كلمة في وداع الشيخ عبدالقادر الخزنوي

 ابراهيم اليوسف
 
أيها الأخوة والأخوات الأعزاء المفجوعون
برحيل قامة نضالية عالية كقامة أبي مصلح…
السلام عليكم ورحمة الله
ها قد عاد المربي الشيخ والكاتب والإنسان الشيخ عبدالقادرالخزنوي نجل العلامة الشيخ محمد معصوم الخزنوي رحمهما الله إلى مكانه، بعد أن اضطر تحت وطأة ما تمر به بلاده ووطنه من ظروف صعبة، وكانت رأسه مطلوبة في أكثر من محطة كما تعلمون، نتيجة آرائه، وذلك من قبل أكثر من جهة، لاسيما وإنكم رأيتم وتابعتم ماحل بعنوانه الروحي: تل معروف. مسقط ذكرياته الأول من حال، إثر تعرضها للغزو الداعشي، وكانت قريته تدفع  بذلك ثمناً غالياً، لأنها أحد العناوين التي دعت للإخاء، والإنسانية، والانفتاح على الآخر، وإلغاء الحدود بين المرء وأخيه، وهو ما أصرت عليه أسرة الراحل، وفق رؤاها، ما جعل أبناءها يكتسبون ثقة محيطهم المكاني، وعلى مستوى البلاد، أو الوطن، وهوما استدرَّ  على الأسرة نقمة كبرى في المقابل، أدت إلى نهب وسلب ممتلكاتها، بل تفجير مراقد راحليها في أحد أكبر الانتهاكات التي تمت وتتم، ضد الراحلين، الوازنين لدينا.
لست داعية…..
ولم ولن أصلح يوماً ما لذلك
لكنني حسبي أقرأ المكان كما رأيته في صورته الناصعة قبل أن يتعرض لغبش عابرهنا أو هناك
إذ إنني-هنا- بصدد التحدث عن مناهل ومنابع إنسانية روح شقيقي، وأخي، وصديقي  الشيخ عبدالقادرالخزنوي الذي عاشرته عن قرب، عبر سنوات طويلة، فوجدت فيه ذلك الإنسان ذي القلب الطيب. النبيل. المحب لفعل الخير. المحب للناس. الحاني. الصادق. الأمين. وقبل كل شيء: الشجاع. الجريء. الرافض للذل. المتفاني من أجل إنسانه الذي وقع عليه الظلم التاريخي، ولايزال أثر ذلك يلاحقه عاصمة عاصمة، لا فرق هنا بين بلد إسلامي أو سواه، طالما أن جميعهم تآمر ولايزال يواصل تآمره عليه.
ما جعلني قريباً من الشيخ عبدالقادر. ما جعلني أتخيره. أدأب على صداقتنا وعلاقتنا هو هذه الصفات وغيرها، ولربما قبل كل ذلك لأنه كان ممن يميزون الخيط الأبيض من الأسود، بل فعل ذلك- بجدارة- عندما أحب شعبه. أهله الكرد، من دون التخلي عن رؤاه الإنسانية، وعمل ما بوسعه لأجلهم، واستمرَّ على ذلك حتى اللحظة الأخيرة لأنهم أبناء شعب مظلوم عبر التاريخ، وما اسما الثنائي سايكس وبيكو وما العدوان على كركوك وعلى عفرين إلا بعض تجليات ذلك، للأسف
عملت والشيخ الخزنوي-عن قرب- في منظمة حقوق الإنسان في سوريا-ماف التي كان أحد أعمدتها، وكانت أداته الرئيسة لذلك مبدئيته ورفضه لاستغلال الإنسان لأخيه الإنسان، وحب الفقراء، والمظلومين، وسعيه الدؤوب لمنع وقوع الانتهاكات، وإن كانت السياسة تتدخل لديه مع ثقافة حقوق الإنسان، وذلك لأنه منذ يفاعته. منذ طفولته لم يبق أسير تكية أبيه، وجده، المفتوحة أصلاً على الجميع، وإن ظل يعتز بها. بوجها الناصع الذي أسسها جده الشيخ أحمد الخزنوي وسار عليها والده وعمومته رحم الله الراحلين منهم، وحفظ  عمه الشيخ عبدالغني الذي يواجه المرض في تركيا بعد أن غادر الوطن، مكرهاً، شأن سواه من أسرة الخزنوي التي فرغت قريتهم من ذويها عبر المحطات الأخيرة التي تمت، لأنها كانت أول قرية مستهدفة، بل إن ذويه كانوا أول أسرة مستهدفة، بكل أفرادها، من قبل الإرهاب العابر، وهو تنظيم داعش الإرهابي، ومن يمثل ثقافته بهذا الشكل أو ذاك.
وحين أشير إلى تل معروف. إلى الشيخ عبدالقادر، فإن لي حصة روحية في هذا المكان، كما في خزنة، لأنها حصة ثمنها حياة أكثر من جيل في أسرتي، ناهيك عن أن قرية”تل معروف” سماها جدي الشيخ إبراهيم الكرصواري، بنفسه، بعد أن حصل عليها لشيخه، وهو خليفته الأول، وبتفان، من دون أن يفكر بتأمين سنتمتر من الأرض لنفسه، ولأسرته، بل ترك حتى أرضه، في سبيل قناعاته. هذا هو الوفاء الذي تميز به جدنا، وسار عليه كثيرون من أسرتي، وأترجمه بطريقتي لمن أراه يستحق ذلك، وإن وفق شروطي الخاصة.
ثمة سر سأدلي به هنا: لقد قال لي قبل أربعة أشهر
يجب أن أعود إلى قامشلي
التي اشتاق إليها إلى أهلها. إلى ذويها. إلى أناسها. إلى بشرها وترابها وحجرها وشجرها إن كان هناك ثمة بقايا شجر، وكان لي هنا رأيي. وعلمت، في ما بعد، أنه أسر لغيري من أصدقائنا المشتركين، فقالوا له ما قلت، وكان بيننا حوار ما بهذا الصدد.
سلاماً لأرض الجزيرة أرض آبائنا وأجدادنا التي تحتضن الشيخ الآن….
سلاماً لأهلها الطيبين على مختلف لغاتهم، وأديانهم، وانتماءاتهم، وأهوائهم، ورؤاهم
لن أطيل عليكم. إنني أتقدم إليكم بالعزاء واحداً واحداً. أنتم الذين تجشمتم عناء تشييع جنازة الشيخ إلى مثواها الأخير، أعني هؤلاء الذين آلمهم رحيل الشيخ. هؤلاء الذين حزنوا عليه منذ أن سمعوا بتعرضه لأزمته الصحية. أعني هؤلاء الذين صدموا بنبأ رحيله وجاؤوا إما ليلقوا عليه النظرة الأخيرة قبيل احتضان جسده الطاهر للتراب، أو ليعبروا عن ألمهم وحزنهم بهذا المصاب الكبير. مصاب رحيل عالم. رحيل مثقف. رحيل بيشمركي. رحيل إنسان وطني سوري.  مواطن عالمي، لا ينسى خصوصيته، بل يدافع عنها. رحيل امرىء كردستاني وقور ومبدئي. رحيل مسلم فهم الإسلام الحقيقي، لا المزيف وما أكثره!. رحيل إنسان بسيط. رحيل كاتب ومدافع عن حقوق الإنسان. رحيل مرب تعلم على يديه على امتداد عقود آلاف المثقفين
تعازي لكم واحداً واحداً
تعازي لأسرة صديقي النبيل أبي مصلح
عزائي لكل أبناء بلده ووطنه وشعبه
والسلام عليكم ورحمة الله….
ألمانيا- إيسن
30-3-2018

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لقطات من المسافة صفر: يقف عند باب منزله في الشيخ مقصود، ذات صباح أسود، وهو يحدق في الجدران التي شهدت تفاصيل حياته. على هذا الحائط علّق صورة عائلته الصغيرة، وعلى ذاك الركن كانت أول خطوات طفله. كل شيء هنا يروي حكاية وجوده، لكن اللحظة الآن تعني الفقد. جمع بضع” حاجيات” في حقيبة مهترئة، نظراته ممتلئة بالحزن، وكأنها تقول…

عبدالرحمن كلو يبدو أن منطقة الشرق الأوسط أمام معادلة توازنية جديدة وخارطة علاقات أساسها أنقاض المشروع الشيعي العقائدي المهزوم. ويمكن تسمية المرحلة على أنها مرحلة ما بعد هزيمة دولة ولاية الفقيه. فحرب غزة التي أشعلتها إيران نيرانها أشعلت المنطقة برمتها، ولم تنتهِ بصفقة أو صفقات كما توقع البعض، إذ خابت كل التوقعات والمراهنات بما في ذلك مراهنات البيت…

قهرمان مرعان آغا تقع موصل على خط العرض 36.35 على إمتداد إحداثيات موقع حلب 36.20 بالنسبة للحدود السياسية التركية جنوباً ، والنظر إلى الخريطة تفيد إنها تقع على خط نظري واحد و تعتبر تركيا هذه المساحات مجالها الحيوي منذ تشكلها كدولة إشكالية سواء من حيث الجغرافيا أو السكان وتتذرع بحماية بأمنها القومي و ضرورة رسم منطقة آمنة لها ، لكنها…

إبراهيم اليوسف إلى أين نحن ذاهبون؟ في الحرب الغامضة! ها نحن نقف على حافة التحول المباغت أو داخل لجته، في عالم يغمره الغموض والخداع، في مواجهة أحداث تُحاك خيوطها في غرف مغلقة لا يدخلها إلا قلة قليلة. هذا الزمن، بملامحه الغامضة، رغم توافر أسباب وضوح حبة الرمل في قيعان البحار، ما يجعلنا شهودًا على مأساة متكررة…