غياب الخطاب الوطني وتنامي خطاب الكراهية

افتتاحية مواطنة 
ليس من قبيل الصدفة أن يشكل القتل الذي يجري في الغوطة وإدلب وعفرين وباقي المناطق السورية مادة للخلاف بين أطياف المجتمع السوري، ما بين رافض لهذا القتل أو القصف على أرضية أنه مدان بالمجمل وليس هناك ما يبرره، وبين مؤيد أو مبرر لهذا القتل على أرضية أن القصف أو القتل يستهدف المجموعات الإرهابية التي تضمنها القرار الدولي 2254، معتبراً أن المدنيين يدفعون ثمن تواجدهم في المناطق المتاخمة لوجود الإرهابيين، وأخيراً تتبقى  قلة لا يكاد يسمع صوتها في هذه الضجة، تطالب منذ زمن بضرورة خروج المسلحين من المدن، وعدم استخدام المدنيين كوسيلة من وسائل الحرب والاحتماء بهم، وترى هذه القلة أن مجرى الأحداث تغير وأن الاستقواء بالمجموعات المتطرفة، التي دخلت على خط الانتفاضة السورية، كان وبالا على السوريين، بل أن هذه المجموعات تخدم النظام، موضوعياً، في دعايته لمحاربة “الإرهاب”، وهم ليسوا بأي شكل من الأشكال جزءاً من الثورة أو الانتفاضة السورية حتى ولو حققوا انتصارات عسكرية على النظام في لحظة ما.
هذا الاختلاف في منحاه العام ربما يبدو عادياً، لكن في سورية يبدو الأمر غير ذلك، فالذي يهلل لمقتل الأطفال في الغوطة يرفضه في عفرين، والذي يقصف المدنيين في عفرين يرفضه في إدلب، والذي يرفض التواجد الروسي يصفق للتواجد التركي في أكثرمن بلدة سورية، في حين ان الروس والأتراك يعملان معاً وكل يخدم مصلحته الخاصة، هذه الازدواجية غير المنضبطة أدت إلى تعميق الشرخ في الوعي والسلوك والممارسة السياسية لمجمل الطيف السوري.
في خروج عن المنحى السياسي للصراع فقد طبعت عمليات الثأر والنهب معظم المعارك سواء تلك التي جرت في مواجهة النظام، أو تلك التي جرت بين الأطراف التي كانت في لحظة ما ضد النظام، وقذف كل معسكر للآخر بانتمائه الديني أو الطائفي أو القومي، فالجيش الحر يتهم “قوات الحماية الشعبية” بأنها كردية الهوى وحليفة للنظام ولإيران، و”قسد” تتهم معظم التشكيلات الأخرى إنها عروبية وعميلة لتركيا، والفصائل الإسلامية تتهم الحر و”قوات قسد” بأنهم كفرة، و”الجيش الحر” يتهم أغلب الفصائل الإسلامية المتطرفة بانها منتج أسدي، وهكذا يمتد التشرذم إلى القاعدة الشعبية فيصبح الأمر أكثر خطورة وتعقيداً ما بين الكرد والعرب ومابين السنة والشيعة بمختلف تسمياتهم في السلطة والمعارضة.
السلطة ترى في المعارضين أو معظمهم إرهابيين وعملاء للدول الإقليمية ، والمعارضة ترى في السلطة أقلية علوية محمية بالأقليات الأخرى، وعميلة لإيران وروسيا، بينما يرى الكردُ المعارضة ربيبة العروبة والإسلام السياسي، وترى المعارضةُ الكردَ انفصاليين قد خذلوا ثورتهم السورية.!
وإذا أضيف إلى ما سبق ما تعانيه المعارضة من الخيبة والمرارة والشعوربخذلان “المجتمع الدولي” في معركتها ضد الاستبداد، فإن مسألة دلالات انغماس بعض السوريين بمختلف أطيافهم وتوجهاتهم، في معارك القوى الدولية والإقليمية، واستعداد بعضهم للقتال من أجل دعم نفوذ هذه الدولة أو تلك في قتل أو تدمير بلدهم تأخذ بعدا آخر أكثر مرارة من كل ما سبق وتطرح أسئلة ملحة تتعلق بالهوية الوطنية وربما الهوية الإنسانية إن جاز التعبير، فالقسم الذي يقبل دون تذمر بدخول القوات التركية إلى الأراضي السورية وقتل مواطنيه، يقابله تشفي القسم الآخر بقتل مواطنيه في الغوطة وإدلب من قبل الطيران الروسي أو الأسدي، وعقلية الانتقام التي يتغنى بها ما يسمى بالجيش الحر أو بعض من المعارضين في عفرين لا تختلف عن دعوات الانتقام التي تعج بها صفحات التواصل الاجتماعي من قبل الكرد.
والذي يدعو إلى ” إعادة الغوطة إلى زراعة البطاطا ” لا يختلف كثيراً عن الذي يقول ” أنشاء لله تركيا تفوت بعفرين وتطلع بديرك أو “الذي يحيي أحفاد العثمانيين بعودتهم إلى سورية ” والذي يروج “بمناسبة دخول تركيا إلى القسطل “زيت الزيتون ببلاش ” لا يختلف عن الذي يصف العرب “ببواكي الدجاج ” كلها تصب في خانة واحدة مزيداً من الإنقسام، مزيداً من الكراهية، مزيدا من التناثر للهوية الوطنية بين الانتماءات الطائفية والدينية والقومية.
إن الاختلاف الحاصل في الحمولة الفكرية والثقافية والسياسية الذي أشرنا اليه في المقدمة، مضافاً إليه عوامل أخرى كالإحباط والخذلان واستخدام العنف، كل ذلك ساهم في تعزيزظاهرتين: غياب الخطاب الوطني وتنامي خطاب الكراهية، بحيث أضحى الأخير يتصدر الخطاب اليومي، وبتتبعنا لمساره نجد أنه صار “ثقافة”، تعبرعن نفسها سابقاً ولا تزال، بممارسات كريهة كالتمثيل بالجثث.
في مواجهة هذا السعير الطائفي والديني والقومي، ليس للسوريين سبيل يسلكونه إلا العمل على تكريس نظامٍ يعيد الاعتبار للمواطن الفرد، ويصون الحريات الأساسية، الفردية والجماعية، ويحفظ الحقوق المدنية والسياسية للسوريات والسوريين كافة، دون تمييز على أي أساس كان مع الأخذ بعين الاعتبار التركيب المتنوع لسورية.
وفي ظل تنازع الهويات، والحرب التي عصفت بها،  والتفكك المريع للنسيج الوطني، أصبحت سورية بحاجة ماسة إلى عقد اجتماعي جديد، ينقلها إلى الحالة الوطنية الديمقراطية، وهذا يستدعي إطلاق حوار وطني بين المكونات الأساسية لإنجاز هذا العقد.
“تيار مواطنة”
03.03.2018

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…