العدوان التركي على عفرين: صفقة مكتملة بمقاييس دولية

إبراهيم اليوسف
لم تقدم تركيا على العملية التي سمتها ب”غصن الزيتون” إلا بعد أن استكملت ما يلزمها من موافقات الجهات الدولية، لاسيما: أمريكا وروسيا وإيران بالإضافة إلى النظام السوري، وكان انتظار هذه الموافقات سبباً في انتظارها مدة طويلة بعد تأسيس كانتون عفرين، كأحد الكانتونات الثلاثة في المناطق الكردية في سوريا، ناهيك عن أنها وفقت إلى حد بعيد في اختيار التوقيت الزمني المناسب لعدوانها، وكان ذلك بعيد سقوط داعش، و انتكاسة كركوك، وانحسار الاهتمام الدولي بالكرد، كما ظهر، للأسف، ناهيك عن نجاح تركيا في- بروفتها العدوانية الأولى- عندما شاركت في حصار إقليم كردستان إلى جانب إيران وحكومة بغداد، وإن بطريقة ناعمة، كما يمكن أن يقال.
ولا يخفي على أحد أن تسمية عملية ما سميت ب”بغصن الزيتون”  جاءت من سببين رئيسيين، أولهما اشتهار منطقة عفرين بإنتاج الزيتون، وثانيهما رمزية غصن الزيتون كرمز للسلام والتي تعود إلى أسطورة- سفينة نوح- و سردية حمامة البشارة، وهو ما يكاد يروي غرور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تصوراته الشخصية حول مكانته، ومستقبله، وطموحه في توسيع حدود مكانه، لاسيما بعد أن بات يسمع أصواتاً سورية متهافتة نتيجة إغراءاته لأصحابها، بأن يتم ضم سوريا كاملة إلى تركيا، وهذا ما تم طرحه منذ بداية الثورة السورية من لدن بعض تلك الأوساط!
كشف العدوان التركي على عفرين اللثام عن الكثير من الأمور، في مطلعها أن الأسرة الدولية تعيش في أسوأ مراحل تضامنها الإنساني، وأن الضمير الغربي الذي عول عليه الكرد يعيش في سبات، وتظهر المفارقة أكثر عندما يقارن أحدنا بين صورتين للغربي  في تعامله مع الكردي، وذلك قبل هزيمة داعش وبعدها، وفي هذا ما ينسف مصداقية صورته، فقد بدا في الأمس، مستكيناً، مراقباً، لغزو كركوك من قبل الميليشات التي انقضت عليها، بعد اكتمال” صفقة المؤامرة ” وهو ما يتكرر، الآن، في عفرين، وفق سيناريو مماثل، كما أنه يوجه رسالة للكرد الذين تم تكريس فرقتهم و تمزيقهم، على نحو أكبر، منذ أن تم الاهتمام الدولي بقوات” ي ب ك” و” ي ب ج” التي باتت تسير وفق بوصلات داعميها الدوليين الذين لا يحركون ساكناً، إزاء ما يحدث من قتل للمدنيين، ودمار، وتشريد لأبناء منطقة عفرين التي كانت مأوى لحوالي  نصف مليون سوري، قاسموهم سكناهم، ولقمتهم، بالرغم من الحصار القائم عليها.
وقد يكون أهم ما في هذه الرسالة الكردية أنهم مروا بأعظم خديعة في تاريخهم، على أيدي الغرب الذي كان وراء الكثير من الويلات التي لحقت بهم، لاسيما منذ انهيار دولة” الرَّجل المريض” ورسم خريطة جديدة للمنطقة، تم خلالها تجاهل  حق واستحقاقات الكرد، وتركهم فريسة لمن اقتسموا جغرافيتهم، وتمت ولاتزال محاولات صهرهم في بوتقات التتريك، والتفريس، والتعريب، وكانت تركيا أكثر من تمكنت من محاربة لغتهم، وتاريخهم، ووجودهم، إذ إنه بات هناك الملايين من الشباب الكردي في العديد من المدن التركية الكبرى لايتقن لغته الأم، أحد أهم مقوماته القومية.!
ولا يحتاج الكردي إلى الكثير من التأمل في المشهد الحالي، ليتوصل إلى إجابة عن السؤال المطروح” ما العمل؟” مفادها أن لا حل لحل أزمة قضيته سوى تجاوز إرث الخلاف والاختلاف الداخليين، معروفي أسباب النشأة اللذين كانا وراء تبديد كلمته وهيبته، غير أن هذا الحل يبدو الآن أكثر صعوبة، بسبب ما نجم عن مرحلة الخلافات السابقة، لاسيما التي تمت بعيد الثورة السورية، وكان سببها-غالباً- توجيه دفة الاتحاد الديمقراطي، من  خارجه، وهو ما رتب الكثير من النتائج الكارثية التي لم يبال بها كرد سوريا، وإنما وقفوا ويقفون معه، بكل ما يتاح لهم، لمواجهة العدوان التركي الضاري الذي لا مسوغ له، إلا حرص تركيا على ألا يكون للكرد، أي حضور دولتي، ولو خارج أراضيهم، لأن ذلك يشكل تهديداً لها، باعتبارها تبتلع الجزء الأكبر من خريطة كردستان الكبرى المتفق عليها.
ويبدو أنه من ترتيبات الاتفاق الدولي الذي أقدمت تركيا على عدوانها الأخير على عفرين فرض صمت إعلامي مشين على المذبحة المفتوحة ، بالرغم من استبسال المقاتل الكردي الذي  أفشل تحالف الجيش التركي والفصائل العسكرية الدخيلة على” الجيش الحر” والتي باتت تحول بندقيتها من كتف إلى كتف من دون حرج، وقد لا تكون لديها أية مشكلة حتى في دعم قوات” قسد” لو أمنت لها ما تحصل عليه من جراء انخراطها في هذا العدوان، وبالرغم من التقديم البطيء لهذه القوات إلا أنها تمارس وحشية لا تقل عن وحشية تنظيم داعش أنى حلت، كما حدث في جنديرس وحمام، حيث ارتكبت جرائم فظيعة تندى لها البشرية. هذا الصمت الإعلامي يمكن العدوان من الاستمراء في مواصلة وحشيته، كاتماً صوت الضحية، بعكس ما وجدناه أثناء حرب كوباني، على سبيل المثال، وفي هذا ما يؤكد تواطؤ الإعلام الغربي نفسه، إبان هذا العدوان الظالم.
 
* من سلسلة مقالات كتبت عن العدوان التركي على عفرين في أيامه الأولى

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…