بقلم: المحامي عبد المجيد محمد
Abl.majeed.m@gmail.com
يسعى العالم اليوم الى استخدام أحدث التكنولوجيات وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بأمور الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ووسائل التواصل ويبقى العالم هذه الخيارات مفتوحة وفي متناول الجميع. لكن النظام الفاشي لولاية الفقيه الحاكم في إيران على العكس يسعى فيه الولي الفقيه وبقية مفاصل هذا النظام لتقليل استخدام الشعب الإيراني لهذه التكنولوجيا وحرمانه منها.
وزارة مخابرات الملالي سيئة السمعة متقدمة وضليعة في هذا المجال و تسعى بكل جهدها واستطاعتها لفرض رقابة على مواقع التواصل وحجبها حتي تمنع الشعب الإيراني من الوصول لهذه التكنولوجيا. نسعى في هذه المقالة للاجابة على هذا السؤال لماذا يقدم النظام الإيراني على مثل هذا العمل؟ خطابات ومواقف مفاصل هذا النظام القمعي تجيب عن تساؤلاتنا.
علاء الدين بروجردي رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية لبرلمان النظام في ٣١ مارس قال:
“كأقصى حد حتى ٢٠ أبريل سيتم اغلاق التلغرام وسيتم أضافه نظام وطني مشابه للتلغرام في مكانه وهذا القرار تم اتخاذه على أعلى مستوى … بالنظر الى الدور المخرب والمدمر لبرنامج التلغرام في أزمات العام الماضي .. هذا الموضوع مهم جدا من ناحية الامن القومي”. بروجردي يقصد بكلمة أعلى المستويات في اشارة منه الى خامنئي الذي يملك القرار والكلمة الاخيرة في جميع المسائل وبشكل خاص المسائل الامنية والمسائل التي تتعلق بقاء أو سقوط النظام. بروجردي يقصد بكلامه أيضا عن الشبكة أو النظام الوطني هو أن تكون تحت سيطرة وتحكم ورقابة النظام بشكل كامل.
عطفا على الموضوع أعلاه نقلت وكالة الانباء الحكومية مهر في تاريخ ٣١ مارس تحذير خامنئي خلال العام الماضي بخصوص خطر الفضاء الافتراضي وخطر الترحيب الواسع النطاق لشبكاته بما فيها التغرام ومن جملة ما قاله خامنئي في ٢٢ مايو ٢٠١٧ هو: “من وجهة نظري فان وسائل التواصل الاجتماعي هذه عبارة عن فرصة وعن خطر أيضا والخطر في أنه من الممكن أن توثر هذه الكلمات والشبهات المنتشرة على هذا الفضاء في عقل وذهن الشباب وغير الشباب وهذا هو الخطر الحقيقي”.
خامنئي أيضا في تاريخ ٢٧ ديسمبر ٢٠١٧ كان قد قال: “فيما يتعلق بموضوع الفضاء الافتراضي أقول بأن تنتبهوا من ضربات مدفعية العدو في هذا المجال عليكم الحذر. لا تستخدموا هذا الفضاء المعادي ضد هويتكم ووجودكم ونظامكم … هناك الالاف من مدفعيات نشر الكذب ومدفعيات تضخيم المشكلات تعمل بازدحام على الاطلاق ضدنا من الطرق المتاحة في يومنا هذا ولم تكن موجودة سابقا”.
بالاضافة الى هذا قال خامنئي في يوم ٩ يناير من عام ٢٠١٨ (أي في الايام التي وصلت فيها انتفاضة الشعب في كثير من المدن الإيرانية الى ذروتها وأوجها) متشكرا المسؤولين الأمنيين والعسكريين وقوات الحرس والبسيج: “المسؤولين المختصين هم اؤلئك الذين يتحمسون لثوران الفضاء الافتراضي ويقومون بعمل ما أو يتكلمون بحرف واحد يختلفون عن اولئك الاشخاص المرتبطين بمجاهدي خلق فهم ليسوا متشابهين”!
من بين كل الشبكات الاجتماعية يعتبر التلغرام من أكثر البرامج والشبكات الاجتماعية شعبية في إيران. حسب قول وزير الارشاد في حكومة الملا حسن روحاني: 80٪ من المعلومات التي يتم الحصول عليها باللغة الفارسية في الفضاء الإفتراضي تتم عن طريق التلغرام. ووفقًا للاحصائات الصادرة عن مؤسس شركة تلغرام ومديرها التنفيذي، فإن هذا البرنامج لديه حاليًا أكثر من 200 مليون مستخدم نشط ، 40 مليون منهم إيرانيون.
السمة الأهم في برنامج التلغرام بالنسبة للإيرانيين الموجودين تحت قمع وحنق الدكتاتورية الدينية هي الحصول على ميزة الأمن وابتعاد هذا النظام المراسلاتي عن سيطرة وتحكم وزارة مخابرات النظام.
الفاشية الدينية الحاكمة في إيران تخشى أي نوع من انواع تبادل المعلومات بين الإيرانيين. وقد خضعت ادارة برنامج التلغرام لضغوط عدة مرات في سبيل ايصال خدماتها الى إيران أو التعاون مع وزراة مخابرات هذا النظام من أجل فرض قيود على عمليات التواصل.
وقد أظهر مستخدمو ومسؤولو برنامج التلغرام فعاليتهم وتأثيرهم خلال المظاهرات الشعبية في اواخر عام ٢٠١٧ وبداية العام الميلادي الحالي ومنذ ذاك الوقت سعت الاجهزة القمعية الى اتباع عمليات الحجب والرقابة عن طريق عمليات الاسترضاء والابتزاز والرشوة لمسؤولي برنامج التلغرام لاجبارهم على اعطاء معلومات المستخدمين للحكومة أو سيقومون باغلاق قنوات المجموعات المرتبطة بالمقاومة وبالمنتفضين.
لكن مدير برنامج التغرام اعلن عدم اذعانه لمطالب النظام القمعي وحتى الان لم يتم اعطاء ولو حتى واحد بايت من معلومات مستخدمي برنامج التلغرام لحكومة ولاية الفقيه.
ومن الجلي جدا أن عمال القيود الشديدة على الانترنت وحجب الشبكات الاجتماعية من الامثلة الواضحة على قمع عمليات التواصل وايصال المعلومات والتي تعتبر انتهاكا سافرا جدا للمعاهدات واللجنات الدولية.
وكنا رأينا أن الخامنئي شخصيا أجاب عن سؤالنا أنه لماذا يجب السيطرة على شبكات الانترنت وفرض الرقابة عليها في إيران. مع اقتراب نهاية الموعد النهائي في ١٢ مايو الذي حدده الرئيس الامريكي حول موضوع الاتفاق النووي يجب على الخامنئي اتخاذ قرار قاطع ونهائي وباتخاذه هذا القرار يتوجب عليه احتساء كؤوس السم الزعاف في امور حقوق الانسان والصواريخ واخراج قوات التدخلات السافرة من دول المنطقة و… الخ.
ولكن الأهم من كل ذالك وما يستوجب القلق البالغ من قبل خامنئي وجميع مفاصل نظامه ككل هو ارادة وتصميم كل من المقاومة الإيرانية والقوى المطيحة والمسقطة لهذا النظام على اسقاط هذا النظام مهما كلف الثمن. وقد أظهروا فعاليتهم واعمالهم بشكل جيد فيما يتعلق بموضوع الشبكات الافتراضية في تظاهرات الثلاث الأشهر الماضية. إن جيش الجوعى والعاطلين عن العمل و الانتفاضة العظيمة للمدن الإيرانية تتربص لهذا النظام في كل لحظة وفي كل حين.
خامنئي قالها صراحة بوجود مخططات لاسقاط النظام وأن هناك مثلثا يريدون من خلاله الاطاحة بهذا النظام وأحد اضلاعه كانت منظمة مجاهدي خلق وقواتها في الداخل الإيران. لذلك فان دكتاتورية ولاية الفقيه مع عدم قدرتها على التغطية على الاوضاع السيئة جدا والازمات الداخلية والضغوط المتزايدة عليها تريد من خلال عمليات التصفية والحجب وعلى وجه الخصوص حجب التلغرام مداواة آلامها المزمنة وايجاد علاج ولو بشكل مؤقت على شكل مسكنات ومهدئات.