الأمازيغي: يوسف بويحيى
لا يخلو تصريح الرئيس “ترامب” من النفاق الأمريكي المتوارث سياسيا ،علما أن مايقال على اللسان غالبا يخالف ما يعمل به على أرض الواقع ،حيث كان لهذا القرار صدى كبير في الساحة العالمية و السورية و الشرق الأوسطي بشكل خاص ،علما أنه تصريح كان غير متوقع إستنادا إلى قراءة الواقع و الظروف و التطورات التي عرفتها المعادلة السياسية القائمة في المنطقة بين قطبي العالم الروسي_الصيني و الأمريكي.
هنا لن أحكم بالجزم بعدم الإنسحاب ،لكن لنفترض أن الإنسحاب رهن التطبيق ،هل يظن السوريون أن امريكا في ظل هذا التنافس الشرس الذي يهدد مصالحها و وجودها و هيمنتها العالمية ستخرج بطعم الخسارة في نظر المحللين و الخبراء؟! ،الإجابة أن الإنسحاب الأمريكي لن يكون إلا بنفس طريقة إخماد داعش بشكل مؤقت في المنطقة بعد أن تحول الصراع السوري من العسكرة إلى التسوية ،لهذا فالإنسحاب لن يكون إلا خطوة لطبخة جديدة تم تدبيرها بشكل منظم و دقيق ستكشفها الأيام القادمة بعد أن إخترق الأطراف إتفاقيات السلام من جديد.
إنسحاب القوات الأمريكية سيترتب بعدها تعويضها بقوات عسكرية حليفة لها ،والأرجح قد تكون قوات فرنسية ،علما ان المنطقة تعرف تواجد قوات دانماركية و اروبية متعددة بدعم التحالف الدولي بدريعة مكافحة الإرهاب ،من وراء هذا أمريكا قد تنهج سياسة الحروب بالوكالة من جديد في حالة تم الإنسحاب بشكل جاد ،كل هذا لن يغير أي شيء في مشروع امريكا الذي تعمل من أجله لقرن من الزمن ،إنسحابها الشكلي لن يختلف أبدا عن إنساحبها من العراق و أفغانستان سابقا ،علما أنها التي مازالت تتحكم في مصادر الطاقة في الدول المذكورة إلى اليوم.
ما يلفث الإنتباه من هذه الحرب النفسية هو الإجتماع الطارئ لروسيا و تركيا ما يثبت ان هناك شيء خفي وراء تصريح “ترامب” ،قد تكون مؤشرات قرع أبواب الحرب و السباق إلى التسلح و التحشد مع الحلفاء كما فعلت أمريكا قبل أيام ،أضف إلى ذلك زيارات العاهل السعودي “محمد بن سلمان” لفرنسا و أمريكا و عقد صفقات خيالية في السلاح و القواعد العسكرية و تمويل المشروع الأمريكي في الشرق الأوسط ،زيادة إلى مطالبة السعودية أمريكا بتحويل قواعدها العسكرية من قطر و تركيا إليها و إلى اليونان و ألمانيا…،علما ان هذا المطلب كان ضمن دراسة و تخطيط و إهتمام البيت الأمريكي قبلا.
أمريكا قد تنسحب لكن ماذا بعد الإنسحاب ،الجواب انها ستعود بقوة و بفرض أمر الواقع ،لكن كيف؟ ،بوجهها أم بقناع آخر؟ ،الحقيقة أنها ستنهج إعادة تنظيم جديد كداعش بنسخته الثانية و إعادة تشكيله بدعم منها و حلفائها العرب السنة و الأروبيين ،منه سترسم مخططها تحت مظلة التحالف الدولي ،مع العلم أن كل من تركيا و إيران مستهدفتان بشكل كبير لإضعاف روسيا و قصقصة أجنحتها ،أو قد تتم التسوية بين امريكا و روسيا شريطة أن تسحب روسيا البساط من تحت إيران و تركيا كما فعلت في العراق و أفغانستان…
التكتيكات الأمريكية الحالية نجحت في إستدراج تركيا شيئا فشيئا إلى العمق السوري قصد توريطها مع إيران في حرب طائفية ذات تراكم تاريخي عرقي أسود ،وهذا ما تريده أيضا روسيا بشكل غير مباشر ،لكنه منسق و بديهي إعتمادا على مضامين مؤامرات و إتفاقيات أمريكية روسية إسرائيلية أروبية سرية أهمها “مخطط برنارد لويس” ،الحقيقة أن كل منهم لن يسمحوا أبدا بالتوسع التركي و الفارسي و العربي و الإسلامي بشكل عام ،نشوب الصراع الإيراني و التركي بمثابة ضربة قوية لدول الشرق بقيادة الصين خاصة ،علما ان روسيا تتوافق مع أمريكا في سياستها الخارجية كثيرا ،وتلعب على أكثر من وتر في لعبتها السياسية و العسكرية ،تجربة ليبيا و العراق و مهاباد و فيتنام خير مثال.
في ظل هذه الحرب الكلامية و التصريحات و نفيها بين فينة و أخرى ،ماذا عن محل إعراب الكورد فيما هو آتي في المنطقة؟؟ ،إن الأرجح بالإستناد إلى الواقع الملموس أن أمريكا قد تتخلى على الكورد دون تخليها عن مناطق نفودها ،لكن لماذا و كيف؟؟ ،القليل من سيلاحظ نقطة مهمة جدا في الساحة السورية في الآونة الأخيرة ،وهي أن امريكا بذاتها أخيرا تحارب الكورد الشيوعيين و أخص بالذكر pkk و pyd لأسباب فكرية متعارضة مع الفكر الليبرالي الرأسمالي ،زيادة إلى عدم الثقة بها لإرتباط هاته القوى الكوردية مع إيران بشكل سري ،صرحت و لمحت أمريكا بهذا اكثر من مرة قائلة “دعمنا لقوات pyd دعم مؤقت و مرحلي و ليس حليف إستراتيجي” ،زيادة إلى نصيحة وزير الخارجية الفرنسية “كوشنر” لقادة pyd قائلا لهم “إن لم تضعوا يدكم بيد البارزاني فستخسرون كل شيء” وهذا ما حدث إبتداءا من عفرين و القادم مجهول.
الحل الوحيد و الأوحد بالنسبة لمنظومة pyd و pkk هو إعادة النظر في مشروعهم الغير الواضح المعالم و تغيير إديولوجيتهم الفكرية و مشروعهم الأممي الشيوعي قصد كسب ثقة امريكا و الغرب ،بالإضافة إلى فك الإرتباط مع إيران بشكل كلي كونها نقطة سوداء في نظرهم ،هذا التغيير ضروري بالنسبة لقادة pyd و pkk كونه حتمية و ضرورة لحماية ما تبقى من كوردستان روجاڤا و الشعب الكوردي ،مسار طريق قادة pyd و pkk مجهول و مسدود إذا بقوا على هذا النهج و الفكر الضعيف الذي لا يجد صداه حتى من الأنظمة الإقليمية ,فما باله بالعالم الراسمالي الضخم الذي لا يمكن أبدا تخطي سياسته العنكبوثية و خصوصا في الشرق الأوسط.
أمريكا قد تشكل قوة جديدة بدعم عربي سني و اروبي تتوافق معها فكريا و عمليا و سياسيا في المنطقة ،علما أن هذا المخطط طرح أكثر من مرة من طرف البنتاغون قبلا ،الغرض منه هو التخلص و إقصاء القوى المتعارضة شكلا و مضمونا مع أمريكا الرأسمالية ،من بينها قوات الكورد المتشبتة بفلسفة pyd و pkk الشيوعية ،هذا لا يعني أبدا أن أمريكا ستتخلى على الكورد بشكل نهائي بل فقط عملية إنتقاء ،هذا ما يفتح الأبواب لأمريكا في التفكير بشكل إضطراري في إعادة البيشمركة إلى كوردستان روجاڤا و تنسيقها مع باقي القوى برعاية التحالف الدولي.
تصريحات “ترامب” بالإنسحاب ماهي إلا بداية لحرب جديدة تستهدف كل الأطراف المتحالفة مع النظام ،زيادة إلى العمل على إعادة ترتيب صفوف داعش من جديد أكثر حزما من الأولى ،ستستهدف مناطق سيطرة النظام و إيران و روسيا ،كما سترمي أمريكا الكرة إلى تركيا في الملعب السوري قصد إستنزافها و إضعافها إقتصاديا ،كما سينعكس هذا بالإيجاب لصالح الدول الصناعية في إزدهار و تجارة السلاح ،بعدها سيتم التخلص من تركيا و إيران خارج سوريا و البقاء للقطبين العالميين الأمريكي و الروسي.