للاستفادة من هزيمة عفرين!

جان كورد
لا ينكر أي منصفٍ في العالم أن الجيش التركي الذي هو ثاني جيوش حلف الناتو قد احتاج لمدة 58 يوماً حتى تمكن من الدخول إلى مدينة عفرين ويتقدمه ألوف المقاتلين المجربين من السوريين الذين أطلقوا على أنفسهم اسم “الجيش السوري الحر”، وثبت في الحرب على عفرين أن قسماً من أفراد وقادة هذا الجيش قد جاؤوا للانتقام من الشعب الكوردي ولممارسة أفظع وأشنع أعمال النهب والسلب والإذلال والإهانة على المواطنين العزّل، الذين اضطروا لترك منازلهم أو أرغموا من قبل المهاجمين على النزوح عنها، لتبدو القرى والمدن الكوردية مقفرةُ خاويةً بشكلٍ مريع، بعد أن كانت ملاذاً آمناً لمئات الألوف من مختلف المكونات السورية، طوال سنوات الحرب.
كما لا ينكر أحد أن مسؤولية النهب والسلب والتقتيل والتهجير تقع بدايةً على عاتق الحكومة التركية التي قادت هذه الحرب في داخل دولةٍ مجاورة لم تطلب منها هذا التدخل العسكري وجنّدت قوى إسلامية متطرّفة لتلعب دور الجنود المشاة أمام وخلف دباباتها، ومهما حاول الرئيس التركي تبرئة جيشه من الاتهامات بصدد عدم حماية المواطنين العزّل، فإن الجرائم ضد الإنسانية قد حدثت في ظل العلم الوطني التركي، بشهادة العديد من المنظمات الدولية والإعلاميين، وهذا سيفتح على تركيا باباً واسعاً من المساءلة (إن شاء المجتمع الدولي أخذ الموضوع بجدية ومسؤولية) بصدد ما جرى ولا يزال يجري في منطقة جبل الكورد (عفرين) على الرغم من توقف العمليات القتالية وانسحاب مقاتلي (قسد) من مركز المنطقة دون مقاومة. 
وإذا كنا منصفين حقاً، فإن التسمية الأقرب إلى الدقة للحالة في عفرين هو “هزيمة” فلسفة وإيدولوجية وسياسة حزب العمال الكوردستاني برمته، فإن قيادته مسؤولة مسؤوليةٍ أساسية عن هذه الهزيمة النكراء ولا تستطيع المقاومة البطولية للفتيان والفتيان االكورد المستعدين للتضحية بحياتهم دائماً من أجل قضية أمتهم إخفاء حقيقة أن شعب المنطقة يدفع ثمناً باهظاً اليوم في ظل الرايات العديدة لهذه الحركة التي أينما حلّت في كوردستان، فالخراب والدمار والهزائم العسكرية تحل فيها.  وسلسلة المدن التي دمرّت من قبل الجيش التركي طويلة بذريعة أن هذا الحزب “إرهابي!” ولربما لا تكون مدينة عفرين الفقرة الأخيرة منها.  والغريب أن حزب الاتحاد الديموقراطي رغم علاء نجمه كفصيلٍ مشهور في الحرب على الإرهاب، سواءً من قبل الروس والإيرانيين والسوريين أو من قبل الولايات المتحدة وأتباعها الأوربيين، قد وجد نفسه وحيداً معزولاً في معمعة القتال، بين المعارضة السورية ونظام الأسد، وبين القوى الدولية المتناحرة فيما بينها على الساحة السورية.  فهل الدخول في ورطةٍ أو مأزقٍ رغم التنبيهات المتكررة من قبل المعارضة السورية عامةً والحراك السياسي – الثقافي الكوردي خاصةً “هزيمة” أم “انتصار” لهذا الحزب؟ ولماذا لا يتجرأ أحد زعمائه ومن لحق بهم من فصائل سياسية كوردية تابعة لهم على القول بأنهم أخطأوا في حساباتهم، منذ إعلانهم عن البقاء على “خطٍ ثالثٍ” وهمي بين فصائل الثورة الشعبية السورية ونظام الأسد؟ بل لماذا لا يعلنون عن هزيمتهم الماحقة في عفرين؟
إن البدء بشتم المجلس الوطني الكوردي والسعي لضربه وشق صفوفه ليس الطريق الصحيح لمعالجة نتائج الفشل التام في السياسة التي أدت إلى مأساة عفرين، والشعب الكوردي عامةً وفي منطقة عفرين خاصةً كان ولا يزال ينتظر من هذه القيادة التي فشلت في حمايته وتركته كلقمةٍ سائغة في أفواه الحاقدين والإرهابيين والسالبين الناهبين أن تعترف بهزيمتها السياسية والعسكرية وألا تترك الأمر لتفسيرات وتأويلات وتبريرات عجائز كهوف جبل قنديل الذين وعدوا بدعم عفرين وهددوا تركيا يشن حملاتٍ واسعة إن هاجم جيشها عفرين، ثم ظهروا كوزير الإعلام العراقي (الصحاف) فصاروا موضع سخرية واشمئزاز أمام شعب كوردستان. 
كيف يمكن لزعماء حزب الاتحاد الديموقراطي وحلفائهم من تنظيمات كوردية أن يبرروا سياسياً وأخلاقياً خيانة النظام والروس والإيرانيين والأمريكان لهم في الوقت ذاته، رغم اختلاف العقائد السياسية لهم وتعارض مصالحهم ومواقفهم حيال سوريا؟ وهل يحق لهذا الحزب أن يقود الشعب الذي قدّم له فلذات أكباده وقوداً للقتال، فزج بفتيان الكورد وفتياتهم في معارك خارج المنطقة الكوردية في شمال البلاد، ليظهر بها الكورد كمحتلين وغاصبين رغم أنهم ليسوا كذلك؟ وهل يعلم هؤلاء أن اللاجئين من عفرين يتعرّضون اليوم إلى معاملة لا أخلاقية ولا إنسانية على أيدي سكان القرى والمدن التي حماها مقاتلو حزب الخط الثالث لأكثر من سنتين من هجمات الإرهابيين. فأين هو تطبيق “الأمة الديموقراطية!!!” العملي على أرض الواقع السوري؟ هل فشلت هذه الفلسفة أم أنها لاتزال حيةً ويانعةً في أدمغة بعض هؤلاء الزعماء فقط؟ 
الدرس الذي نتعلّمه من “هزيمة عفرين” متعدد الوجوه والفصول، وهذا يستدعي الجلوس في هدوء إلى بعضنا بعضاً، بروح الوفاء والإخلاص للشعب الذي لم يبخل على حركته السياسية بالتضحيات الجسام، ولنبدأ حواراً أو مناقشةً جادة نوضّح فيها كإخوة ما جرى في غرب كوردستان منذ بداية الثورة السورية ونحدد المسؤوليات والمسؤولين عنها ونضع الخطة الضرورية للخروج من عنق الزجاجة في أقصر وقتٍ ممكن ونتقدّم لوضع برامج عمل جديدة للمستقبل، مثلما يفعل المهندسون الذين يرتكبون خطأً يؤدي إلى هدم جانبٍ من عمارةٍ شاهقةٍ لهم، فيقومون بكل ما هو ضروري لتفادي الخطأ الحاصل ثانيةً وللبدء في تصحيح خططهم وأعمالهم. ولا يمكن أن يكون أسلوب إلقاء اللوم على الآخرين للتهرّب من تبعات المسؤولية طريقاً صحيحاً لإعادة ما تهدّم وانهار على أيدي من اعتبروا أنفسهم أعظم المعماريين، وظهر أنهم فاشلون تماماً.
المجلس الوطني الكوردي في سوريا له بالتأكيد مسؤولية ويجب محاسبته على ضوء مصالح الشعب الكوردي، ولكن لا يحق لأحد اتهام المجلس بأنه السبب في “هزيمة عفرين” التي يتحمّل وزرها فلاسفة “الأمة الديموقراطية” ومشروع “كنتنة الكفاح القومي للأمة الكوردية” وثمة فارقٍ كبير في المحاسبة على أخطاء سياسية والمحاسبة على “هزيمة سياسية – عسكرية”.  فلا تظنوا أن الشعب الكوردي جاهل يا سادة! 
 ‏23‏ آذار‏، 2018
facebook:kurdax.net                  kurdaxi@live.com  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…