الجيش السوري في عفرين خطأ قيَمي، إن كانت ثورة.

الان حمو 
التعقيد الذي يعتري الحالة السورية داخلياً وخارجياً، اقليمياً ودولياً، سياسياً وعسكرياً أفقد الكل القيّم الاساسية للثورة، بدأت القيّم الثورية تتهاوى منذ حلت في ادبياتها كلمات  “العربي والكوردي، السني والعلوي، الاكثرية والاقلية” مكان المصطلحين الاساسيين “المعارضة والموالاة”. ولكي لا نجلد ذواتنا أكثر، ولا نشير إلى انفسنا بفاقدي القيم، لزام علينا استبدال كلمة الثورة بكلمة الحرب. عندها نستطيع ان نتصالح مع انفسنا ونخرج من زجاجة كلها بات عنقاً، ونبعد انفسنا عن تشوه المفاهيم ولا نكون مجحفين بحق مفهوم الثورة ومقصرين في واجبنا تجاه الحرب المشتعلة في سوريا. مااردت قوله قبل الخوض في موضوع دخول جيش النظام إلى عفرين، هي أنه علينا ان نكون قليلي التناقض مفاهيمياً، ونعيد النظر في المسميات.
الإعلام العربي الذي لم يجد نفسه محايداً أمام الازمة السورية، فرض صيغ قيمية لا يمكن أن تتحقق على أرض سوريا، تبقى مصرة على طوباوية المفاهيم وبذلك تغتال الواقع المعاش سياسياً وعسكرياً، قيدت المفاهيم ولم تطورها منذ سبع سنوات. وأكثر فكر تصدع بتقييد هذه المفاهيم هو الفكر الكوردي.
منذ أكثر من شهر تتعرض عفرين لهجوم من الطرف التركي وهي الدولة التي اختصر الاعلام العربي كل مفاهيم الخلاص (للثورة) في حضرتها، ويشاركها في ذلك الهجوم رمز اساسي من رموز ايديولوجية الثورة السورية “إن جاز التعبير” الا وهو الجيش الحر. ويعتبر ذلك أول ارتداد فكري في الوسط الشعبي الكوردي، فالمجلس الوطني الكوردي شهد اكبر تخبط واهتزاز في قواعده منذ نشأته، فسياسيي المجلس الكوردي بقوا متمسكين بالمفاهيم الثورية المشوهة على الرغم من عدم قناعتهم بصلاحيتها، ولكن التشوه العام للمفاهيم والمصطلحات اجازت وسوغت لهم البقاء على موقفهم، فجملة الثورة مستمرة حتى سقوط النظام بفضفاضيتها نسفت كل الضوابط والمعايير. أيضاً يبقى المتحكم الوحيد هو الاعلام العربي، فهو الذي يمنح المعارضة (العربية) بأن تقول للكوردي: سأقتلك، وإن استعنت بمن في الداخل فأنت خائن للثورة، وإن استعنت بمن في الخارج فأنت انفصالي. ولم يسلم الكورد الذين تبنوا الخط الثالث في (الثورة) من هذا التمييع الاعلامي للمفاهيم، وهنا اشير إلى حزب الاتحاد الديموقراطي، فقبل يومين ظهر الناطق الرسمي باسم وحدات حماية الشعب نوري محمود على قناة الحدث العربية أمام مذيعة (لا تُعرف بحنكتها السياسية) وكان التخبط والاطراب الذي عاناه السيد محمود وهو يجيب عن سؤالها: هل الجيش السوري دخل منطقة عفرين؟  يشرح مدى صعوبة موقفه أمام الالة الاعلامية وهو يردد كالببغاء (دون أي احساس بما يقوله) جُمل وهي: الدولة السورية لديها سيادة ولها الحق في حماية حدودها، والحكومة السورية هي الممثلة الشرعية في الامم المتحدة. ذات المعاناة، عاناه الرئيس المشترك السابق لحزب الاتحاد الديموقراطي السيد صالح مسلم في مقابلة على القناة الالمانية، أيضاً كان لديه جمل منتقات، فقط عليه أن يلقيها من فمه، وهو يقول: الحكومة السورية هي الممثلة في الامم المتحدة ونحن اتفقنا معها عسكريا وليس سياسياً. دون أن يتجرأ أحد منهم أن يقول: نحن لسنا في ثورة بل نحن في حرب، والحرب تبيح كل شيء.
عفرين هي الأن منطقة الممكن، كل شيء من الممكن أن يحمي شعب عفرين هو الأصح، فحماية البشر هي غاية الثورات، والسياسة فن في الممكنات لحماية القيمة البشرية. ويبقى العتب الاكبر على الآلة الإعلامية الكوردية التي اصطبغت بالصبغة الحزبية لتبقي الشعب الكوردي متاحاً أمام التوجه الإعلامي العربي المتفنن في تغيير القيم والمعايير حسب أهوائها ومصالحها العربية، ساعية إلى بناء شعبها وصهر ماتبقى من الشعوب الأخرى في ايديولوجيتها.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…