القضية الكوردية و الإنفصام

الأمازيغي: يوسف بويحيى
البعض يمتازون بمرض إنفصام الشخصية ،يؤمنون بفكرة و بضدها في آن واحد ،هذا الإنفصام يكون مترتب عن إضطرابات و تراكمات تاريخية إجتماعية نفسية ،لكن ماذا عن الإنفصام السياسي؟؟
الكل يعلم ان المسائل السياسية قابلة للتغير و التقلب في اي لحظة ،لدى لا يمكن المشي على نفس التحليل و التفسير ،إذ في كل تغير يستوجب العمل على مقاربة سياسية و دراسة إستراتيجية جديدة لوضع العملية في محلها الجديد لإيجاد رؤية و حل لتفادي الطريق المسدود.
قضية عفرين هي إحدى هذه القضايا المعقدة التي لم يتوصل الكثيرون لتحليلها ليس لصعوبتها بل لعدم القدرة على تقبل حقيقتها كما هي ،عفرين تهمنا و شخصيا تهمني لأنها منطقة كوردية ،بها شعب كوردي بغض النظر على من يحكمها أو يسيرها ،لكن لتحليل عفرين سياسيا لابد من الحديث عن الفئة السياسية فيها ،هل من المنطق ان اناقش عفرين و هولير و السليمانية بشعبها أم بقياداتها؟؟
إنتقاد حزب أو إتهامه لا يعني أبدا المساس بكوردية منطقة أو شعبها ،أليس في كوردستان قادة خونة و أحزاب خائنة؟؟ نعم موجودة ،لكن هل هذا يعني أن الشعب الكوردي خائن أو يمس بالقضية الكوردية و مشروعيتها؟؟ الجواب لا ،وهل الحزب يمثل القضية الكوردية و الشعب الكوردي؟؟ الجواب لا ،الحزب يمثل فقط القادة و المحزبين من خلاله أما المتعاطفين و القاعدة الجماهيرية فهي لا تدخل في منظومة النقد أو الإتهام.
الأغلبية تقول نحن ضد عبادة القادة و الأشخاص و لكن عندما تنتقد قيادي لكونه مسؤول ينفجر عليك الجميع علما أن الإنتقاد كله لأجل قضية كوردية و ليس لنظام غاصب ،إكتشفت أن الأغلبية تعبد الأشخاص و الأحزاب فقط يتظاهرون بالحيادية أو بالأحرى النفاق و الإلتواء.
ما العيب إن قلت أنك لا تتفق مع قرار إنسحاب البيشمركة في “كركوك”؟؟ علما ان أول شخص ستوجه له اصبعك هو “مسعود بارزاني” ،قيل عن ذلك الكثير و خط الألاف بان بارزاني باع كركوك ،جيد أن تكتب ذلك بحرقة كوردية على كركوك في تلك اللحظة ،لكن من الجميل أن تبحث فيما بعد لتصحيح ما يمكن تصحيحه و معرفة الحقيقة ،ما العيب إن قال شخص أنه غير متفق مع قرار الإدارة الذاتية في تسليم عفرين للنظام؟؟ كذلك بحرقة كوردية ،هذا لا يعني أن المنتقد تركي او إئتلافي أو نظامي ،بل كل مافي الأمر رؤية شخصية ،ستظهر معالمها في النهاية هل إيجابية أم سلبية على المنطقة و الشعب ،أما الساسة عموما فمجملا رابحون.
ننتقد سياسة الساسة لأنها قابلة للنقد و ولنا الحق في توجيه أصبع الإتهام لهم لأنهم في تلك المناصب بأصواتنا نحن الشعب بكل شرائحه ،ولا تلوموا الراعي الرائع القائل للبارزاني الخالد <هل كركوك ملك لأب البارزاني ليمنحها للعراق> لأنه من حقه ذلك كمواطن كوردي ،لكن الشيء المقدس الذي لا يجب الطعن فيه أو إنتقاده مهما كان الأمر هم المقاتلين الكورد و الشهداء من حماية الشعب و الكريلا و البيشمركة و المتطوعون هؤلاء خطوط حمراء قطعا لا يمكن لمسها و لا تجاوزها أبدا ،لأن الذي يبيع و يخون الأوطان هم الساسة و ليس الجنود ،فالجنود هم رهن إشارة القرار السياسي إلى درجة أن البعض يحاربون دون ادنى علم بالقرار لأنهم مخلصون لأرضهم و شعبهم و أحذيتهم تاج على رؤوسنا. 
هناك البعض يناقشون من منطلق حزبي ضيق الأفق ،هذه الظاهرة لا تقتصر فقط في الشعب الكوردي بل العربي و الأمازيغي بالرغم من عدم وجود حزب أمازيغي مؤسس (المغرب) ،هذه الرؤية الحزبية تدل على أن المعني لم يصل بعد إلى صلب القضية الكوردية كقضية تاريخية و جغرافية و ثقافية و إجتماعية و سياسية يتم دراستها بطريقة علمية لتتشبع الذات منها اولا قبل كل شيء ،فالذات الكوردية مازالت تفتقد و تفتقر إلى روح الكوردياتية أكثر ،هنا أقف على مقولة المجرم “حافظ الأسد” قائلا: <سأعيد الكورد قرونا إلى الوراء> ،قد يتساءل البعض كيف؟! اجيبه بسياسة التحزب و نشر ثقافتها ،لهذا أصبح الإنسان الكوردي يرى قضيته إنطلاقا من الحزب و تحليل الحزب و آفاق الحزب.
هنا لن اتطرق لحزب كوردي كمثال بل لنتمعن في حزب البعث العربي الإشتراكي الذي تغنى بالقومية العربية و أوصل خطاباته إلى السماء بها ،كان العرب يرون أنفسهم في جمال عبد الناصر و صدام حسين و حافظ الأسد…،سقط البعث في مصر و العراق و مازال بالإسم في سوريا ،هل فعلا حزب البعث السوري بقي بنفس العمق القومي  للعروبة أم تلاشت عروبته و لم يبقى إلا أن يقال عنه “حزب الله” الإيراني ،إنقلب رأسا على عقب من حيث الفكر و الإديولوجية ،ماذا يمكن أن يقول من تشبعوا العروبة من البعث الآن؟؟ ،فلأنهم كانوا لا يرون عروبتهم إلا عن طريق الأحزاب لذلك تلاشوا و كأنهم لم يكونوا ،عكس ما نراه عند اليهود حيث لا يهتمون بأحزابهم و لكن يقرؤون عن قضيتهم و قوميتهم و تاريخهم لذلك هوسهم الوحيد البحث عن الأنظمة و الأحزاب و الحركات التي ستدعم مشروعهم الوطني و القومي مهما كانت قوميتها عربية او فارسية او نصرانية او يابانية…و مهما إختلفت عن عقديتهم إسلامية او هندوسية او مسيحية او بوذية و زرادشتية ،المهم أن تستمر حركتهم القومية في الطريق الصحيح ،الأحزاب لم تكن يوما مرآة للقضايا الوطنية.
أقل ما يدلي به الكوردي الجميل هو الدعوة إلى توحيد الصف ،نية صافية أنحني لها ،لكن ماذا إن قلت أن توحيد الصف الكوردي صعب جدا لكنه ليس مستحيلا ،ليس رؤيتي الشخصية فقط بل بشهادة العديد من قيادة الأحزاب في روجافا و باشور و باكور ،وبشهادة مجموعة من الدكاترة الأكاديميين الكورد من أمريكا و أروبا و كوردستان أفنوا معظم حياتهم في قراءة القضية و الحركة الكوردية ،لأن توحيد الصف الكوردي لم تكن أبدا إنطلاقا من الكورد أنفسهم بل بضغط خارجي لاكوردي أمريكي و أنظمة غاصبة ،زيادة إلى ان هذا الإلتحام لم يكن سياسيا بل عسكريا فقط (حرب داعش مثالا) ،حقائق تؤلم لكنها واقع يجب أن يعرفها الشعب الكوردي لكي يقف على الحقيقة ليحاسب كل من باع و أعاق طموحا سالت من أجله شلالات الدماء لمئات القرون إلى الآن.
إتضح لي أن معظم المثقفين عاطفيون و مستلبون و حزبويون و حربائيون ،مع إحترامي للشرفاء أمثال الأساتذة و الدكاترة الصادقين محمود عباس و إبراهيم محمود و مهابادي و عبد المجيد توفيق و جان كورد و إدريس سالم…لذلك ارى أن الكوردي مطالب في الفترة الراهنة القراءة و المطالعة من المثقفين المذكورين قصد فهمهم لما يجري في الوسط الكوردي ،بعيدا عن مثقفي الأحزاب و الوظائف و الرواتب السوداء.
ألقضية الكوردية تحتاج إلى من يستنشقها بدون نفاق بلا مزايدة و بصرامة لأنها قضية شعب و وطن لأجل ولادته لابد لنا من مخاض عسير يجب أن نتحمل كل ألامه و أوجاعه ،وأقسى الألم تقبل الحقائق كما هي بدون عاطفة و نفاق و كذب.
وشكرا لكم

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…

محمد عكو هذه المبادرة فاشلة بالنسبة للوجود الكوردي في سوريا… لا تمثل أحدا من الشارع الكوردي سوى كاتب هذه المبادرة… التهرب من الاستحقاقات التاريخية و المجتمعية و القومية للوجود التاريخي للشعب الكوردي في سوريا لا تخدم سوى أجندات سياسية لجهات قادمة من وراء الحدود…. ينبغي تحديد المطالب المشروعة للقضية الكوردية السورية بشكل شفاف و علني … التناقض في تصريحات قيادات…