بقلم: المحامي عبد المجيد محمد
abl.majeed.m@gmail.com
في تاريخ البشرية، هناك اشخاص يصنعون التاريخ، وهناك اشخاص ايضا يكتبون التاريخ. صناع التاريخ هم من يسجل التاريخ اسمائهم وتبقى ذكراهم محفوظة للابد في التاريخ.
بصفتی كأحد الكتاب والحقوقيين والمحامين الايرانيين أود أن أشير إلى أحد صناع التاريخ لحقوق الإنسان في بلدي ايران. صناعة التاريخ في ايران قبل خمسين سنة مضت تمثلت في ناشط دؤوب لا يعرف الكلل في مجال حقوق الانسان وفي النهاية ضحى بحياته في سبيل حقوق الانسان وشكلت هذه الشخصية التاريخية لي مثالا ونموذجا باعثا للفخروالاعتزاز..
وعلى الجانب الاخر من قصة هذه الشخصية المرموقة، هناك اولئك الذين استهدفوه برصاص حقدهم وكراهيتهم اللانساني وتركوا ورائهم السمعة السيئة والرهيبة التي سجلها تاريخ حقوق الانسان وتاريخ ايران بحقهم على حد سواء ..
هذا الصانع التاريخ الشخصية المعروفة في مجال حقوق الإنسان في كل من إيران وأوروبا. بعد تخرجه من مجال التعليم العالي في عام 1958، في افضل مركز علمي وسياسي يعني في كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة طهران. ومن أجل استكمال دراساته القانونية والسياسية، اتجه الى فرنسا ونجح في الحصول على درجة الدكتوراه في كل من اختصاصي العلوم السياسية والقانون الدولي واكبر دليل على تعمقة وتبحره في هذين المجالين عمله بصفة استاذ في القانون الدولي في كلية الحقوق في باريس لاعوام عديدة.
وبالإضافة إلى ذلك، كان الأستاذ المساعد في المعهد الدولي للدراسات الدولية في جنيف ومسؤولا عن الحلقة الدراسية في مدرسة جنيف للأدب، وكذلك معهد دراسات التنمية الاقتصادية بجامعة جنيف.
اسم صانع التاريخ في مجال حقوق الإنسان هو البروفيسوركاظم رجوي.
وقد انتخب سفيرا لايران لدى الاتحاد الاوربي بعد انتصار ثورة الشعب الايراني في شباط / فبراير 1979. كما كان سفيرا ورئيسا لوفد الهيئة الدبلوماسية الإيرانية في السنغال وسبعة من دول أفريقيا الغربية لفترة من الزمن. لكن بعد عشرة أشهر، وبعد اكتشافه طبيعة النظام الإيراني ومطامعه التوسعية فيما يسمى بمصطلح (تصدير الثورة) الى البلدان الاخرى قام بالتخلي عن مناصبه الدبلوماسية احتجاجا على هذا الواقع ومنذ ذلك الحين، وظف جل وقته في خدمة حركة المقاومة الإيرانية، ونذر حياته لمقاضاة الفاشية الدينية الحاكمة في ايران على دماء الضحايا المجاهدين والمناضلين في سبيل كشف جرائم نظام الملالي اللانسانية امام العالم.
وبهذه الطريقة، قدم كل رصيده العلم والسياسي والمهني في خدمة المقاومة والمقاضاة من أجل دماء ضحايا الفاشية الدينية الحاكمة في إيران.
وللتعريف اكثر عن صانع تاريخ حقوق الانسان هذا، أود أن أشير بإيجاز من خلال رسالة السيدة الأولى في فرنسا، الراحلة دانيل ميتران، بمناسبة الذكرى السنوية الخامسة عشرة لرحيل البروفيسور كاظم. حيث تقول:
“إذا نواصل نحن نضالنا، فهوطريق فتحه آخرون ليصبح درب النضال سالكا ومن المؤسف حقا أنه بقتل أفضل المدافعين عن حقوق الإنسان خسرت الانسانية هذة الثروة البشرية . لكن حتى مع وفاة إنسان واحد فان رسالته وتعاليمه التي اعتقد وعبرعنها بكل شجاعة لن تذهب سدى وستظل باقية للابد ”
اما أبرزالمحطات التاريخية الحية والعمل الدؤوب للبروفيسور كاظم رجوي لم تقتصرعلى أنشطته السياسية والعلمية فقط وانما في تاريخ نضال الشعب الإيراني، قام الدكتور كاظم بعمل ستتناقله الاجيال جيلا بعد جيل.
في حملة مكثفة جدا خلال عام 1972 وبعده، تمكن من إجبار نظام الشاه على الحد من عقوبة الإعدام لشقيقه الأصغر مسعود رجوي، الذي كان في سجون نظام الشاه.
اعتقل مسعود رجوي عضواللجنة المركزية لمنظمة مجاهدي خلق الايرانية في 23 أغسطس / آب 1971، إلى جانب عدد من الكوادر الرئيسية الأخرى في هذه المنظمة من قبل سافاك نظام الشاه، وبعدعمليات التعذيب والاستجواب الشاق والمرهق حكم عليه بالاعدام من قبل المحاكم العادية والمحكمة استئناف العسكرية. وفي شباط / فبراير1972، اطلع الدكتور كاظم رجوي على خبر اصدار حكم الإعدام بحق شقيقه مسعود.
وبعد بضعة أيام من سماع هذه الأنباء، كان كورت فالدهايم، الأمين العام للأمم المتحدة قد ذهب الى سويسرا حينها، لذلك طلب الدكتور كاظم منه أن يطلب من الشاه إلغاء حكم الإعدام بحق المجاهدين.
وقام كورت فالدهايم بعد فترة وجيزة باخبار الدكتور كاظم أنه طلب من الشاه إلغاء حكم الإعدام على مسعود رجوي في مكالمة هاتفية معه.
وواصل الدكتور كاظم رجوي أنشطته الفعالة ومن ضمن هذه الانشطة أنشأ لجنة الدفاع عن السجناء السياسيين الإيرانيين في سويسرا، وكان له اثر كبير في إطار رابطة أسر السجناء السياسيين في إيران، حيث اثار اهتمام المدافعين عن حقوق الإنسان، والأوساط الصحفية والسياسية، والرأي العام، الأحزاب والشخصيات الخارجية بحيث وفي الوقت نفسه، كتب صحيفة ليبرتي السويسرية: “سيل من البرقيات المرسلة إلى طهران”. وبالإضافة إلى هذا العدد الكبير من البرقيات، وبسبب جهود الدكتور كاظم الحثيثة. ذهبا محاميان سويسريان معروفان، إلى إيران في شباط / فبراير 1972 للدفاع عن أعضاء المنظمة.
وأخيرا، في 19 أبريل 1972، كللت جهود الدكتور كاظم بالنجاح في النهاية، وكان نظام الشاه قد تراجعت غصباً عنه وغير حكم الإعدام بحق مسعود رجوي الى الحكم بالسجن المؤبد مع الاعمال الشاقة. ولكن الخطر كان فعالا.
في اطار متابعة فعالياته في بداية ديسمبر 1976 شارك البروفسور كاظم في المؤتمرالدولي للاحزاب الاشتراكية، وبحضور 11 رئيس دولة و60 رئيس وزراء ووزير خارجية، كشف عن جرائم نظام الشاه ودعاهم لإنقاذ حياة مسعود رجوي.
واستمرت جهود الدكتور كاظم لإنقاذ حياة مسعود رجوي حتى 20 يناير/ كانون الثاني 1979،عندما أطلق سراحه مع اطلاق سراح اخر دفعة من السجناء السياسين من سجون الشاه، وعندها فقط استطاع البروفسور كاظم، بعد سبع سنوات من القلق، أن يشعر بالراحة اخيراً.
لم يكف البروفسور كاظم رجوي مادام كان على قيد الحياة، عن محاولة الدفاع عن حقوق الإنسان.
وكشف الانتهاكات الممنهجة والمنتظمة لنظام الملالي في الجمعية العامة للأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية ونتيجة لجهوده الدؤوبة في 6 ديسمبر 1985، اصدر قرار بإدانة انتهاكات حقوق الإنسان في ايران بأغلبية الأصوات في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وعقب اصدارهذا القرار، قال الدكتور كاظم رجوي في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز: “نحن نكتب تاريخ حقوق الإنسان بدمائنا”.
بسبب كشفه المستمر لانتهاكات نظام الملالي، كان دوبلوماسيو الفاشيية الدينية الحاكم في ايران يكنون له الكره الشديد، حيث أصدر الخميني فتوى لقتل ”البروفسور كاظم رجوي“ في عام 1986.
وأخيرا، وعملا بهذه الفتوى وبمهمة من وزارة مخابرات نظام الملالي اللعينة لإزالة البروفسور كاظم.
أراق المجرمون المرسلون من قبل ملالي طهران الى مدينة كوبيه جنيف، دم الدكتور كاظم رجوي على الارض في 24 أبريل / نيسان 1990 وخطفوا من بين ايدينا هذا الناشط الدؤوب في مجال حقوق الانسان. ولكن سيخلد التاريخ اسمه تحت عنوان «شهيد حقوق الانسان العظيم» وكما قال هو نفسه
“كتب تاريخ حقوق الإنسان بدمه”