جان كورد
استقبل السيد رجب طيب أردوغان، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في زيارته الأخيرة إلى أنقره لحضور القمة الثلاثية بينه وبين الرئيس التركي والرئيس الايراني، استقبال سلطانٍ عثماني لقيصر روسي، ورحّب بالرئيس حسن روحاني استقبال الأخ لأخيه، وفي هذا تناقض فظيع فيما تفعله وتقوله الرئاسة التركية كما يظهر للعيان.
الرئيس التركي المسلم السني الذي لا يخفي طموحه لزعامة العالم الاسلامي بأسره، ويبدو كمجاهدٍ في ساحات الوغى ضد السيطرة الاستعمارية في المنطقة ويتوعّد ويهدد كل يوم شرقاً وغرباً بصدد الموقف المعلن من قبله ضد اسرائيل ومن وراءها من القوى العظمى ويتباكى عندما يتحدث عن مأساة الشعب السوري المسلم
وكان يرسم الخطوط الحمراء، كلما أوغل نظام الأسد في حربه على الشعب السوري، فإنه يستقبل بحفاوةٍ لا مثيل لها في تاريخ تركيا بوتين الذي لم يدع مدينة للمسلمين السوريين إلاّ وقصفها ودمرها تدميراً، وهو الذي أعاق عدة مراتٍ متتالية اتخاذ أي قرارٍ بمعاقبة نظام الأسد في مجلس الأمن الدولي من خلال ممارسته حق الفيتو ضد كل المشاريع الدولية لرد العدوان عن الشعب السوري ولتحقيق سلامٍ دائم في سوريا. ولا يكتفي السيد أردوغان بالتحالف مع بوتين وإنما يشتري منه الأسلحة والصواريخ الخطيرة ويتحالف معه تحت ذريعة “اتفاق الدول الضامنة للسلام في سوريا”.
ومن جهةٍ أخرى، فإن السيد أردوغان يعانق ويقبّل السيد روحاني الذي وقف منذ بدء الثورة السورية مع نظام الأسد في تنفيذ مسلسل الإجرام الكبير ضد الشعب السوري، إذ بدون إيران ما كان الأسد ليصمد أسبوعين أمام ضربات الثورة الشعبية، حسب اعتراف القادة الإيرانيين، وها هو السيد أردوغان الذي يعلم جيداً بأن ملالي الشيعة ينتهكون بتصريحاتهم معظم معتقدات المسلمين السنة، ويشتمون نساء الرسول (ص) وصحابته في حسينياتهم وفي إعلامهم، يتحالف مع السيد حسن روحاني الذي تم في ظل عمامته البيضاء إعدام المئات، إن لم نقل الآلاف، من الشباب المسلم السني من البلوج والعرب والكورد، وأي تحالف؟ إنه للوقوف في وجه الدول الغربية العاملة على تغيير نظام الأسد الفاقد شرعيته حسب أقوال السيد أردوغان نفسه.
إضافةً إلى هذا، فإن السيد اردوغان قد اعتقل وسجن أكثر من 100 ألف من مواطني بلاده بتهمة المساهمة في انقلابٍ عسكري، من جنرالات الجيش وقضاة المحاكم ومعلمي المدارس والمحامين والموظفين والنساء والكثير من الصحافيين المرموقين، فأي انقلابٍ في العالم ساهم فيها عشرات الألوف من المواطنين؟
كان من أهم نقاط البرنامج الانتخابي للسيد أردوغان هو “حل القضية الكوردية سلمياً”، فهل تحقق شيءٌ من هذا البرنامج؟ سوى اعتقال نواب حزب الشعوب الديموقراطية وتدمير مدن كوردية مثل نصيبين على رؤوس مواطنيها الكورد؟ وماذا عن عفرين الكوردية؟ فلماذا لم يطلب من الحكومة السورية تطهير المنطقة بنفسها من “إرهاب” الكورد، في حين يطلب ذلك من الحكومة العراقية؟ وهل سيتجرأ جيشه على التدخل في شرق كوردستان (كوردستان إيران) التي فيها تواجد واضح أيضاً لأنصار حزب العمال الكوردستاني؟ ولماذا لم يتدخل الجيش التركي في سوريا رغم مرور سبع سنوات تعرّض فيها الشعب السوري إلى شتى أنواع المآسي والجرائم ضد الانسانية، ولكنه سارع إلى احتلال عفرين بالسرعة القصوى بمجرد سماعه أن الأمريكان يريدون تشكيل قوة “حرس حدود” غالبيتها من الكورد الذين قاتلوا معهم ببسالة ضد تنظيم الدولة وحرروا مدناً وأراضٍ واسعة منها مدينة الرقة عاصمة الخلافة الخيالية؟ ألا يدل هذا على أن الهدف الأكبر لتركيا أردوغان هو القضاء على أي طموح قومي كوردي على أرض آباء الكورد وأجدادهم وليس الدفاع عن الشعب السوري المذبوح؟ رغم أن الأتراك جاؤوا إلى هذه البلاد من صحارى آسيا ليغزوا بلاد الاغريق والأرمن والكورد والعرب والبلغار؟ وليظهروا الكوردي الذي جزّأ المستعمرون وطنه كمعتدٍ وإرهابي؟ فهل يمكن بعد هذا التحدث عن الديموقراطية وحقوق الإنسان في تركيا؟
قد يعتقد السيد أردوغان بأن شعوب بلاده من ترك وكورد وعرب وأقليات جاهلة لا تدري إلى أين يقود سفينتها، ولكن في الحقيقة يعلم المثقفون والإعلاميون والسياسيون أن السيد أردوغان يقود البلاد إلى مستقبلٍ مجهول ومنزلقٍ خطير، فعلاقات تركيا مع الحلفاء القدامى منهارة، ومنهم الولايات المتحدة الأمريكية التي ستلقن الجيش التركي درساً قاسياً فيما إذا حاول الهجوم على وحداتها الصغيرة المنتشرة في مدينة منتج السورية وما حولها، وفرنسا التي أبدى رئيسها ماكرن موقفاً متشدداً من ساسيات وتصرفات السيد أردوغان الذي لن يلقى دولةً أوروبية واحدة ترحّب به بعد استهتاره وتهكمه بالمستشارة الألمانية واتهامه للاتحاد الأوربي بأنه داعم للإرهاب ضد تركيا، واليونان مع قبرص مستعدان لخوض الحرب من أجل حقوقهما في استخراج الغاز من البحر الأبيض المتوسط، وثمة دول عديدة أخرى انهارت علاقاتها مع تركيا السيد أردوغان، منها سوريا ومصر واسرائيل وأرمينيا، أي أن تركيا تقترب من دائرة العزلة التي أدخلها رئيسها بلاده فيها، فهل هذا مفيدٌ لتركيا أم مضرّ بها؟
العملة التركية تفقد من قيمتها يوماً بعد يوم، والاستثمارات التركية في دول الاتحاد الأوروبي في تقلّص شديد، والبنوك العالمية تضيّق الخناق على أنقره، والسياحة في تراجعً كبير، والتذمر الشعبي في الداخل يزداد بسبب سياسة التطلّع لاقامة السلطنة من جديد، وبخاصة بين الأقليات الدينية، والقضية الكوردية لم تحلّ، والجارتان سوريا والعراق لاتنفكان تشكوان من التدخل التركي في أراضيهما، وذريعة “إرهاب” الكورد غير مقعنة لأن الكورد هم سن الحربة العالمية ضد الإرهاب التكفيري في المنطقة، والنقد الإعلامي في العديد من الدول العربية والعالمية لمجمل سياسة السيد أردوغان في صعودٍ وانتشار، وغزو عفرين يلقى من إيران رفضاً لأن إيران تعلم علم اليقين أن تركيا تنوي ضم هذه المنطقة الثرية زراعياً إلى أراضيها مثلما فعلت من قبل بلواء اسكندرون (هاتاي)، وروسيا لن تتخلى عن مصالحها وصداقتها مع اليمين الاسرائيلي من أجل عيون السيد أردوغان، ولن تساعده في الترقي إلى مرتبة السلطان لأن لروسيا تجربة طويلة المدى مع السلطنة العثمانية سابقاً، وسوريا ستطالب ببقاء “ولاية عفرين” تابعة لسوريا، في حال وصول المعارضة إلى الحكم، بل إن نظام الأسد لن يسكت عن اقتطاع “جزء من الأرض السورية” في الوقت الذي يزعم السيد أردوغان أن غزوه لعفرين كان لمنع تقسيم سوريا، وسيدعم النظام رغم ضعفه الكورد الموالين له للقيام بعمليات قتالية ضد الوجود التركي…
ثمة من يقول بأن أمريكا أوقعت السيد أردوغان في فخٍ منصوب بذكاء، فها هو يحسب ألف حساب قبل الإقدام على إرسال قواته صوب منبج، إذ هناك الآن قوات فرنسية أيضاً والبريطانيون متواجدون ضمن قوات التحالف الدولي، والعراق يشدد على ترك منطقة شنكال (سنجار) لأهلها الكورد اليزيديين، وكل المساحات التي أمام أنقره أصبحت حقول ألغام… فما العمل؟
أعتقد أن الحكومة التركية ستقوم بإرسال وفود عديدة لإرضاء الاتحاد الأوروبي، إذ أن كل الدروب تؤدي إلى باب هذا الاتحاد الذي بات طرقه من قبل الأتراك شبه مستحيل، بل إن غاية كل سياسات السيد أردوغان هي الضغط من أجل أن يُفتَح له باب الانضمام إلى “النادي الصليبي- حسب تعبير الزعيم الراحل نجم الدين أربكان”، وستبتاع أنقره من الولايات المتحدة صواريخاً أعظم وأغلى وأقوى من الصواريخ الروسية المعروضة من قبل روسيا عليها، وستطالب بإدارة مشتركة بينها وبين فرنسا والولايات المتحدة في غرب الفرات، وستسعى لإقامة علاقاتٍ بوساطة إيرانية – روسية مع نظام الأسد، فالتقلبات السريعة من سمات العهد الأردوغاني، ولن ينفع أنقره قرع رئيسها المستمر على طبول الحرب واستخدام لغة التهديد والوعيد واللجوء إلى سلاح الاهانات والاستخفاف بالدول وقادتها، وبخاصة تلك القوية منها.
أما كوردياً، فلا بد أن يخطو السيد أردوغان خطوةً إلى الوراء ولو مؤقتاً، خوفاً على الأصوات الانتخابية الكوردية الكثيرة لحزبه، حزب العدالة والتنمية، في الانتخابات القادمة، بدءاً بالتواصل مع قيادة اقليم جنوب كوردستان المضطرّة اقتصادياً واستراتيجياً لخفض جناحيها، لكل من تركيا وايران، في هذه المرحلة على الأقل، إلاّ أن الكورد لن يلدغوا من جحرٍ مرتين، بعد أن صدمهم السيد أردوغان والسيد روحاني في موضوع الاستفتاء الديموقراطي على الاستقلال أو عدمه.
أي يمكن القول بأن مسيرة السيد أردوغان ستنتهي كمسيرة أي زعيم تركي آخر، نجاحات سياسية أو اقتصادية مثل الزعيم الراحل تورغوت أوزال، ثم التحدث عن أحلام الدولة الكبيرة، ثم الانزلاق والسقوط في نهاية الأمر… لأن تركيا التي تنمو اقتصادياً بحكم حيوية أسواقها وانتاجها لن تقبل بأن يفرض عليها زعيم حزبٍ أو رئيس دولة مهما كان قوياً أحلامه اللذيذة كأهداف قابلة التحقيق، كما يحلم السيد أردوغان بمد دولة الإخوان المسلمين على سائر العالم الإسلامي وفي طليعتها العصبة الطورانية التي تؤمن بأنها من نسل “الذئبة الرمادية”، وحقيقةً فإن الإخوان المسلمين يعتقدون بأن هذا السيد ليس إلاّ غلاماً لهم يسخرونه لهذه المرحلة ثم يتجاوزونه، ويبدو أن الطرفين “طلاب السلطنة العثمانية” و “الإخوان المسلمون” يجيدون الضحك على ذقون بعضهما كما تقول العرب.
05 نيسان، 2018
facebook:kurdax.net kurdaxi@live.com