قيامة السوريين

افتتاحية تيار مواطنة
بعد أيام تدخل الثورة السورية عامها الثامن، و ما زال شبح القتل والارهاب يجوب كافة الاراضي السورية ، فقد انهك القصف الروسي المسلحين في الغوطة الشرقية وريف ادلب و المناطق الاخرى ، وباتت الحياة صعبة وشبه مستحيلة في مناطق تواجد المعارضة بسبب الحصار والتجويع اضافة الى قصف المنشآت الحيوية كالمدارس والافران والمشافي ، ومما زاد الامر تعقيداً انخراط قوى اقليمية ودولية في الصراع الدائر، وتحوله من صراع في سوريا إلى صراع على سوريا. كما غدا المشهد السياسي للحل مرهوناً بتوافقات إقليمية ودولية دون العودة للسوريين واخذ ارادتهم ومصالحهم بعين الاعتبار . 
وفي خضم التفاصيل التي حدثت على مدار السنوات الماضية برزت قوى عسكرية وسياسية لا تمت إلى الثورة بصلة، قوى خارجية توسلت العنف والبطش ، واحتلت مساحات واسعة من المشهد السياسي والعسكري واستطاعت فرض تصوراتها وبرامجها على قطاعات كبيرة من المجتمع السوري دون أي اعتبار . كما نشأ ت قوى ظلامية وأمراء حرب جروا الثورة الى أهدافهم الخاصة، وخاضوا معارك جانبية ذهب ضحيتها الآلاف ، وادى كل ذلك الى اخراج وخسارة طاقات وجهود كبيرة في مواجهة قوى النظام وحلفائه الإيرانيين وميليشياته الطائفية ، والى قطيعة حقيقية بين قوى الثورة وحواضنها الشعبية ، الامر الذي ادى الى نسف مرتكزات السلم الاهلي والتعايش الاجتماعي و تعميم خطاب الكراهية والطائفية السياسية والتشنج القومي والديني وتعزيز الانقسام في المجتمع السوري وتقطيع اوصال البلاد ، وبروز الاحتراب وصراع الاجندات والمصالح ، و بدأت حرب كونية على الارض السورية اشبه ” بقيامة ” السوريين الذين فقدوا كل شيء وخسروا حتى انسانيتهم – رغم الصمود البطولي وحجم التضحيات الهائلة التي قدموها في مواجهة تغول الاستبداد وتوحشه .
لقد تحولت سوريا كما قلنا الى ساحة حرب حقيقية لتصفية الحسابات الاقليمية والدولية فاغلب ما جرى وما يزال هي حروب بالوكالة لا ناقة للسوريين فيها ولا جمل رغم انهم ادواتها ووقودها.
انقسم السوريون على انفسهم فمن كان يرفض حتى الامس حدود سايكس بيكو ، صار يدافع عنها اليوم ويتمسك بها في مواجهة “الانفصاليين” الكرد –الذين يحاولون انشاء اقليم كردي في الشمال السوري وصولا الى البحر المتوسط او في اسوأ الحالات شرق الفرات رغم نفي الكرد الدائم واعلان تمسكهم بوحدة سوريا ارضا وشعبا واعتبار انفسهم جزءا رئيسا من الكيان السوري القائم ،ليس لان الكرد لا يريدون ذلك ، بل لانهم يعرفون تمام المعرفة بأن الامر لا يمكن ان يكون مطروحا بالمعنى السياسي لأسباب متعددة منها وجود فيتوات تركية وايرانية قوية على مثل هذه الدعوة بالإضافة الى رفض النظام السوري ، لأنه يعني انهيارا في خطابه السائد وبداية تغيير حقيقي على عدم قدرته على الاستمرار في حكم سوريا رغم ان مرور فترة طويلة على وجود مناطق خفض التصعيد او كانتونات شبه مستقلة تخلق تعقيدات كبيرة على صعيد التوحد والاندماج من جديد .
ان ما يحصل من قصف جوي ومدفعي على إدلب والغوطة من قبل النظام وإيران وبدعم روسي هو محاولة لتصفية وجود الفصائل المسلحة وعرقلة العملية السياسية، في حين ان الهجوم التركي على عفرين هو الاخر محاولة – من الترك – لتعزيز وجودهم ونفوذهم في سوريا وتقاسم الكعكة السورية.
اخيراً يمكن القول بان الهجوم التركي على عفرين –ومن دون الدخول في التفاصيل – ساهم في خلق شرخ وانقسام بين المكونات المجتمعية في الشمال السوري، وبشكل خاص بين العرب والكرد – وحتى بين الكرد انفسهم -، وكان لمشاركة الفصائل المسلحة وموقف المعارضة المؤيد لعملية “غصن الزيتون” انعكاسات وتبعات لجهة تعميق الشرخ بين العرب والكرد، وخاصة بعد زيارة وفد الائتلاف برئاسة رياض سيف الى قرية قسطل جندو ، والمؤسف بان الطرفان لم ينجحا – حتى الان- في جسر الهوة والاتفاق على بلورة هوية وطنية سورية جامعة ترتكز على الاعتراف المتبادل والتمايز وتكريس الحقوق في اطار دولة سورية حديثة تقر بالحقوق والمواطنة المتساوية لكل ابنائها .
تيار مواطنة 24-2-2018 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…