الأمازيغي: يوسف بويحيى
أثبتت الحكومة التركية غباءها أكثر من مرة سياسيا و عسكريا ،قضية عفرين دليل قاطع و واضح كشف للعالم بأن تركيا لسيت بدولة قوية مبنية على أسس علمية كما يضخم الإعلام العربي و الإسلامي و الإقليمي الشرقي الوسطي ،تركيا لا تملك اي جودة عسكرية و لا تكتيك عصري حربي ،كما أنها ليست بدولة صناعية للسلاح شأنها كشأن إيران و جميع الدول العربية ،بل فقط دولة مستهلكة لا اقل و لا اكثر ،علما أن إنضمامها لحلف الناتو ليس لقوتها الصناعية بل لترسانتها البشرية ،بمعنى آخر ان حلف الناتو المسيحي يستعمل عضويتها فقط كأداة عملية لمصالحه الشخصية ،لأن أمريكا و أروبا لن يسمحوا أبدا لأي دولة بالنهوض إلى تصنيع السلاح بشكل شخصي.
مقاومة عفرين الكوردية للهجوم التركي أحرجت تركيا ،علما أنه لو تم الحظر الجوي على عفرين لما إستطاع الجيش التركي من التقدم مترا واحدا ،مع كل الأسلحة الثقيلة و القصف الجوي و الكم البشري للإرهاب التركي مازال يجد صعوبة و يتلقى خسائر كبيرة في المواجهات الثنائية المتكافئة ،هذا يشير إلى ان القوات الكوردية قوة اثبتت جدارتها عبر التاريخ و التجارب و سطرت بطولات في ملامح قتالية شهد لها العالم بذلك أهمها داعش قبلا و الآن داعش بزي رسمي تركي.
في ظل تخاذل المجتمع الدولي في عفرين و غض النظر على مجازر الجيش التركي في حق الشعب الكوردي و قصف المدنيين و إستعمال أسلحة محرمة دوليا ضد الأبرياء و القوات الكوردية كونها عضو بارز تحت إشراف التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب ،مما يثبت أن خطابات المجتمع الدولي و مواثيق مجلس الأمن و مذكرات الأمم المتحدة و تقارير البرلمان الأروبي بخصوص قضايا الشعوب المضطهدة و الدول مجرد شعارات جوفاء ،لسنا بصدد نقاشها و إعادة الحديث عنها لأنها تبين نفاقها بمئات الأعوام.
إن التنازل الأمريكي على عفرين لم يثبت حقيقة سياسة أمريكا النفعية فقط ،بل أثبت ضعف بعد نظر إدارة رئاسة “دونالد ترامب” بالدرجة الأولى ،حيث لم تستفد من قضية كركوك كثيرا و بعدها تلتها بعفرين بحكم أن الإثنتين تعتبران بؤرتين لمشاريع إستراتيجية و حيوية إقتصادية ،هذا لا يعني أبدا ان عفرين ستسقط لأني ارى ذلك مستحيلا و مايحدث من طرف أمريكا أراه خطأ و ليس سياسة ،كما أرى أن كركوك بدورها سيتم فيها إعادة النظر الأمريكي لإعادتها إلى سيطرة الكورد .
لقد فتحت قضية عفرين النار على إدارة “دونالد ترامب” في الداخل الأمريكي بسبب بطء التحرك و عدم وضوح مشروعها و سوء إتخاد القرارات المصيرية في ظل منافسة شرسة من طرف حلف رزين ،قضية عفرين كشفت الصورة للأمريكيين في سوريا الذين أخطؤوا التقدير في عفرين ،مما يستوجب عليهم الآن إعادة لملمة موقفهم و العمل على مشروعهم بدون غموض و تخاذل ،كل المؤشرات توحي بأن أمريكا لن تقف متفرجة على الوضع السوري و خصوصا “عفرين” حتى لو إقتضى الأمر الإنقلاب على إدارة ترامب بضغط من البنتاغون و الكونغريس ،بمعنى ان عفرين مازالت ورقة مفتوحة على كل الإحتمالات لأسباب مصيرية للمشروع و الوجود الأمريكي في سوريا.
صحيح أن الحلف العسكري المناسب و المفضل لأمريكا هم الكورد على الرغم من الإختلاف الفكري بينها و بين إديولوجية القوى الكوردية خصوصا pyd المتفردة ،لكن هذا لا يشكل أي مشكلة لأمريكا مادام أن مسألتها في سوريا ترتبط بقضية وجودها اكثر مما كانت عليه سابقا ،ثانيا أن لا بديل آخر لها سوى الكورد ،لدى فإعادة النظر في وقف الحملة التركية و ردع الهجمة التي تخدم الأقطاب الثلاثة الروسي و البريطاني و الألماني أمر متوقع و محتمل في الأوقات المقبلة.
أمريكا تخطط جديا في إنشاء فيدرالية في شرق الفرات بشعبية كوردية ،لكن تبقى الفيدرالية بدون ضم عفرين أي غرب الفرات لا معنى لها سواء عند الكورد أو للمنطقة ،مما سيؤثر سلبا على إستقرار المنطقة و أوتماتيكيا على مصالحها و مشروعها ،علما أن تواجد الكورد كقوة عسكرية و شعبية في مناطق الفيدرالية هي إمتيازات قوة تضاف للوجود الأمريكي و لإطالة إستمراريته مدة أطول ،لهذا فعفرين بكوردستانيتها و كوردها منطقة إستراتيجية و حيوية تعتبر العمود الفقري للمشروع الأمريكي ،هذا لم يتضح إلا بعد أن أصرت روسيا و بريطانيا و ألمانيا (ألمانيا بشكل سري) في دعمها للهجمة التركية لإفشال المشروع الأمريكي و قطع الطريق على الأمريكان للوصول إلى البحر ،بمعنى آخر إن تم إجتياح عفرين فهذا يعني أن أمريكا خسرت كل شيء في سوريا لخسارتها مناطق إستراتيجية.
إن الهجوم على “الغوطة” من طرف النظام السوري بدعم إيراني روسي المغزى منه إباذة المسلمين السنة و تعميرها بالقوميات الشيعية من أجل تشكيل الحزام الشيعي حول “دمشق” ،والهجمة التركية على “عفرين” الغرض منها إباذة الكورد مهما كانت طائفتهم و إعمارها بالعرب و التركمان السنة من أجل فصل إقليم باكور عن روجاڤا بإنشاء حزام سني عربي تركماني ،الهجمة التركية غير مقبولة من طرف النظام و إيران لأسباب طائفية لكن الخطة تمشي وفق ضغط روسي و بريطاني و ألماني و فرنسي ،روسيا تلعب من خلال الهجمتين إلى تعزيز قوتها و وجودها و إفشال المشروع الأمريكي و السعي لرمي قدر الإمكان أمريكا خارج المعادلة السورية ،بريطانيا و ألمانيا و فرنسا يعملون على إبعاد تركيا قدر الإمكان من المستنقع الكوردي كونها الرائدة لمصالحهم الضخمة.
هذا لا يعني أن أمريكا لا تحالف تركيا ،بل مسألة المصالح هي من تفرض على العلاقات التقلبات و التغيرات ،حيث بهكذا منافسة شرسة و معارضة قوية لبريطانيا و روسيا لأمريكا أصبحت الأخيرة بين محكين إما أن تحارب الكل وذلك بتوحيد صف الكورد في روجاڤا و دعمهم في عفرين لإكمال مشروعها بشكل كلي أو أن تتنازل لتركيا كحليف إستراتيجي فتخسر كل شيء في سوريا ،علما أن خطوات النظام في الغوطة إمتياز للروس و خطوات تركيا في عفرين إمتياز لبريطانيا و ألمانيا و فرنسا و روسيا بمثابة إضعاف للوجود الأمريكي كمؤشر لهزيمة أخرى في سوريا بعد فيثنام و العراق ،مع العلم أن مناطق نفود أمريكا اصبحت حاليا مهددة بهجوم داعش و خلاياها النائمة في “دير الزور” و “الرقة” بعد أن بدأت القوات الكوردية بالإنسحاب منها نتيجة تخاذل المجتمع الدولي عن جرائم إرهاب غصن الزيتون في عفرين.
صحيح ان امريكا قوة إقتصادية عظمى لكن هذا لا يعني انها تستطيع أن تجاري تحالفات عالمية تمتاز بوزن عالمي و تاريخي و عمق علمي في تسيير شؤونها الداخلية و الخارجية ،إن كان هذا يدل على شيء فإنه يدل على أن الفلسفة النفعية التي تتبناها أمريكا و تمارسها على حلفائها أصبحت منبوذة و غير مقبولة من طرف كم من نظام غير وجهته إلى الصين و اليابان و روسيا…،لذلك فإن تراجع الهيبة الأمريكية ليست إشاعة بل واقع يعيشه الداخل الأمريكي قبل أن يكتشفه الخارجي ،لقد اصبحت امريكا تقارع إقتصاديا و عسكريا إثر التحالفات الجديدة التي خففت بشكل كبير من ثأثير أمريكا على محيطاتها التي بدأت تحارب أمريكا عسكريا و إقتصاديا ،هذا التدني العالمي لأمريكا ليس وليد اللحظة بل مؤشراته بدأت منذ حرب أفغانستان إلى اليوم ،هذا يعجل إضطراريا أمريكا إلى إعادة النظر في قراءة فلسفتها النفعية الرأسمالية و سياستها الخارجية الأنانية تجاه حلفائها و الشعوب المضطهدة بالديكتاتورية.