الأستاذ فوزي الأتروشي … غلطة الشاطر

 محمد شمس الدين البريفكاني
 

قبل أيام وكعادتي كنت أتابع الأخبار والمقالات على بعض مواقع شبكة الإنترنيت شاهدت مقالا حول إعدام بناز محمود في لندن للأستاذ فوزي الأتروشي على موقع شقلاوا وربما نشر المقال على مواقع أخرى.

سارعت الى قراءة المقال لأن الأستاذ أتروشي هو موضع إحترامي وتقديري الدائم بالرغم من عدم تشرفي بمعرفته الشخصية، لكني أعرفه جيدا من خلال بعض مقابلاته التلفزيونية والتي توقفت مؤخرا، وأيضا من خلال مقالاته الجميلة التي أقرأها بإستمرارلأني كنت أجد فيها روحا ونبضا كرديا صادقا، وإرتباطا حميما بكردستان التي أحبها وأعشقها لحد الغيرة، هذا بالإضافة الى ثقافة الأستاذ فوزي الواسعة وإسلوبه الجميل في الكتاية.
لكني أصبت بذهول شديد وأنا أقرأ مقاله هذا، فلو لم أجد إسمه على المقال لتصورت على الفور وبدون تردد بأن كاتب المقال ما هو إلا شخص يكن للكرد وكردستان الكثير من الحقد والكراهية.
فقد تهجم على الرجل الكردي في كردستان والمغترب في أوربا، وبشكل عام دون إستثناء واصفا إياه بكلمات قاسية وعبارات جارحة ومطلقا عليه من الصفات ما هي بعيدة كل البعد عما يتصف بها الإنسان الكردي بشكل عام.

ربما يوجد على أرض كردستان أناس ينطبق عليهم وصف الأستاذ فوزي لكن نسبتهم أقل مما هي موجودة في الكثير من المجتمعات المتطورة.
أتفق مع الأستاذ في الكثير مما ذهب اليه من وجود حالات كثيرة من التخلف وإنتهاكات لحقوق المرأة وإنسانيتها، وأتفق معه أيضا كما قال بأن الرجل أحيانا لايعادل ذرة من عقلها وثقافتها ونقائها وشرفها وشخصيتها، فالمرأة إنسان متكامل لايختلف عن الرجل في شئ، وأيضا وجود حالات من الفساد سواء كانت إدارية أم قضائية أم حتى سياسية، لكن ما لا أوافقه عليه هو أن يعمم هذه الحالات ويجعلها سببا أو ثغرة للتهجم على الإنسان الكردي والحكومة الكردية التي تعمل ليل نهار لتشخيص هذه الحالات والقضاء عليها.

وأيضا لاأتفق معه مطلقا بقوله إن القانون في كردستان مثقوب والقضاء ينام ويتثاءب طوال الوقت، وهو يعلم أكثر مني بأن القضاء في كردستان عادل وإن القانون فوق الجميع كما أكد ويؤكد دائما الرئيس مسعود برزاني.

بالإضافة الى أننا نعلم جميعا بأن القضاء الكردي ولد ونشأ في خضم التفاعلاات والصراعات العشائرية والقبلية ولم يرى طريقه الحقيقي الى النور والجدية إلا في السنوات الأخيرة، وليس من الإنصاف أن نقارنه بالقضاء البريطاني العريق .
وكمثال مصغر أعرف أخوين شقيقين هاجرا الى السويد في منتصف التسعينات أحدهما مهندس زراعي والآخر ميكانيكي سيارات وهما من ناحية أتروش التابعة لقضاء شيخان، أي من عشيرة الأستاذ فوزي الأتروشي ربما من أقربائه، أحبت إبنة الميكانيكي رجلا أوربيا فما كان من الأخوين إلا أن إتفقا على إعادتها الى كردستان وقتلها هناك، وفعلا عاد بها الأب الى دهوك وقتلها بإطلاق النار عليها من مسدس إشتراه لذلك الغرض، فألقت السلطات الكردية القبض على الأب وحسب القانون الذي يتهمه الأستاذ أتروشي بالمثقوب والنوم حكم عليه بالسجن ولا زال يقضي فترة عقوبته في أحد سجون كردستان، كما تم إشعار السلطات السويدية بأن العم أيضا كان مشاركا في التخطيط للجريمة فإعتقل هناك وهو أيضا يقضي عقوبته في أحد السجون السويدية! فهل يجوز أو يحق لأي كان أن يتهم الرجل الأتروشي بصفات سيئة؟ في الوقت الذي نعلم جميعا بأن الرجل الأتروشي ليس فقط هذين الرجلين بل هنال مئات بل بضعة آلاف من الأخوة الأتروشيين منهم أناس عاديون ومثقفون وسياسيون ومناضلون أصحاب شهامة وقيم ويتمتعون بأخلاق عالية.
لقد قال الأستاذ فوزي الأتروشي بالحرف الواحد:
إن قتل الفتاة الكردية بناز في لندن وبهذه الطريقة البشعة هو نتاج ثقافة متخلفة وقصور عقلي وإنحدار نفسي وإنحطاط خلقي لدى الرجل الكردي، صاحب العقلية المشروخة الذي يدور في أوربا محملا بعار قتل آلاف النساء الكرديات، ويرى بأن هذه الحادثة ستكون بداية لنظرة أخرى الى التواجد الكردي في بريطانيا، وكأن الأكراد في أوربا وبريطانيا تحديدا ماهم إلا جراثيم أو فايروسات يجب التخلص منهم، أو شلة من القوى الظلامية الإرهابية يجب مراقبتهم وإعادة النظر في تواجدهم،
علما بأن تقارير جميع المنظمات التي تعني بشؤون اللاجئين في أوربا تشير بأن اللاجيئين الأكراد هم من أفضل الجاليات وأقلها مشاكلا وأكثرها إندماجا مع المجتمعات التي يعيشون فيها، وفي بريطانيا بالذات حيث يعيش آلاف الأكراد أقام السيد رئيس بلدية لندن بمناسبة عيد نوروز في شهر آذار الفاءت في مكتبه حفل إستقبال كبير لأبناء الجالية الكردية وإحتفل معهم على أنغام الموسيقى الكردية، وقال بأن الجالية الكردية في إنكلترا ساهمت بشكل فعال في إغناء ثقافتنا من خلال ثقافتهم وتراثهم وفولكلورهم الجميل، ووعد بأن يقيم حفلا كبيرا بمناسبة نوروز في السنة القادمة في أكبر ساحات لندن { ساحة الطرف الأغر } ولا ننسى بأن هناك مئات الآلاف من المغتربين الكرد في أوربا يعملون ويدرسون ومنهم المثقفين والكتاب كالأستاذ الأتروشي، يقدمون خدمات جليلة لكردستان وأيضا للبلدان التي يعيشون فيها، فهل الجميع يحملون هذا العار ويكتسبون هذه الصفات؟
نعم إن الذين إرتكبوا هذه الجريمة البشعة، كذلك قتلة الفتاة دعاء في بعشيقة وحالات أخرى مماثلة حدثت في مناطق مختلفة في كردستان هم شلة من المجرمين القتلة فاقدي الضمير والأخلاق وكل القيم البشرية والإنسانية، وهو عمل شرير ومدان من قبل كل كردي بل كل إنسان شريف، لكن هل يصح أن نعمم هذه الجريمة على كل أبناء الشعب الكردي؟ وهل يصح أن نصف الرجل الكردي في الداخل والخارج بالعار وبالإنحدار النفسي والإنحطاط الخلقي؟
اليس الرجل الكردي هو ذلك البيشمركة الذي حمل روحه على كفه عشرات السنين ليدافع عن أرضه ومن أجل حقوق شعبه الكردي وصبغ بدماءه الزكية سهول ووديان وجبال كردستان، وقدم روحه الطاهرة رخيصة من أجل أن تشرق شمس الحرية على وطننا الحبيب؟ أليس كل ما نحن فيه اليوم من الحياة الحرة الكريمة، وكل ما وصلت اليه كردستان من تطور وتقدم في كافة المجالات العلمية والثقافية والعمرانية وحتى السياسية والدبلوماسية، وكل ما نحضى به من إحترام دول العالم هو ثمرة
لتواصل نضال وتضحيات الرجل الكردي وعمله الدؤوب المتواصل ليل نهار لتحقيق المزيد من الأمان والتقدم والرفاهية لكردستان وشعبها؟
فهل من الإنصاف أن نطلق مثل هذه الصفات المشينة على الرجل الكردي تعميما وبدون إستثناء؟
لا أعتقد بأن أحدا من أبناء شعبنا الكردي يتفق مع الكاتب في وصفه للرجل الكردي، الذي يعلم هو بالذات وأفضل مني، ويعلم الجميع بأنه معروف لدى القاصي والداني، لدى العدو والصديق بشهامته وأخلاقه العالية وتمسكه الشديد بالقيم الإنسانية، وقد كتب الكثير من الكتاب والمؤرخين والمستشرقين الذين عاشوا فترات طويلة بين أحضان الشعب الكردي عن الصفات الحميدة والأخلاق الرفيعة التي يتميز بها الإنسان الكردي.
إن مقالي هذا لايقلل من إحترامي وتقديري الكبيرين للاستاذ العزيز فوزي الأتروشي وأتمنى أن التقيه يوما كصديق، وسأواصل البحث عن مقالاته التي استمتع كثيرا بقراءتها وأستفيد منها، فقط أتمنى عليه أن يحاول تشخيص الحالات السلبية ودراستها وتحليلها للوقوف على أسبابها بغية معالجتها والقضاء عليها، وليس إتخاذها وسيلة للهجوم والتشنيع الذي يضر ولا ينفع، وأن يساهم بقلمه وفكره وثقافته الواسعة في كتابة مقالات تربوية وتثقيفية تزرع في نفوس الشباب بذور الأنفتاح وتساهم في وضعهم على بداية الطريق الصحيح، طريق الحرية والديمقراطية وإحترام حقوق الإنسان خاصة المرأة ذلك المخلوق الجميل التي هي الأم والأخت والزوجة، وإن كان لايسمح لها كما يقول الأستاذ أتروشي حتى بزيارة بيت الله لغرض الحج فإن ذلك ليس ذنب الرجل الكردي بل تلك هي ثقافة الإسلام وشريعته التي دخلت الى مجتمعنا الكردي حبا أو كرها، وهو ما معمول به في كل الدول الإسلامية عربية كانت أم غير عربية.

أخيرا أقول للأستاذ أتروشي بأن غلطة الشاطر بألف، وأنا كما قال المسيح { الغيرة تأكلني على بيت أبي } أقول الغيرة تأكلني على وطني الحبيب كردستان.

 

المانيــــــا

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف من الخطة إلى الخيبة لا تزال ذاكرة الطفولة تحمل أصداء تلك العبارات الساخرة التي كان يطلقها بعض رجال القرية التي ولدت فيها، “تل أفندي”، عندما سمعت لأول مرة، في مجالسهم الحميمة، عن “الخطة الخمسية”. كنت حينها ابن العاشرة أو الحادية عشرة، وكانوا يتهكمون قائلين: “عيش يا كديش!”، في إشارة إلى عبثية الوعود الحكومية. بعد سنوات قليلة،…

سمير عطا الله ظهر عميد الكوميديا السورية دريد لحام في رسالة يعتذر فيها بإباء عن مسايرته للحكم السابق. كذلك فعل فنانون آخرون. وسارع عدد من النقاد إلى السخرية من «تكويع» الفنانين والنيل من كراماتهم. وفي ذلك ظلم كبير. ساعة نعرض برنامج عن صيدنايا وفرع فلسطين، وساعة نتهم الفنانين والكتّاب بالجبن و«التكويع»، أي التنكّر للماضي. فنانو سوريا مثل فناني الاتحاد السوفياتي،…

بوتان زيباري في صباح تملؤه رائحة البارود وصرخات الأرض المنهكة، تلتقي خيوط السياسة بنسيج الأزمات التي لا تنتهي، بينما تتسلل أيادٍ خفية تعبث بمصائر الشعوب خلف ستار كثيف من البيانات الأممية. يطل جير بيدرسن، المبعوث الأممي إلى سوريا، من نافذة التصريحات، يكرر ذات التحذيرات التي أصبحت أشبه بأصداء تتلاشى في صحراء متعطشة للسلام. كأن مهمته باتت مجرد تسجيل نقاط…

صلاح بدرالدين نحن في حراك ” بزاف ” أصحاب مشروع سياسي قومي ووطني في غاية الوضوح طرحناه للمناقشة منذ اكثر من تسعة أعوام ، وبناء على مخرجات اكثر من تسعين اجتماع للجان تنسيق الحراك، وأربعة لقاءات تشاورية افتراضية واسعة ، ومئات الاتصالات الفردية مع أصحاب الشأن ، تم تعديل المشروع لمرات أربعة ، وتقويم الوسائل ، والمبادرات نحو الأفضل ،…