذا كان القاتل عربي.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين   في السنوات الأخيرة، يتصاعد خطاب في أوساط بعض المثقفين والنشطاء الكرد في سوريا يدعو إلى تجاوز الأحزاب الكردية التقليدية، بل والمطالبة بإنهاء دورها نهائياً، وفسح المجال لمنظمات المجتمع المدني لإدارة المجتمع وتمثيله. قد تبدو هذه الدعوات جذابة في ظاهرها، خاصة في ظل التراجع الواضح في أداء معظم الأحزاب، والانقسامات التي أنهكت الحركة الكردية، لكنها في عمقها…

عدنان بدرالدين   بينما تتجه الأنظار اليوم نحو أنطاليا لمتابعة مجريات المنتدى الدبلوماسي السنوي الذي تنظمه تركيا، حيث يجتمع قادة دول ووزراء خارجية وخبراء وأكاديميون تحت شعار ” التمسك بالدبلوماسية في عالم منقسم”، يتبادر إلى الذهن تساؤل أساسي: ما الذي تسعى إليه أنقرة من تنظيم هذا اللقاء، وهي ذاتها طرف فاعل في العديد من التوترات الإقليمية والصراعات الجيوسياسية، خصوصًا…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا المليء بالتحديات الجيوسياسية والأزمات التي تتسارع كالأمواج، هناك قضية كبرى قد تكون أكثر إلهاما من مسرحية هزلية، وهي “ضياع السيادة”، حيث يمكن تلخيص الأخبار اليومية لهذا العالم بجملة واحدة “حدث ما لم نتوقعه، ولكنه تكرّر”، ليقف مفهوم السيادة كضحية مدهوشة في مسرح جريمة لا أحد يريد التحقيق فيه، فهل نحن أمام قضية سياسية؟ أم…

أمجد عثمان   التقيت بالعديد من أبناء الطائفة العلوية خلال عملي السياسي، فعرفتهم عن قرب، اتفقت معهم كما اختلفت، وكان ما يجمع بينهم قناعة راسخة بوحدة سوريا، وحدة لا تقبل الفدرلة، في خيالهم السياسي، فكانت الفدرالية تبدو لبعضهم فكرة دخيلة، واللامركزية خيانة خفية، كان إيمانهم العميق بمركزية الدولة وتماهيها مع السيادة، وفاءً لما نتصوره وطنًا متماسكًا، مكتمل السيادة، لا يقبل…