إدريس سالم
في حديثنا عن المعركة الأخيرة في كركوك بين الحشد الشعبي الشيعي وقوات البيشمركة، عندما سألت صديقي (دلوفان عبدو) عن قراءته للمستقبل، فجاوب بتحليل عميق، كل الأحداث والمعارك والاتفاقيات تشير إلى حقيقة وواقعية كلامه، إن “أمريكا وإسرائيل تعملان على خلق توازن سياسي عسكري بين الشيعة والسنّة”. وهذا ما تشير إليه الأحداث في سوريا ولبنان والعراق واليمن وتركيا وإيران ودول الخليج العربي، فروسيا وأمريكا «شريكتان صادقتان متفقتان في إدارة حروب الشرق الأوسط» تعملان وفق القاعدة التالية “يصوّرون الشيعة للسنّة على أنهم أعداء الإسلام السنّي، وأيضاً يصوّرون السنّة للشيعة على أنهم أعداء الإسلام الشيعي”، تماماً كسلسلة (توم وجيري)، فما ستخسره أمريكا من خروجها من الاتفاق النووي، ستكسبه ثلاثة أضعاف من دول الخليج العربي، وفي مقدمتها السعودية، ثم مَن قال أن علاقة الأمريكان بالإيرانيين قد تدهورت؟.
الأسد والسيسي، وانضم إليهما مؤخراً حكّام الخليج هم أكبر ذخر استراتيجي لإسرائيل، وما الهجمات المتبادلة بين إسرائيل وإيران إلا لازدياد حجم التبادل الاقتصادي والتجاري بين إيران والدول التي ترى فيها العدوّة اللدودة، فلولا التعاون الوثيق والتنسيق الدقيق بين دمشق وتل أبيب ما وصل الوضع في سوريا إلى ما هو عليه الآن، فأمريكا وإسرائيل سمحتا بتحويل سوريا إلى قاعدة إيرانية غير مباشرة عبر حزب الله، ثمّ قاعدة إيرانية مباشرة عبر الجنرال قاسم سليماني، من منطلق النظرية التي تقول: “الشيطان الذي نعرفه يظلّ أكثر أماناً من أيّ شيطان لا نعرفه”، إذاً على الجميع أن يستيقظوا من غفوتهم، ويقرؤوا الحقائق بشكل أعمق، ثم يناموا قريري الأعين.
إن الحلف السرّي بين إيران وأمريكا وإسرائيل مهمته الأساسية هي تطوير المصالح الاقتصادية أولاً، وثانياً محاربة الإسلام السني وأتباعه، قمعاً وتقتيلاً وتهجيراً وتهميشاً، بخلق بعبع للسنّة، فدونالد ترامب قالها علانية لحكّام الخليج “ادفعوا انقذكم من الشيعة”، وكذلك الأمر بالنسبة لإيران فأحداث الحرب السورية طيلة سنواتها تقول إن الأوروبيين والأمريكان والروس يقولون للشيعة الإيرانيين “ادفعوا لنا، وحافظوا على مصالحنا، ودمروا ما يحلو لكم في الشرق الأوسط دون خوف أو حساب”، وهذا ما يجري على نيران هادئة «أمريكا تضرب العرب بإيران، وتضرب إيران بالعرب، والعرب يضربون بعضهم بعضاً بإيعاز من أمريكا.. فقط لمصلحة إسرائيل!».
والدليل الأكبر على عملية خلق توازن القوى، هي قناعة إسرائيل والصهيونية بأن التعايش مع السنّة أصبح أمراً مستحيلاً، نظراً لمبادئهم الراسخة وعقيدتهم الصافية، بأن فلسطين أرض إسلامية، ولا تسمح عقيدة الإسلام بالتفريط في أي جزء منها، وأن إسرائيل عدوّة العرب الأولى «إسرائيل الآن هي صديقة العرب الأولى»، ويجب على المسلمين جميعاً أن يجتثوها من أرض الإسراء والمعراج والأقصى، خاصة وأن قرون الاستشعار الصهيونية والماسونية رأت أن تغيير التركيبة السكانية ذات الأكثرية الساحقة السنّية لا يتأتى إلا بالتحالف والعمل مع الشيعة، فاستقدموا الخميني من فرنسا إلى إيران، وطردوا الشاه، وأطلقوا يد الخميني ومريديه، وبالتعاون السرّي الوثيق مع أمريكا وإسرائيل في الجيرة الإسرائيلية.
وكان احتلال أمريكا للعراق عام 2003 ضرورياً لتنفيذ مخطط خلق وفرض التوازن، لأن الرئيس العراقي المعدم صدام حسين كان عقبة كبيرة كأداء لتنفيذ المخطط، ولذلك احتلت أمريكا العراق وسلمته لإيران، وأطلقت يد الميليشيات الشيعية في ارتكاب المجازر والتهجير والقمع ضد الأكثرية السنّية في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
إن أموراً مستقبلية قادمة في محصلة الفصل الجديد للصراع المسرحي بين أمريكا وإسرائيل وإيران، حول خروج الأول من الاتفاق النووي، وهي:
⦁ فرض توازن سياسي عسكري بين السنّة والشيعة.
⦁ موافقة روسيا على ضرب القواعد الإيرانية، لتحجيم دور إيران الاقتصادي والعسكري في سوريا.
⦁ تغيير جغرافية منطقة الشرق الأوسط، بدءاً من العراق وسوريا.
⦁ تغيير حكّام منطقة الصراع الملتهب، بحكّام يديرون مصالح دول الغرب، قبل مصالح شعوبهم.
⦁ إشعال واشتعال جبهات جنوب لبنان، واليمن، وفلسطين.
⦁ خلق خلافات بيت تركيا وروسيا وإيران في إدلب وحلب.
⦁ فتح ملفات ساخنة في الخليج العربي.
⦁ تحالف عربي أوروبي سرّي، هدفه تفكيك الشرق الأوسط وفق المقاييس الغربية.
ماذا تستفيد أمريكا من خروجها من الاتفاق النووي؟
لعلّ الجواب على هذا السؤال، يكمن في هدفين رئيسيين، الهدف الأول: أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هو رئيس أرقام وليس السياسة، فالجميع متفق على حقيقة أن ترامب يصلح لأن يكون رجل أعمال ومال، وليس رئيس دولة عظمى في العالم، فيما الهدف الثاني هو خلق مزيد من الفوضى والحروب والصراعات المعقدة بين السنّة والشيعة في الشرق الأوسط، لتكون هذه الحروب والصراعات سوقاً كبيراً، لمكاسب اقتصادية ضخمة، يعيش منه دول أوروبا وأمريكا والروس، وغيرهم.
ختاماً، وللضرورة القصوى، على الشعب الكوردي أن يكون حذراً جداً من قيادته الحالية، خاصة في غربي كوردستان وشماله، فالقيادة مشتتة ومفكّكة وغارقة في الإغراءات والنفوذ المالي، وبذلك ستكون أداة سهلة التوظيف في الصراع أو المسرحية الجديدة، التي لا يخسر فيها أحد سوى الشعب، إذاً فعلى الشعب الكوردي أن يكون حازماً هذه المرة مع قيادته التي ركضت طيلة ثماني سنوات من أزمات الربيع العربي خلف النفوذ السياسي الذاتي وإغراءات المال والسلطة، وأن يطالبوها بعرض قضيتهم السياسية على الطاولة، إن دعت الضرورة في توظيفهم في الصراع الجديد، أو ربما سيكونون ضحية مقايضات سياسية وعسكرية، مثل مقايضة عفرين بالغوطة..