هژار أوسكي زاخوراني
هناك الكثير من المبالغة فيما تروجه بعض وسائل الأعلام، حول تغير في العلاقات الأمريكية التركية ،ومن المهم هنا تسليط الأضواء على عدة نقاط تهمنا وتؤثر على الواقع الكردي حتما ،من منطلق أن الدولة التركية تعتبر سدا في وجه تطلعات شعبنا في كل جزء من أجزاء كردستان ،ولها القدرة حاليا على لعب أدوار فعالة ،فلابد من فهم الأرضية التي يستند عليها هذا الند القوي ،
وهناك حقيقة يجب أدراكها وهي بأنه لاتوجد أية تغيرات جوهرية في السياسات الأمريكية أو الأوروبية لا اليوم ولا البارحة ولا في الغدالقريب تجاه تركيا ، كل ما هنالك إنها عمليات شد الحبل بين المصالح الغربية والروسية وتوابعها ،وربما تضطر امريكا ولو قليلا شد أذن الأدارة التركية بين الحين والأخر، لتذكيرها بالوجود الأمريكي لاغير وبمصالحه ، ولانضحك على أنفسنا فتركيا لها من القوة مالها في نواح عدة سنذكر بعضها لفهم الوقائع بشكل أفضل
:من ناحية الجغرافيا والموقع الاستراتيجي فهي تمتد على مساحة حدود واسعة مع النقاط الساخنة في الشرق الأوسط ، وفيها من القواعد العسكرية الأمريكية ما فيها، وعضو في حلف الناتو منذ ١٩٥٢ وثاني جيش فيه من حيث القدرات الدفاعية ،وثالث عشر اقتصاد عالمي وخامس أقتصاد أوربي بناتج اجمالي ١،٥ترليون دولار وبتطور متسارع كل عام ،وجيشها يعتبر اقوى جيش في المنطقة وثامن أقوى جيش في العالم،و بميزانية سنوية ١٨ مليار دولار ،ودولة بحر متوسطيةبأسطول قوي منافس للأسطول الفرنسي ، و برزخ بين الدول الإسلامية و العلمانية و ترتبط بمصالح قوية مع دولة اسرائيل وهذا له الكثير من الأهمية،
فبحسب الأرقام الإسرائيلية، بلغت التجارة مع تركيا في عام 2014 وحده نحو 5.44 مليار دولار، وتتفق هذه الأرقام تقريباً مع الأرقام التركية المعلنة أيضاً،
اضافة الى نصف مليون سائح اسرائيلي سنويا يتجهون الى المنتجعات التركية ، هذا الى جانب ٢٥٠ شركة اسرائيلية تعمل في تركيا ، في حين وصل عدد الشركات التركية التي تعمل في اسرائيل الى ٥٨٠ شركة.
بعد معرفة الأمكانات التركية،ليس من سبيل الدعاية بل ليتوضح للمتابع إمكانات هذا اللاعب ،ومن جهة أخرى حيث تبزز لنا وخاصة في الأونة الأخيرة
أهمية العلاقات الروسية التركية في سوريا وخاصة في الشمال السوري ،رغم وجود العديد من القضايا الخلافية والمواقف المتباينة بين الدولتين الروسية والتركية ، من الأزمة الأوكرانية والجورجية، وصولاً للقضية القبرصية وقضية إقليم ناغورني كاراباخ، وصولاً للانقلاب في مصر، فإن الأزمة السورية وارتداداتها تتصدر مشهد العلاقات بينهما،
وكلنا يعلم بأن هذه العلاقة بين الدولتين تحسنت مع بداية القرن الواحد والعشرين بوصول بوتين للرئاسة في روسيا، ووصول حزب العدالة والتنمية للحكم في تركيا. مدفوعة بمصالح اقتصادية بالدرجة الأولى، طبقاً لعوامل القرب الجغرافي والاحتياجات المتبادلة،
وعندما جاءت الثورة السورية ، حاملة معها بذور الخلاف من جديد، ، واشتد الخلاف التركي السوري ووصل لمرحلة العداء الكامل والاتهامات المتبادلة
بقيت كل من روسيا وتركيا تتفهمان مصالح بعضهما البعض في سورية، فكلتا الدولتان قد تدخلت عسكرياً في الأراضي السورية مدفوعتان بمصالحهما الخاصة ، وسيبقى في المستقبل القريب على الأقل، تواجداً عسكرياً مستمراً لكلتا الدولتين ، رغم وجود تعارض في بعض المصالح، ولا غنى لهما عن بعضهما البعض، في استمرار التنسيق باعتبار روسيا الحليف الأول للنظام السوري وقادرة على التأثير عليه، مقابل قوة التأثير الكبيرة لتركيا على قوى المعارضة والتي تعيش في أحضانها،وقدرتها على فرض أجندة معينة عليها، بعد تصفية كل معارضة لاتخدم أجندتها،
لذلك ستعمل روسيا على الاستمرار في مسك الورقة الكردية كعامل ضغط ليس إلا، في التعامل مع أنقرة ، بهدف التأثير على مواقف تركيا ودفعها لتقديم تنازلات ضمن أي تسوية للأزمة، وهكذا
جاء أخيرا التنسيق المعلن واللامعلن بتفاهم وتبادل الأدوار لإنجاح المشروع الروسي ( السورية المفيدة ) ،وهنا وجدت تركيا ضالتها فسعى الروس
لارضاء تركيا بأطلاق يدها لتكسر أي حلم أقليم كردي في الشمال السوري حيث هاهنا أجتمعت مصالحها مع المصالح الأيرانية ،وتقاطعت وتمت عملية المبادلة بين عفرين والغوطة ،بتعاون سوري كردي بضرورة الحال،
وكل ما في العلن لايمثل الواقع الحقيقي للأسف
وما يهمنا في كل هذا الموضوع إنه ،سيكون لتركيا
كلمة في وضع أي حل للأزمة السورية ،وهذا لن ينصف الأكراد بطبيعة الحال إلا إذا توجهت أمريكا نحو أنشاء أقليم غني بالثروات يشمل الجزيرة السورية ،وستسعى عندها لأعادة الهيكلية الحزبية الكردية ، ولتكون أكثر تمثيلا
وبذلك تكون قد رسخت وجودها في تلك البقعة الأستراتيجية والغنية ،
وأخيراً تكمن نقطة الضعف الأساسية في الإدارة التركية في الدكتاتورية الحاكمة المتسترة خلف مؤسسات ديموقراطية، وأستحواذ حزب العدالة والتنمية على مفاصل الحكم ،وسعيه لتصدير الفكر الأخواني، وهذا ما يعول عليه كثيرا المحللون، بأنها قريبا ستفرز معارضات قوية وحتى ربما أنشقاقات في صفوف الحزب الحاكم ،وستكون منفذا لأضطرابات جمة، وهنا على الأكراد في تركيا تحضير استراتيجية واضحة للمستقبل ،وعدم ارتكاب نفس الاخطاء القديمة عندما كانت الأمبراطورية العثمانية على شفير الهاوية، وبطبيعة الحال هذا يحتاج إلى تنظيم سياسي قوي ذو قاعدة شعبية ومنهج واضح ،ومطالب منطقية ورؤية ضامنة لحقوق الكرد ومطمئنة للشعوب الجارة ،و أنتهاج العدالة في حياة هكذا حزب بالضرورة أمر ملح وحيوي .