ماذا يريد الشعب في إقليم كوردستان من الفائزين الكورد في الانتخابات الاتحادية الأخيرة؟

محمد مندلاوي
لا شك أن الأحزاب التي لها رصيد تاريخي في إقليم كوردستان تعاملت مع الانتخابات الاتحادية على أنها لعبة ديمقراطية كما هي في عموم بلدان العالم الحر، لكن الطارئون على الساحة الكوردستانية من مرتزقة الأمس القريب وبعض الذين يتاجرون بالقضية الكوردية كسلعة في سوق السياسة اعتبروا عملية الانتخابات لعب بالديمقراطية، لكن مراوغتهم وتواطئهم بائت بالفشل ولم تنطلي على غالبية الشعب الكوردي في الإقليم الفتي، فلذا عاقبهم أشد عقاب، وذلك من خلال عدم التصويت لهم في الانتخابات الاتحادية التي جرت في الثاني عشر من أيار، فعليه لم يحصلوا إلا على أصوات الذين دغدغوا عواطفهم ببعض الوعود الكاذبة، ومنهم بعض الشاذين من الانتهازيين من الكورد الجنسية، أولئك الذين يقفون دائماً مع المحتل العربي في المربع المعادي للشعب الكوردي المناضل. 
عزيزي القارئ الكريم، بعد أن عاقبهم الشعب الكوردي وضربهم على أفواههم من خلال “القصقوصة” التي توضع في صناديق الاقتراع، إلا أنهم لم يعتبروا ولم يستوعبوا الدرس جيداً بل أصروا على معاداتهم للشعب الكوردي الجريح والنيل من مكتسباته التي حققها في الانتخابات المذكورة، وذلك من خلال إعلانهم الوقح في وسائل الإعلام الكوردستانية: بأنهم لن يذهبوا إلى البرلمان العراقي، وعليه يخسر الكورد عدة مقاعد برلمانية هم الأحوج إليها في هذه الفترة العصيبة والحساسة التي يمرون بها.
لكن، هذا لا يعني أن الأحزاب الكوردستانية الأخرى لم تخطأ في هذه الانتخابات أخطاءاً جسيمة لا تغتفر. ألم يقال أن السياسة فن الممكن، وهذا الممكن يحتم على ذلك الحزب الذي انسحب من الانتخابات في كركوك لكي يضرب على أيدي المستوطنين العرب والتر كمان في المحافظة أن يحث أعضائه ومؤيديه بالذهاب إلى صناديق الاقتراع ويمنحوا أصواتهم لذلك الحزب الذي له الرصيد الأكبر في كركوك، بدل ستة مقاعد كان الآن يحظى بثمانية مقاعد، وبهذا العمل الوطني الجبار يكون قد خدم القضية الكوردية خدمة كبيرة جداً كانت تسجل له في التاريخ بكلمات من نور لا تمحى أبد الدهر. وهكذا الحزب الآخر الذي فاز في كركوك وهو يعلم أنه لا يحصد أصوات كثيرة في دهوك فلذا وجب عليه في هذه الانتخابات المصيرية أن يحفز أعضائه كي يمنحوا أصواتهم لذلك الحزب الذي معقله دهوك. هذه هي “کوردایەتی = Kurdayeti” بحق وحقيقة، من يريد أن يخدم الشعب الكوردي المظلوم عبر التاريخ يجب عليه أن يتجاوز المكاسب الشخصية والحزبية الضيقة ويذوب في ثنايا الشعب الكوردي الذي ذاق الأمرين على أيدي محتليه، وقبل هذا وذاك يجب على القيادات الكوردية أن تجيد سياسة التعامل مع العدو المحتل الذي يستخدم كل الوسائل الدنيئة من أجل تكبيل الشعب الكوردي وإدامة احتلال وطنه كوردستان. 
ربما القيادات الكوردية لا تستسيغ كلامنا هذا، لكن هذا كلام الشارع الكوردي، الذي يجب أن تستوعبه القيادات الكوردستانية جيداً وإلا ستدفع الثمن باهظاً في قادم الأيام. من الخطأ الجسيم أن القيادات السياسية والأحزاب الكوردستانية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ومعهم إسلاميو كوردستان أن تعد نفسها كالأحزاب العربية أو المستعربة في العراق، لأن تلك القيادات والأحزاب تنتمي لخارطة سياسية اسمها العراق له مقعد دائم في المحافل الدولية، بينما نحن الكورد الجانب العربي لا يعترف بنا صراحة  كشركاء حقيقيون في الكيان العراقي، بل أكثر من هذا في كل يوم يقضموا جزءاً من وطننا كوردستان من خلال سياسة التعريب المقيتة، ويحللها (ما ليس بحرام) لهم المذهب وذلك بوصفنا من جنس الجن الكافر يحل قتلنا واغتصاب أرضنا وسبي نسائنا وبيع أطفالنا في أسواق النخاسة، وإلا لماذا السيد علي السيستاني وهو المرجع الأعلى للطائفة الشيعية متخذ جانب الصمت فيما يتعلق بالأراضي الكوردية المنهوبة من قبل الجانب العراقي!، أليس سكوته هذا دليل الرضا؟!. ودولياً أيضاً لا يسمح لنا العالم العاهر بتأسيس دولتنا الوطنية أسوة بدول العالم، وخير دليل الاستفتاء الذي أجري في الإقليم في العام الماضي، لقد شاهدتم كيف أن العالم.. دون استثناء كشر عن أنيابه لنا وتركوا الأوغاد ينهشوا لحمنا. إذاً يجب علينا نحن الكورد أن نكون يداً واحدة قلباً وقالباً حتى نستطيع أن نوصل شعبنا الجريح إلى بر الأمان وذلك بإرغام العالم.. على الاعتراف بنا كأمة عريقة قائمة بذاتها ولها وطن اسمه كوردستان يمتد من البحر إلى البحر.
على أية حال، الآن انتهت الانتخابات، وأعلنت المفوضية عن نتائجها، ونحن يهمنا نتائج الانتخابات في إقليم كوردستان، لقد ظهر أن الحزب الديمقراطي الكوردستاني برئاسة الأستاذ (مسعود البارزاني) حصد أكثر الأصوات ليس في الإقليم فقط بل في العراق أيضاً، إذاً إذا تترك جميع الأحزاب الكوردية الأنانية والأحقاد الشخصية جانباً وتتفق فيما بينها على إحياء التحالف الكوردستاني وستكون أكبر كتلة في العراق ولو لفترة زمنية وجيزة قبل أن تتكتل الكتل الشيعية الطائفية إلا أنها إنجاز مهم يحقق للكورد مكاسب قومية مع الجانب العراقي أثناء المفاوضات على تشكيل الحكومة الاتحادية، فتستطيع بهذا التحالف أن تفرض شروطهاً كاملة على الجانب العراقي. كوردستانيا، أملنا كبير بأن الحزب الأكبر في الإقليم الكوردستاني لا يتصرف مع الآخرين في الإقليم وفق منطق الحكم لمن غلب، أو الذهاب منفرداً إلى بغداد دون اتفاق مع الجميع في الإقليم، نأمل منه أن يفتح صدره الواسع لجميع الفائزين بالانتخابات ويضمهم تحت جناحيه كأخ كبير، ليس ضيراً حتى وأن يتنازل لهم عن جزء من مكتسباته الانتخابية، وذلك حفاظاً على البيت الكوردي الذي هو أهم من الجميع. وهكذا الأحزاب والمنظمات  الكوردية الأخرى، التي فازت بالانتخابات الأخيرة يجب عليها أن لا تحسب نفسها أنها في سباق العدو وتريد الوصول قبل الآخرين إلى خط النهاية. نأمل أن تعود هذه الجهات المشار إليها  إلى رشدها ولا تفوت هذه الفرصة الذهبية على الشعب الكوردي الجريح، وتقف نهائياً عن إدلاء التصريحات.. التي لا تخدم الكورد أبداً، بل أنها تخدم أعدائهم ومحتليهم الأوباش.
نحن الكورد، نأمل من قياداتنا السياسية في الإقليم، وتحديداً الفائزون في الانتخابات الاتحادية الأخيرة، أن يحققوا لنا خلال هذه الدورة الانتخابية التي ستستمر لأربعة أعوام قادمة ما لم يستطيعوا تحقيقه في الانتخابات الماضية كتطبيق المادة (140) في المناطق المستقطعة. بالمناسبة أن الانتخابات الأخيرة كانت بمثابة استفتاء شعبي في كركوك بين الكورد والطارئون على كركوك من العرب والتر كمان وظهر للعالم أجمع أن الكورد رغم سياسة التعريب المقيتة والتهجير الظالمة ضدهم لا زالوا يشكلون أكثر من 50% من سكان محافظة كركوك الأصلاء. بينما العرب المستوطنون الذين جاء بهم السلطات العراقية المتعاقبة وعلى رأسها الديكتاتور اللعين صدام حسين لم يحصلوا على أكثر من 25% من أصوات الناخبين. وهكذا الأقلية التر كمانية مخلفات الاحتلال العثماني البغيض، رغم التزوير والتهديد الذي قاموا به ضد المواطنين والمؤسسات الرسمية في المحافظة لم يحصلوا على أكثر من 25% من الأصوات. نقولها للتاريخ، نحن الكورد المظلومون على أيدي الأعراب والمستعربون، حقوقنا القومية والوطنية أمانة في أعناق قياداتنا الكوردستانية أن تكافح وتناضل بلا هوادة من أجل أن تعيد لنا بقية مناطقنا الكوردية الكوردستانية المغتصبة بدءاً من بدرة وجصان وزرباطية ومروراً بمندلي وخانقين وشهربان وورازرو (بلدروز) وجلولاء وانتهاءاً بشنگال (سنجار). عزيزي القارئ الكريم، أن القيادات الكوردية تعلم جيداً أن المناطق الكوردية الكوردستانية المستقطعة التي ترزح تحت نير الاحتلال العربي لم ولن تعود إلى الوطن الأم كوردستان إلا بتوحيد الصف الكوردي وذلك بإحياء التحالف الكوردستاني الممثل الشرعي والوحيد للشعب الكوردي في جنوب كوردستان، ومن يتذرع من الفائزين بالانتخابات بعدم إحياء التحالف المذكور من خلال سرد أعذار واهية كي يتخلف عن الركب الكوردي إلى بغداد بلا أدنى شك أنه خائن للشعب والوطن وسيلعنه التاريخ أبد الدهر.  
22 05 2018           
حكم سيوفك في رقاب العذل … وإذا نزلت بدار ذل فارحل… وإذا بليت بظالمٍ كن ظالماً … وإذا لقيت ذوي الجهالة فاجهلِ… وإذا الجبان نهاك يوم كريهةٍ… خوفاً عليك من ازدحام الجحفل … فاعص مقالته ولا تحفل بها… وأقدم إذا حق اللقا في الأولِ. (عنتر بن شداد)

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…