تذكَّروا أنكم كُرْدٌ لبعض الوقت وأنتم تذكّرون بأعدائكم أغلب الوقت

ابراهيم محمود
” ربما باسم 12 آذار 2004 “
ربما لم تعد الذاكرة الكردية تسع مآسي الكرد في جهاتهم الكردية الأربع، في مناسبات تترى: مجازر جماعية، إعدامات، اعتقالات على قدم وساق، مطاردات، إنذارات مستمرة بالتصفية أو الإيذاء…الخ، حيث باتت كل أيامهم مناسبات يحتفَل بها أو فيها، تتساوى فيها الثورات والانتفاضات ضد الأعداء، ومشاهد القتل الجماعية في التوقيت زماناً ومكاناً، وبالكاد يحاول الكرد النظر أبعد من ذلك، أبعد من الأعداء الفعليين، والأعداء المختلقين والميتافيزيقيين ” كالقدر “، كأنهم يخافون الوقوف دقيقة صمت، خمس دقائق في السنة مرة، ليتعلَّموا أكثر من  العداوات الكردية- الكردية حتى اللحظة، فلا يُنسى الأعداء وفظائعهم طبعاً، إنما ما يكونه الكرد أنفسهم عداواتياً في أحيان وأحيان وأحيان كثيرة .
ليتذكر الكرد، ممن تعنيهم مناسبات فعلية ومصطنعة، وما بينهما، أنهم كرد لبعض الوقت وهم يذكّرون بأعدائهم أغلب الوقت، تعبيراً مباشراً عن أن العدو – دائماً- في الخارج، وأن خراب البيوت: بيوت فعلية، وبيوت وجدانات، يجري من جهة الخارج، حيث يتم تحديد مواقع الأعداء بلغات شتى، وأن العمل ” الدؤوب ” على التذكير المستمر بالأعداء المتربصين بهم في الخارج، ليس أكثر من خوفهم فيما لو أوقفوا هذه الطريقة في التعامل الذاكرة والتاريخ، فالعدو ليس موجوداً دائماً، بمقدار ما يكون المشير إليه وهو كردي بموقعه المتقدم والمتنفذ.
ليتذكر الكرد لبعض الوقت ما يقع خارج نطاق هذه المناسبات، في نطاقهم، فيما بينهم، ليس لجعل العدو عدماً، وإنما في محاولة لفهم ” العدو “: كيف، وأين، وممَّ يتشكل، وفي من يتشكل، وماذا يستخدم لإبقاء الذاكرة ملتهبة، مريضة إلى حد الارتكاز على بعد واحد في الزمان والمكان: العدو القادم من الخارج، والقدر نفسه عميل معتمَد من قبله .
في ضوء الجاري، لا أظن أن الاستمرار الدوري كردياً للتذكير بمناسباتنا، وتأليب الذاكرة الجمعية، وعموم أعضاء الجسد على أعداء يقدِمون من الخارج، بمفيد بالطريقة المريعة هذه، حيث تتعطل الذاكرة السوية نفسها، يتعطل العقل، يتعطل الوعي، تتعطل قوى الحواس، تتعطل المعرفة الفعلية، يتعطل التاريخ في عملية الإنقاذ لمن يريد دخولاً حقيقياً إليه، كأن الكرد خلقوا وأعينهم في الخلف، وصدورهم إلى الخلف، ومؤخراتهم تتقدمهم، وكروشهم في رؤوسهم، وأيديهم لا تحسن إلا القيام بحركات تقليدية كما هو عهد الكرد بأنفسهم، وأن آذانهم في غير موقعها، أطول من آذان الآخرين، وأعرض من آذان الآخرين، ومسطحة، ملتصقة بجانبي الرأس، وأعينهم غائرة، خندقية، فلا يرون الأمام وقد صار خلفاً، ككائنات حكاياتية/ خرافية.
ليتحرر الكرد هؤلاء، وما أكثرهم ، لبعض الوقت من سطوة المناسبات وأفيوناتها التي تذكّر بالأعداء كثيراً، ورهبة المناسبات التي تنسَّب إلى الأعداء كثيراً، وفظاعة المناسبات التي تعود إليهم،/ فتسمّيهم في رموزهم اسماً اسماً، وهي تمزّق فيهم كل قوة حية، سرعان ما تسجَّل باسم الأعداء، خوفاً من المواجهة الذاتية، والمحاسبة الذاتية..
ليتذكر الكرد لبعض الوقت من هذا الغلوّ في الإكثار من المناسبات، وقد ظهر أكثر من بوْن بينهم وبين حقيقتها، وليذكّروا بأنفسهم لبعض الوقت قليلاً، ربما يسعفهم التاريخ بإدخالهم إلى قطاره الزمني، ولو في عربته الأخيرة، أفضل من أن يضيع في دوامة الغبار والرمل التي تحدثها سرعة القطار. 
يمكن ذلك في حالة واحدة فقط، عندما يملكون جرأة مواجهة الذات..هل  يملكونها ليفعلوها ؟
دهوك، في 12-3/ 2018 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…