الحرب على وجودنا القومي تدخل مرحلة خطيرة

جان كورد
لم تقدّم أي منطقةٍ من مناطق كوردستان من التضحيات الإنسانية والمادية أكثر مما قدمته منطقة عفرين في سبيل أن يقف الإخوة في شمال كوردستان على أقدامهم في وجه الطغيان الهادف لإنهاء وجودهم القومي، وتجلّى هذا في الإعلان يوماً بعد يوم عن اسراب المقاتلين الأشاوس، من الفتيان والفتيات، من طلاب المدارس والجامعات، الذين سقطوا في ساحات القتال في شتى أنحاء كوردستان، أو اغتيلوا غدراً بأوامر قادة (قنديل)، حسب ما جرى فعلاً، منذ الإعلان عن الكفاح المسلّح في عام 1984.  هذا الكفاح الذي لم يتمّ التحضير له بشكلٍ جيد، وإنما كان خدمةً طوعية من حزب العمال الكوردستاني لنظام حافظ الأسد الذي طمح من خلال سوق الكورد لقتال الحكومة التركية في انتزاع المزيد من حصة بلاده من مياه نهر الفرات، في الظروف السيئة التي نجمت في كوردستان وتركيا عن انقلاب الجنرال كنعان ايفرين الدموي في عام 1980 ، 
إلاّ أن قادة هذا الحزب الذين كانوا يتهمون كل الحراك السياسي – الثقافي الكوردستاني بالتخاذل، ويهددون في قنوات تلفزيوناتهم ب”حرق بغداد” إن دخل الجيش العراقي مدينة كركوك، ومن بعد ذلك بحرق “أنقره” في حال دخول الجيش التركي إلى مدينة عفرين، لم يفعلوا شيئاً من أجل منع الجيش العراقي عن اقتحام كركوك أو لصد الجبش التركي عن الاستيلاء على عفرين، واكتفوا بصبّ اتهامات “الخيانة” و”الهروب”  من المعركة على البيشمركة، والتحدث المستمر عن  “عمالة” المجلس الوطني الكوردي في سوريا، وآثروا السكوت طوال هجمات الجيش التركي على قرى منطقة عفرين، وإلى أن احتل الأتراك المنطقة ومعهم مرتزقة سوريون، جاؤوا إلى عفرين ليس من أجل مبادئ الثورة السورية وإنما لنهب ممتلكات الكورد وتهجير شعب المنطقة وتغيير تركيبتها الديموغرافية ولإذلال شعبنا في وضح النهار أمام أعين المجتمع الدولي، ووصل بهم حقدهم  وغيرتهم الإسلامية الكاذبة إلى درجة انتزاع ذهب النساء من أيديهن وأجهزة الخلوي من المواطنين، بعد أن سرقوا أبواب وشبابيك المنازل وتراكتورات الفلاحين، بل ومواشيهم ودجاجاتهم بسفالة لامثيل لها وهم يصيحون “الله أكبر” أو “تكبيييير”.
والآن، بعد أن نزح أكثر من مائة ألف مواطن كوردي إلى خارج المنطقة ليتعرضوا هناك إلى ابتزاز نقاط السيطرة الحكومية، فيدفع كل مواطن مئات الألوف من الليرات السورية، حتى يجتاز منطقة الموت وينجو بعائلته من المذلة والقتل، وبعد أن تم رفع العلم التركي الكبير ومن ورائه علم المعارضة السورية في حجمٍ أصغر على شرفة سراي الحكومة في عفرين “العربية حتى العظم!”، يتساءل المرء عما يجب القيام به من أجل ألا يتم التغيير الديموغرافي الكبير في هذه المنطقة الكوردية، فأقول:
1-  حيث أن الجيش التركي لن يتوقف عند “عفرين” فقط، بل شرع في القيام بعمليات مماثلة، بما تحمله معها من نتائج وخيمة على المواطنين الكورد، فإن على الحراك السياسي – الثقافي الكوردستاني بمجمله الانتقال إلى استراتيجية جديدة تضمن لشعبنا أمنه واستقراره وخلاصه من العدوان والإرهاب والهجمات الخارجية، وهذا يتطلب عقد اجتماع موسّع لقادة وزعماء الحركات والتنظيمات الفعّالة في عموم كوردستان والاستفادة من خبرات ونصائح الحلفاء للحيلولة دون حدوث هكذا هجمات تركية مدعومة بقوات المرتزقة بأسمائها المختلفة. 
2-  بالنسبة لغرب كوردستان، يتحتّم على الحركة السياسية الكوردية أن تبني لذاتها منصة وطنية مشتركة وأن تصغي لنداءات الشعب الكوردي الذي يرزح تحت الضربات المختلفة، قبل أن يتحول هذا الجزء من الوطن إلى شيءٍ آخر غير ما كان عليه سابقاً. إن الخطر داهم ولا تكفي موجة التصريحات الباهتة لبعض القياديين لصد الهجمات المشتركة بين الأعداء ومرتزقتهم من سراق الدجاج.
3-  من أجل الحفاظ على الديموغرافيا الأصيلة لغرب كوردستان، يجب عودة اللاجئين إلى ديارهم، وعدم تركها للقادمين أو المجلوبين من خارج المنطقة بهدف تغيير هذه الديموغرافيا، والعمل من جديد لبناء وإعمار القرى المنكوبة والمدن المدمرة مثل كوباني وعفرين، وهذا العمل يحتاج إلى تعاونٍ بين كل المواطنين وكأن كل واحدٍ منهم يبني بيته الخاص، إذ من دون تعاون يصعب إصلاح ما جرى من تدمير وسلبٍ ونهب قام به أعداء الإنسانية تحت راياتٍ مختلفة، لم تشهد المنطقة الكورية مثيلاً له منذ زمن الغزوات المنغولية والتترية والصليبية.  
4-  في الحقيقة، يصعب إعادة أو اقناع المواطنين بالعودة إلى ديارهم، مالم يتأكد الناس من أن العمليات القتالية قد توقفت تماماً، فالمواطنون يخافون على ما تبقى من أولادهم وكرامتهم وأموالهم، ولا عودة في ظل استمرار عدم سيادة الأمن والاستقرار.
5-  الشروع في إعادة البناء يجب أن يكون بمنأى عن الشعارات الايديولوجية البراقة ومن دون اسكات أفواه الطابور الخامس وقبل التخلّص من سيطرة الذين أوصلوا شعبنا إلى هذه المآزق الخطيرة بفلسفاتهم الخيالية، وهذا يعني أن تتفرّغ المنطقة الكوردية إلى بناء ذاتها كلياً وأن تتحوّل إلى ورشات عمل اقتصادي واسعة، بعيداً عن ضوضاء السياسات الفارغة وعن فلسفة “القائد يعلم” و” في ظله نتقدّم” و لا “حياة من دون الرئيس!” والتوصّل مع سائر الأطراف المعنية، الدولية والإقليمية، عبر مجالس شعبية محلية تدير المناطق بعلم وإشراف دولي للخروج من عنق الزجاجة في المرحلة التي أمامنا.
6- ضرورة القيام عبر لجانٍ مختصة بتوثيق كافة المعلومات بصدد الجرائم ضد الإنسانية، وحول حملات السرقة والنهب والسلب التي قام بها المهاجمون في ظل الجيش التركي في منطقة عفرين على وجه الخصوص،  إضافةً إلى المناطق الأخرى التي تعرّض فيها المواطنون إلى اعتداءات المجرمين في ظل رايات الجيش السوري الحر أو جيش النظام، والتوثيق ضروري وهام لتقديم شكوى عامة إلى المحاكم الدولية، وهذا يعني توثيق أسماء العائلات التي تعرّضت للسلب والنهب، وقيمة ممتلكاتها المهدمة والمنهوبة، وزمن النهب والمكان، وغير ذلك من ضروريات البحث والتحقيق في هكذا قضايا حقوقية قانونية. 
ومن البديهي أن هذا العمل الواسع الكبير يقع كمسؤولية إنسانية وقومية ووطنية على عاتق الجميع، منظّمين ومستقلين، وفي كل أنحاء الوطن، فلقد جاء وقت التعاون الفعلي عوضاً عن بث الأحقاد وتسعير نار الخلافات، إلاّ أن المسؤولين عن هزيمة “عفرين” يجب أن يتحمّلوا ما يقع عليهم من مسؤولية، وهذا لا يختلف عليه اثنان بالتأكيد.  كما يجب ألا ننسى تضحيات كل من دافع بإخلاصً ووفاء عن هذا الشعب المظلوم وعن حقه في الحرية والحياة الكريمة.
          ‏20‏ آذار‏، 2018
facebook:kurdax.net                          kurdaxi@live.com           

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين حول جواب ” اللاجواب ” من حزب الاتحاد الديمقراطي – ب ي د – كنت نشرت في الحلقة الثامنة نص كل من رسالتي حراك ” بزاف ” التي يدعو فيها – الاتحاد الديموقراطي – للموافقة على مشروع عقد المؤتمر الكردي السوري الجامع بالقامشلي ، ومايستدعيه من شروط النجاح مثل – اللجنة التحضيرية – وتمثيل الوطنيين المستقلين ،…

مروان سليمان كان الهدف من المظاهرات في بداية ما كانت تعرف بالثورة السورية الوصول إلى الحرية و التخلص من النظام الإستبدادي و لم يتخلف الشعب الكردي عن الخروج مع باقي السوريين في المطالبة بتلك الحقوق لا بل لم يتوقفوا عن المطالبة ببناء دولة ديمقراطية يتمتع فيها المواطنون بالحرية و العدالة و المساواة و يحفظ حقوقهم و بعد الإنتقال…

بوتان زيباري سوريا… ذلك الجرح المفتوح في قلب التاريخ والجغرافيا، لوحة تتشابك فيها الألوان القاتمة بفعل حرب أرهقت الأرواح قبل الأبنية. كانت البداية صوتًا هادرًا من حناجر عطشى للحرية، حلمًا بسيطًا بدولة تُحترم فيها الكرامة الإنسانية. لكن سرعان ما تحوّل الحلم إلى كابوس معقّد، اختلطت فيه الأصوات النقية بزعيق الأسلحة، وامتزجت الثورة النبيلة بالفوضى المتوحشة. تسلّلت قوى الظلام من…

خالد إبراهيم تشهد سوريا تحولات جذرية في سياستها الداخلية والإقليمية، حيث يبدو أن الحل السياسي يتجه نحو نظام لامركزي يراعي تنوع المكونات والطوائف ويستجيب للضغوط الإقليمية والدولية. هذا الاتجاه لا يعكس فقط الواقع العسكري والسياسي على الأرض، بل يعبر أيضًا عن رغبة القوى الدولية في تحقيق توازن مستدام يمنع انهيار الدولة، مع ضمان مصالحها الاستراتيجية. اللامركزية: الحل الممكن للأزمة السورية…