الدرس الأردوغاني البليغ للكُرد

 ابراهيم محمود
يعلّمنا التاريخ- دائماً – ما لم نعلم، لنستحق شرف الانتساب إليه، والتاريخ ليس أن نعرف ما نريد حصراً، وإنما ما يريده الأعداء أيضاً، وما يكونه هؤلاء. وربما كان الكرد معتبِرين أنفسهم خارج هذه المقولة، لهذا يُنبَذون تاريخياً بأكثر من معنى. والدرس الأردوغاني  لهم، إن أرادوا تعلّم التاريخ هو الأبلغ! فأردوغان  في الأمس القريب، اقتضت مصلحة بلاده، ” شعبه “، أن يذهب إلى الكرملين ” لملاقاة بوتين، رغم السعار الإعلامي بينهما، وأن يمضي إلى طهران لملاقاة خامنئي، رغم الخلافات المذهبية والسياسية بينهما، وسوف يمضي إلى أي جهة، إذا استشعر ضرورة في ذلك، إلا جل ” ساسة ” كردنا، الذين يعتبرون أي تغيير في مواقفهم، والمضي إلى العدو ” الأقوى ” إهانة لهم، ليهينوا شعبهم بأكمله لاحقاً.
لا أظن، أن الكرد الذين يتباهى أولو أمرهم/ قادتهم بعشرات ملايينهم، هم في موقع ” المحل من الإعراب ” التاريخي، وثمة أمامهم، من يعصّب أعينهم، أو يناورهم تحت أسماء ومسميات قومجية وكردجية، وهؤلاء الساسة/ القادة، يصرّون على أن لعبة السياسة التي هي ” فن الممكن ” هي هذه، وهي ليست هذه، هي ليست ما يعتمدونه من أدوات توهِم عن أنها من جنس السياسة التي تكون أبعد من فن الممكن، لأن ليس من حدود للسياسة، ولا بد أن تعريفها الضحل بالصيغة السالفة تلك، قد وضِع وروّج له، وتم التأكيد له، للإيقاع بمن يعتزون بأنفسهم، ولا ” يطاطون ” رؤوسهم للأعداء، وهم ينتقلون بشعبهم من مأساة إلى أخرى، ومن انقسام إلى انقسامين، ومن تنافر إلى أبعد منه، والكرد بساستهم/ قادتهم في متن القول/ الكتابة.
كل الدول تغيّر سياساتها، وعلى أعلى مستوى، من أميركا، إلى روسيا، ومن تركيا إلى إيران…وفي تركيا المثل الصارخ والمفيد لمن يريد تخفيفاً من وطأة طوفان التاريخ، وانزياحات الحدود الجغرافية، والتصفيات الديموغرافية. فلو أن متابعاً عادياً لما عاشته السياسة التركية الرسمية، وفي شخص رئيس دولتها رجب طيب أردوغان، لرأى تناقضات هائلة، في علاقاتها مع دول الجوار، والقوى العظمى، لأن أردوغان رغم كل الانتقادات التي يمكن أن توجَّه إليه، أقرب إلى حرارة التاريخ، وتلاعبات أهواء السياسة واستراتيجياتها الضاربة، من برودة التاريخ التي تضم إليه من يتقوقعون على أنفسهم، ولا يتراجعون عن سياسة ” وان واي: اتجاه واحد ” في التعامل مع التاريخ ومستجداته، وما يجري على الأرض، أي كيف يمكن استرضاء العدو، أي عدو، في الوقت المناسب، واعتبار ذلك خضوعاً له، وهو انتصار ومكسب مقارنة بما لو أن العلاقة التوترية استمرت، وكانت النتيجة وخيمة، وكيف أن التزلف للعدو، أو مجاملته، أو إظهار الوجه الضحوك له مع العبارة المهدّئة له، تلطيف لمناخ شديد السخونة، وضمان أمن نسبي لشعب منهَك داخلاً وخارجاً، شعب يقال له أنت شعب، وشعب عظيم، وهو تعريضه أكثر للمزيد من الطعان، وإخراجه أكثر من التاريخ .
أم تُرى ساسة الكرد/ قادتهم مكتفون بأنفسهم، ولا يحتاجون إلى تلقّي الدرس من أي كان، فلديهم ما يكفيهم ويفيهم مطلبهم، والاستمرار في الفقر وضنك العيش بـ” كرامة ” أفضل من الاستسلام للعدو وذل التقرب والطواعية؟
ربما كان ذلك الدرس العقابي الأكثر إيذاء للتاريخ للكرد على أيدي ساستهم/ قادتهم، كما يجري الآن، وبئس من يقرأ التاريخ بعين واحدة، وهي في أفضل حالاتها: شبه عوراء، مرمّدة وملتهبة، ولا يُطمأن إليها .
دهوك- في 16-3/ 2018 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…