عفرين على خارطة الطاقة الدولية (مستقبل المنطقة من منظور مختلف)

أ. محمد بابان
منذ عدة سنوات تشهد منطقة الشرق الاوسط وحوض البحر الابيض المتوسط تعقيدات سياسية وعسكرية مدمرة لشعوبها ولكنها استراتيجية من جهة اخرى لقوى عالمية دخلت الصراع الفعلي على ما سيكون عليه مستقبل الطاقة “النفط والغاز” في العالم.
الملفت للنظر ان الحروب الطاحنة التي دارت وتدار في المناطق المذكورة والتي ابادت شعوبها وكذلك البنى التحتية بشكل كلي او جزئي، في الاغلب لا تحمل اهدافا واضحة وصريحة من كل أطراف الصراع الذين يقتلون بعضهم بعضا بشراسة، بل على الاغلب تحمل اهداف وقتية مضحكة مبكية يلعب التطرف الديني الدور الاكبر فيها. وللأسف فان الحروب لن تنتهي بل ستستمر لبعض الوقت ولربما في مناطق جديدة، وطبعا في غياب غايات محلية للحروب الدامية فانه من الاجدر البحث في الغايات والاهداف الدولية خلف هذه الحروب التي تدار بالوكالة.
ما حصل في عفرين لا يمكن تسميتها بأقل من جريمة ابادة وانتهاك صارخ للقوانين الدولية ولمبادئ حقوق الانسان. ولكن ما الذي يجري في الواقع؟
ان حروب المنطقة الغير المنتهية حاليا قد تغير للأبد مفاهيم الدول والحكومات في المنطقة وتقضي على الحدود الحالية للدول وتنتهي بخارطة جديدة تتناسب مع احتياجات الدول الكبرى من حيث الطاقة فقط، فلا وجود للدول القومية والمذهبية على خارطة الطاقة الدولية. 
صراع الطاقة الاستراتيجي بدأ في سنة 2009 بين روسيا واوكرانيا والذي أثر مباشرة على امدادات واحتياجات أوروبا للغاز الطبيعي الذي كان يتم استيراد 80٪ منه من روسيا، وهذه بالطبع كانت الرسالة الروسية الاولى للقارة الاوروبية حول احقية روسيا بامتلاك شرايين الغاز الطبيعي من حيث الانتاج والتمرير “transit”. ومن الطبيعي ان يكون لروسيا هكذا موقف وذلك بعد ظهور تقارير تشير الى امكانية وجود حقول غازية ضخمة في البحر المتوسط وسوريا وكوردستان والتي سوف تجعل اوروبا مستغنيا عن الغاز الروسي الذي يشكل 40٪ من اقتصاد روسيا”12000 مليار روبل”. إذا غياب مستهلكي الغاز بالنسبة لروسيا يعني نهاية الامبراطورية الروسية. بالطبع بعد تأكيد اكتشاف الغاز في المتوسط احتلت روسيا منطقة القرم “2014” كنقطة تمرير استراتيجية مستقبلا.
وما حصل لاحقا منذ 2011 تحت مسميات عدة اغلبها الربيع العربي هو ايضا جزء من هذا السياق العالمي الجديد، بعكس ما كانت عليه التصورات السابقة من حيث انها ثورات الشعوب من اجل الديمقراطية. والملفت للنظر ان الدول التي وقعت فيها الاحداث هي من الدول الموجودة على خارطة الطاقة الحالية ” اوبك + كوردستان” ودول سوف تصبح لاحقا منتجا للطاقة “مصر، سوريا ولبنان” بالإضافة الى دول التمرير ” سوريا، مصر، الاردن، كوردستان، قبرص، تركيا، اوكرانيا، اليمن” بالإضافة الى اسرائيل كمنتج وناقل مستقبلي.
ولربما لسوريا اهمية كبيرة على خارطة الطاقة وذلك بسبب اكتشاف 2.5 بليون برميل من النفط و10.1 تريليون قدم مكعب من الغاز في اراضيها، والاهم موقعها الاستراتيجي كدولة تمرير وذلك بوقوعها في منتصف الدول المنتجة والطريق الذي سيسلكه طريق الحرير للطاقة.
يبقى الدور التركي الاهم في المنطقة، والذي سوف لن يكون سهلا في معادلات الطاقة. فكيف تستفاد تركيا؟ 
ان وجود الصراعات والاقتتالات الداخلية في دول الانتاج والتمرير سيكون برهاناً واقعياً للعالم بأن أحسن دولة لتكون نقطة تمرير للطاقة الموجودة في المنطقة هي تركيا الآمنة التي تتوسط دول تدار فيها حروب همجية “طبعا تدار بالوكالة”. إذاً فيا ايها المنتجين والمستهلكين اليكم بتركيا التي تؤمن للطرفين احتياجاتهم. وايضا فان تركيا ايضا لديها حاجة ملحة للطاقة والتي تستورد 90٪ منها من روسيا، لذلك من الطبيعي ان تحاول تركيا الاستفادة من التشكلات الجديدة لخارطة الطاقة العالمية وبالأخص كدولة تمرير والتقاء سواء من بحر قزوين أو الشرق الاوسط او روسيا، بالإضافة الى سيطرتها على مضيقي الدردنيل والبسفور. 
وبالاطلاع على الصورة، نلاحظ ان تركيا ترسم ان تكون الدولة الاهم في تمرير كل من النفط والغاز من خلال شبكة انابيب موجودة حاليا ومخططة مستقبلا وكالاتي:
1ـ خطوط النفط 
– باكو- تبليسي- جيهان التركي- البحر المتوسط – اوروبا
– كركوك – جيهان التركي – البحر المتوسط – اوروبا
– البحر الاسود – جيهان – روسيا-كازاخستان – دول اخرى
2ـ خطوط الغاز:
– خط TNAP أذربيجان – تركيا – العالم
– كركوك – تركيا – العالم
– ايران – تركيا – العالم
العالم يقصد به الخط الذي سوف يتم انشاءه لاحقا وسيكون بلغاريا وروسيا وغرب اوروبا جزء منه.
اذاً ومن خلال البحث السابق فان تركيا تريد لها دوراً مهماً في الصراع الطاقي الجديد كدولة ناقلة وكنقطة تمرير ولا بأس ان تكون تركيا هي المسيطرة على خطوط النقل كاملة في المنطقة وبعضا من حقول الانتاج. وهذا هو الاتفاق بين تركيا وروسيا، روسيا تتسيد وتسيطر على معظم الغاز الطبيعي العالمي وتركيا توفر البيئة المناسبة لنقل الطاقة والتأكيد بان هذه الطاقة لا يتم التلاعب بها من قبل الحكومات الضعيفة المحلية. وايضا الموقف الاوروبي واضح جدا من الموضوع حيث ان اوروبا قارة مستهلكة للطاقة فإنها ” تتفهم ما تقوم به تركيا وروسيا “.
اخيرا ان موضوع عفرين وكركوك وداعش ومناطق اخرى ستنفجر فيها صراعات قريباً او مستقبلا، ليست هي صراعات داخلية سورية او تركية او كردية او شيعية او سنية، انها الطاقة.
طبعا فان لأمريكا وإيران دور كبير ايضا ولكن لم أستطع تغطية كل جوانب الموضوع، وسوف اكتب عنهم في مقالة اخرى، وكذلك موضوع غاز البحر المتوسط ستغير المفاهيم الحالية ايضاً وذلك بدخول أطراف منتجة اخرى للطاقة واحتمال تأسيس خط جديد للطاقة بين دول شرق اوسطية المستفادة من هذا الحقل واوروبا. وعليه ليس مستبعدا نشوب صراعات في مصر والاردن ولبنان وايضا في قبرص.
اذار / 2018
  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…