فوز العراق الرياضي..!!

محمد قاسم (ابن الجزيرة)

كنت في صدر شبابي أمارس رياضة كرة القدم وكنت أظن أنني ربما سأكون لاعبا ذا شأن.

ولكن البيئة التي عشت فيها كانت ترى في الرياضة نوعا من تضييع الوقت على حساب الدروس، مما أثر في عزم المعنويات عندي..
كنا نظن أن الدراسة هي كل شيء ، ولا ينبغي أن ينافسها أو ينازلها شيء..
هكذا زرع أهلنا في نفوسنا، واعتبروا اللعب مضيعة للوقت..أو عبثا لا طائل منه..
وكبرنا على هذا النمط من الظن والاعتقاد، وهجرنا الرياضة يوما بعد يوم، وأصبحت الرياضة في نظري حركات لا فائدة فيها سوى بعض وقت ضائع؛ يغلب فيه العبث على الجد..

وكنا نظن أن الحياة ينبغي أن تكون جدا فقط.

وحاولنا أن نتأقلم مع هذه النظرة التي انعكست على حياتنا انعكاسا لا تزال آثاره تلقي بظلالها على أسلوب حياتنا ..وجعلتنا نخسر قسما ليس بالقليل من انسجامنا مع الحياة على طبيعتها..(عفوية الحياة).
ويحضرني – هنا – أن ا الدكتور رشيد احمد*-رحمه الله-  قال لي – وهو يرى احدهم  يمر في تلك اللحظة –:
 انظر إليه..!  إنه  يعيش حياة طبيعية، يتصرف بعفوية في تعاملاته..!  أما أنا وأنت فنحن نكاد نكون معقدين نفسيا..وطبعا – ومن باب الدفاع ،كرد فعل طبيعي عن ذاتي-  اعترضت على وصفه هذا؛ ولكني كنت مقرا في قرارة نفسي بان جزءا من توصيفه صحيح..!
وفيما بعد عندما كبرنا وحصلت على الإجازة الجامعية(ليسانس)  كادت النزعة هذه أن تزداد في نفسي ،على الرغم من أن هذا الاختصاص – وخاصة علم النفس منه- قد نفعني كثيرا في إعادة لصياغة حياتي من جديد بشكل أو   بآخر..

(نوع من استعادة التوازن النفسي ..!).
وكان أن  بعدت عن الرياضة، ولم اعد – حتى-  أشاهد المباريات التي تجري في ملاعب عالمية ،وعلى كؤوس عالمية،وتشغل الملاعب حياة الناس-وأحيانا سلوك الدول-.
وأصبحت الحكومات  تضع لها برامج،وتصرف عليها الأموال الطائلة،وتستثمرها كوسيلة في التأثير السياسي …
 ربما كان موقفي هذا نوعا من رد فعل لما تبذله حكومات من اهتمام زائد عن السياق الطبيعي لما يجب أن تكون عليه الرياضة –بحسب رأيي-
وزادني  الأمر بعدا شعوريا-ولا شعوريا- أن بعض أنظمة الشرق العربي المتخلفة تتخذ من هذه اللعبة وسيلة لإلهاء الناس عن مجريات حياتهم، وأساليب السرقة والقهر التي تتبعها هذه الدول معهم..استثمار سياسي رخيص لميل الناس إلى اللعب الشعبية -الكرة خاصة-..!
ومرت الأيام، وكرت الليالي، حتى إذا كان هذا اليوم – الأحد 29تموز 2007 ..حيث المبارة بين فريقي العراق والسعودية لكرة القدم..!
وكانت هذه المباراة حاسمة في لعبة كرة القدم في كأس آسيا لهذا العام.
وقد لاحظت من لعب الفريقين في هذا اليوم ،أنهما عملاقان في اللعب –وإن بدا لي أن الفريق العراقي،كان أكثر حركة وانسجاما وقوة توجت كلها بفوزهم بهدف مقابل لا شيء للسعودية ،وكما قال المعلق المصري (إن جيت للحق الفريق العراقي أحق)-.
 وجدت نفسي منشغلا بمتابعة هذه المباريات ،والحق يقال-كان الدافع الأشد –في البادية – سياسيا؛ من حيث أنني كنت أعتقد بان سيكون لهذه المباريات تأثيرها على المزاج العام في العراق إذا تغلب الفريق العراقي،وربما انعكس ذلك على المزاج السياسي أيضا،وأنتج حالة تأمل لدى العراقيين للعودة إلى أسلوب أكثر سلما في التعامل السياسي بين الفر قاء جميعا..كما ساهم في اهتمامي بالرياضة اليوم، فوز العراق على كوريا، وتأهله للمباراة النهائية مقابل السعودية..
تابعت لأول مرة – ربما منذ أكثر من ثلاثين عاما – هذه المباراة على قناة الحرية العراقية ،ولقد كان من حسن الطالع أن معلقا مصريا –لم اعرف اسمه- هو الذي كان يدير التعليق على المباراة ولقد أجاد – والله – برأيي أجمل إجادة،مما زاد من شدة اهتمامي بالمتابعة لأنه كان يثير فيّ – فعلا – عنصر الاهتمام بقوة متابعته..

ورشاقة لغته..

وحسن تعليقه المشوب بالتنكيت الجميل.
ولقد وجدتني أحلل أسلوب اللعب لدى أعضاء الفريقين ،وأرجح لعب هذا على ذاك،  وارى في  هذا تقصيرا، وفي ذاك تحسينا وتقدما، حتى لقد اندمجت مع اللعب تماما، وإذا بي أصيح مع كل حركة مثيرة، وأنفعل مع بعض المواقف الرياضية المثيرة، حتى لقد لحظ ابني شدة التأثر مني إلى درجة أثارت انتباهه، وسألني عما بي..؟! فقلت هذا من التأثر باللعب ،والتأثر ضار لي صحيا بسبب حالتي التي لا أزال أعاني فيها من آثار الاحتشاء الدماغي الذي رقق قلبي ومشاعري إلى درجة أراها مزعجة..

فما أكاد أشاهد أو اسمع مقطعا عاطفيا؛ حتى تتوتر لدي الأعصاب ،وتغرورق عيني بالدموع التي عبثا أحاول مغالبتها، وأغالب توتر أعصابي معها..

حتى أنني صرت أخاف –أحيانا- على نفسي من تأثيراتها السلبية…
وما كاد يونس يضع الكرة برأسه في شباك المرمى حتى وجدتني أصيح بأعلى صوتي كووووووووووووول وأنا اقفز من مكاني..
تعجبت من حالي..

كيف اندمجت بعد كل هذه السنين مع هذه اللعبة..؟!
 وكان التفسير سهلا..

فقد كانت لهذه اللعبة أرضيتها في نفسي..

ولكن الأيام هي التي كانت قد جمدتها للأسباب الاجتماعية التي أشرنا إليها قبلا.
ورحت أصيح ويعلو صوتي..بحسب مواقف اللاعبين وحركاتهم المثيرة ..

واصفق تماما مثلما يفعل الشباب في مقتبل العمر، أو كما يفعل الهواة من أي عمر..!
عجيب أكل هذا الاندماج لمرة واحدة؟
هل استيقظت في نفسي رواسب كانت مجمدة عن الميل إلى الرياضة؟
هل الدافع الذي كان –أساسا- السبب في متابعة المباراة -وهو السبب السياسي – هو الذي هدم الحواجز، وكشف عن هذا الميل الكامن والمكبوت منذ زمن طويل؟
ربما نعم وربما هناك مؤثرات أخرى أيضا..!
المهم إنني تفاعلت مع هذه المباراة..!
والمهم أنني صفقت لنجاح الفريق الرياضي العراقي بحرارة،  وكنت قبلا قد توقعت الفوز له بواقع / 1-0 / وصدقت نبوءتي ..ولكني لم استفد منها لأربح خمسمئة دولار من قناة( ﭬين الكردية) التي لا تزال قيد التجربة،وكانت قد أعلنتها جائزة لمن يتنبأ بالنتيجة ..
وزاد من سروري، علامات الفرحة البادية على وجوه العراقيين وعشاق الرياضة عموما..
ولكني لا أزال أتساءل: هل سينعكس هذا الفوز الرياضي في حياة العراقيين إلى فوز سياسي أيضا ..؟
هل ستتجه العزائم فيه إلى مصالحة نهائية تقضي على جريان الدم وفوران الحقد في شعب العراق التاريخي أو ما قبل التاريخي، ومسكن حضارة يظل العراقيون يتغنون بها ولكن لا يبدون سلوكا يبدو منسجما مع مقتضاها..؟!
—————
*الدكتور رشيد أحمد طبيب من عفرين في سوريا وكان يعمل في مدينة ديرك المعربة إلى المالكية في الجزيرة السورية توفي بمرض السرطان رحمه الله.كان طبيبا إنسانيا في معالجة مع كل الناس دون تفريق على أساس الجنس أو الدين أو الطائفة فأحبه الناس جميعا وأقاموا له تأبينا لائقا في ديرك ولا يزالون يتذكرون خصاله ومناقبه الإنسانية في ممارسة مهنته الطبية.
ibneljezire@maktoob.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…

نظام مير محمدي* عادةً ما تواجه الأنظمة الديكتاتورية في مراحلها الأخيرة سلسلةً من الأزمات المعقدة والمتنوعة. هذه الأزمات، الناجمة عن عقود من القمع والفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية والعزلة الدولية، تؤدي إلى تفاقم المشكلات بدلاً من حلها. وكل قرارٍ يتخذ لحل مشكلة ما يؤدي إلى نشوء أزمات جديدة أو يزيد من حدة الأزمات القائمة. وهكذا يغرق النظام في دائرة…