عبدالرحمن مهابادي*
مع اقتراب الموعد النهائي في 12 مايو، الذي حدده الرئيس ترامب فيما يتعلق بالاتفاق النووي مع النظام الإيراني، تتزايد التكهنات حول مصير الاتفاق. يقول البعض أن الولايات المتحدة سوف تنسحب من هذا الاتفاق، والبعض يخالف وجهة النظر هذه. في الوقت نفسه يريد النظام الإيراني ولوبياته تصوير خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي على أنه بداية حرب في الشرق الأوسط وبهذه الطريقة يريدون تخويف الرأي العام.
الأمر الذي يمكن أن يكون أساسا للتحليل الصحيح لهذه القضية هو الفهم الحقيقي لطبيعة النظام الإيراني، الذي دخل الآن في عمر ال40 عام. بدون هذا، لا يمكن للمرء أن يتحدث عما ستكون عليه نهاية الموعد النهائي.
النظام الإيراني الحالي، الذي كان هدفاً سياسياً رجعيًا استعماريًا، أساسًا في بروزه. منذ بدايته قام باستغلال المشاعر الدينية للشعب الإيراني، وتركز تشكيل أساساته وبقائه على غزو واحتلال البلدان عن طريق نشر الحروب فيها. في البداية سلمت الكثير من بلدان المنطقة لاستراتيجية هذه القوة الجديدة التي أمسكت زمام الحكم في إيران وخضعت لها واتبعت السياسة الناعمة فيما يتعلق بمواجهتها. هذه السياسة، بطبيعة الحال، هي التي حفزت النظام الإيراني وجعلته أكثر جرأة، وفي السنوات التالية، أدت إلى مزيد من تدخل النظام في الشؤون الداخلية للدول. المثال البارز في هذا الاتجاه هو العراق وسوريا ولبنان واليمن، تلك الدول التي أصبحت الآن حقيقة مريرة في يومنا هذا.
إن اعتماد مثل هذه السياسة فيما يتعلق بالنظام الأصولي في إيران لم يكن محصوراً في المنطقة فقط. لكنها استولت على أجزاء كبيرة من العالم، اتبعت بلدان العالم الكبرى مثل هذه السياسة مع النظام الإيراني لسنوات عديدة وذالك بغضها النظر عن جرائم النظام الإيراني، وخاصة في حالة انتهاكات حقوق الإنسان.
هذه السياسة لم توقف نظام الهيمنة الحاكم في إيران عن التحرك. لقد تمكن النظام الإيراني من شراء الصمت الدولي في مقابل جرائم النظام أو الحصول على الدعم عن طريق استخدامه لأدوات مثل : (اطلاق التيار أو الحركة الاصلاحية المزيفة والكاذبة في الحكومة) و (بذخ صرف الدولار والنفط الإيراني على متبعي سياسات التماشي والاستراضاء الغربيين). النظام الإيراني من خلال سياسة (السكوت أو الدعم مقابل دفع الدولار والنفط) استطاع أن يصل لتحقيق أهدافه الخطيرة التي كانت بالاضافة لقتل معارضيه في كل من جهتي الحدود مشروع الحصول على السلاح النووي الذي وصل فيه الى مراحل متقدمة أيضا. يمكن رؤية الطبيعة المدمرة لسياسة الاسترضاء والتماشي المتبعة مع النظام الإيراني من خلال إهمال المجتمع الدولي لمثل هذا المشروع الخطير للغاية، ولو لم تكشف المعارضة الإيرانية عن ذلك (المشروع النووي للنظام الإيراني)، لكان مصير المجتمع الانساني المعاصر الآن مختلفًا!
ولكن على ما يبدو أن الغرب مازال نائما حتى الاعوام الاولى بعد عمليات فضح المشروع النووي المذكورة وكان يجب تمديد اللعبة حتى الدقيقة ال 90. لان الاتفاق الذي وقعه الغرب مع النظام الإيراني كان في الحقيقة لعبة أخرى في الأرضية نفسها. لأن هذا الاتفاق لا يمنع النظام من الحصول على السلاح النووي! لذلك، يجب قطع يد النظام الإيراني بشكل كامل ومطلق في موضوع الحصول على السلاح النووي. الحقيقة هي أن المجتمع الدولي يقترب الآن من تحقيق ذلك إلى حد ما، و المجتمع الدولي الآن قد ألقى الكرة في ملعب النظام الإيراني بحلول الموعد النهائي في 12 مايو 2018.
ليس عبثا أن نرى الآن الولايات المتحدة والدول الكبرى في الشرق الأوسط تنأى بنفسها عن سياسة التعاملات والتنازلات مع النظام الإيراني وتتبنى سياسة جديدة وحاسمة والتي ستؤثر بلا شك على الآخرين أيضا. إن حصول النظام الحاكم في إيران على السلاح النووي لن يهدد المنطقة فحسب، بل سيعرض العالم أيضًا لخطر كبير جدا. لأنه في الفكر الرجعي والأصولي لولاية الفقيه، لا توجد حدود للسيادة. يجب أن يكون العالم أجمع في يد “الله سبحانه وتعالى” الذي يعتبر الملالي أنفسهم ممثلين عنه (حاشا لله) !
مع مثل هذا الإدراك والمعرفة للنظام الإيراني، يجب أن ننظر جليا إلى مصير الاتفاق النووي في الموعد النهائي في 12 مايو 2018. هل سيقبل النظام الإيراني بشروط الولايات المتحدة؟ هل الولايات المتحدة جادة في الخروج منه؟ إذا كان النظام لا يقبل شروط الولايات المتحدة، فهل سيتم إلغاء الاتفاق؟ وهل ستندلع حرب بعد خروج الولايات المتحدة من الاتفاق و. ..؟
تلك وغيرها الكثير من الأسئلة التي يمكن الإجابة عنها سؤالا تلو الآخر بشكل فردي. ولكن ما يجب قوله بالتأكيد هو أن النظام سيصبح أكثر ضعفا في المشهد الظاهري من الموعد النهائي هذا وإن ما سيحمله الموعد النهائي هذا هو المزيد من الانهيارات والانكسارات والهزائم للنظام الإيراني.
إن الإدراك الدقيق لطبيعة النظام المثير للحروب الحاكم في إيران يخبرنا بغض النظر عن أي صعود وهبوط في هذه القضية، بإن تغيير النظام في إيران يقترب ويقترب يوما بعد يوم. اذا قبل النظام شروط الغرب والتي هي عبارة كأس سم أكثر سوادا وتأثيرا من كأس السم السابق للمشروع النووي فان هذا سيؤثر بسرعة على كامل هيئات واركان النظام. إذا لم يقبل النظام الشروط المطلوبة أيضا، فهناك عقوبات أكثر عنفا وقساوة ستطبق على النظام. واذا تم اتخاذ قرار الحرب التي سيكون النظام الإيراني المبادر اليها فالنتيجة ستكون واضحة للجميع مقدما.
لكن الكلمة الأخيرة
في ظروف اقتراب الموعد النهائي المعلن، نرى أن انتفاضة الشعب الإيراني دخلت مرحلة جديدة في إيران. وجميع طرق التنفس والبقاء، التراجع، أو التقدم مغلقة في وجه هذا النظام والوقت يجري على حساب النظام الحاكم في إيران وفي ضرره وخسارته. أظهرت الانتفاضة أن الشعب الإيراني لن يكون راضياً بأقل من تغيير النظام في إيران. إن ما تسبب في دب الرعب والخوف في جميع اركان هذا النظام المهتزة أساسا ليس مصير الاتفاق النووي (على الرغم من أنه كان مهما جدا بالنسبة له حتى الأمس)، وإنما الاتجاه المتسارع الذي بدأ مع بداية الانتفاضة الإيرانية ووضعها موضوع تغيير النظام في منظورها وتوقعتها القريبة جدا. بالنسبة للشعب والمعارضة الإيرانية، فإن مصير الإتفاق مهم جدا في هذا الصدد، حيث أن أي من الخيارات القادمة سيسرع من هذا التغيير الكبير. وبالتالي، فإن ما ينبغي أن يكون محور اهتمام الشعب والمعارضة للإطاحة بهذا النظام هو أن يكونوا أكثر استعدادًا قدر الإمكان لجعل هذا التحول الكبير في إيران يصب في صالح إيران.
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني.
Abdorrahman.m@gmail.com