امتحان عفرين وإعادة ترتيب العلاقات ضمن المعارضة السورية

إبراهيم اليوسف
بينت الرسالة التي وجهتها قيادة الائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية للمجلس الوطني الكردي مدى شساعة البون بين تفكير سوريي الائتلاف وكرده، إذ كانت وجهات النظر، المختلفة، فيما قبل ممكنة التساير، بعكس ما آلت إليه الأمور، الآن، إذ بلغت الأزمة بينهما”أوجها”، نتيجة تطورات العدوان على عفرين، إذ كانت للمكون الكردي في هذه المؤسسة وجهة نظرها في أكثر من مناسبة سابقة، وكان الائتلاف يتقبل ذلك على مضض، إلا أن امتحان عفرين أسقط ورقة التوت عن حقيقة العلاقة، غير الراسخة، بين الطرفين، إذ  طالما كانت هنالك اختلافات في الرؤى والتفكير والممارسة، لاسيما في ما يتعلق الموقف من بعض القضايا والمسائل الشائكة التي تتعلق بالموقف مما يجري في المناطق الكردية في سوريا. 
حيث اعتاد الائتلاف على ابتلاع شوك بعض التباينات في وجهات النظر، وكان يحاول استيعابها، جاهداً، ومرد ذلك أنه  إ دأب على إصدار بياناته” ذات الحساسية تجاه الكرد” من مطبخه”التركي”، من دون مراجعة الكتلة الكردية، كما كان يفعل المجلس الوطني السوري الذي بني الائتلاف على أنقاضه، عبر ولادة قيصرية تمت في الدوحة  في العام2012،  ليتوسع ويضم فصائل جديدة، ويتم الاتفاق الدولي عليه، قبل أن يترك هو الآخر لمصيره، لاسيما بعد أن دبَّ في جسده الفساد، وبات  يضم في صفوفه كثيرين من وجوهه التي لا تختلف في تفكيرها عن النظام السوري، إلا في ما يتعلق بحلمها أن تكون بديلة عن النظام في إدارة كرسيه، على حساب نهردماء السوريين الأبرياء، إذ لم يكن قبول أكثر أعضائه على أسس راسخة، وهناك أطراف سياسية افتراضية- من مكوناته ولدت في بضع دقائق، وأقامت مؤتمراتها، كما هو حال أسماء غدت ذات ثقل، دون أن يكون لها أي تأثير ميداني.
وإذا كان المجلس الوطني الكردي قد اتفق مع الائتلاف على نقاط سياسية عديدة تضمن حقوق الشعب الكردي، في سوريا المستقبل، كما نصت على ذلك تعهدات الحد الأدنى المتفق عليها، من طموحات الكرد السوريين، فإن ذلك  قد تم نتيجة رؤية الحركة الكردية بضرورة الحضور الكردي في واجهات المعارضة السورية الوطنية، إلا أن تخبطات بوصلة الائتلاف، لاسيما في المحطات التي تتعلق بالموقف من الدم الكردي، أحرجته مرات عدة، إذ لا يفتأ الائتلاف يواصل  دعمه وتبنيه للفصائل الراديكالية، وحتى بعض  الفصائل المسماة بالمعتدلة التي لا تختلف في صميمها عنها، إلا في ما يتعلق بالإعلان عن وحشيتها، ولقد رأينا أن الائتلاف قد تبنى جبهة النصرة، وخصص إحدى الجمعات التي سماها ب” جمعة لا إرهاب إلا إرهاب الأسد” ردتً خلالها على تصنيف أمريكا للنصرة كمنظمة إرهابية، ولا تختلف عن هذا التنظيم وداعش فصائل ك”نورالدين الزنكي” التي قطعت رؤوس ضحاياها، والتي تشارك الآن في العدوان على عفرين، كما” أحرار الشام” التي عرضت نساء علويات-للأسف- في الأقفاص، ضمن إطار ممارسات الانتقام من النظام، وتطول قائمة هذه الفصائل ذات السجل الأسود من جهة الانتهاكات، وقد ذكرت صحيفة  “الاندبندنت” البريطانية  قبل أيام أن تركيا تستخدم عناصر من داعش في حرب عفرين؟!
تم تفسير رسالة الائتلاف التي أرسلها في يوم8-2-2018 على أنها تتوخى أمرين: رضوخ المجلس الوطني الكردي أمام تركيا أو طلاقه مع الائتلاف، لاسيما إنه طلب إليه الاعتراف بأن حزب العمال الكردستاني والاتحاد الديمقراطي تنظيمان إرهابيان، وشرعنة العدوان التركي على عفرين، ومطالبة الائتلاف المجلس الكردي عدم إطلاق صفة العدوان على- عملية غصن الزيتون-  بل طالبه بلقاء عاجل، اعتبره كثيرون من وجوه المجلس الكردي بأنه لا يختلف عن استدعاءات النظام السوري السابق لمن يراد استجوابهم!!!!؟
ومن المعروف أن المجلس الوطني الكردي لم ينضم إلى المجلس الوطني السوري، إلا أنه انضم إلى الائتلاف الذي تهيمن عليه جماعة الأخوان المسلمين وبعض الأطراف السياسية القومية والعلمانية التي تلتقي في الموقف من الكرد، ولم تختلف-غالباً- في موقفها من الكرد، كما أن الوثيقة التي اعترف بها المجلس الوطني بخصوص الموقف من القضية الكردية في سوريا” تونس أواخر2011″ تبزُّ وثيقة الائتلاف من حيث أهميتها، وطبيعي، أن كرد سوريا وقفوا مع الثورة السورية، منذ بدايتها، وقد تضامنت مدن: عامودا- قامشلي- كوباني- عفرين” مع مدينة درعا في الأسابيع الأولى من بدء الثورة السورية، وتم اعتقال الكثيرين من الشباب الكردي على امتداد خريطة البلاد، ولايزال كثيرون من الناشطين الكرد في سجون البلاد، مجهولي المصير؟!
حقيقة، إنه خلال السنوات السبع الماضية مرت العلاقة بين المكونين العربي والكردي بأزمات عديدة، كان يتم استيعابها، وذلك على حساب جماهيرية- المجلس الوطني الكردي- الذي كان يؤكد على ضرورة العمل مع أحد أبرز واجهات المعارضة، على رغم الهوة بين الطرفين في عدد من المسائل، إلا أن تركيا- كما يبدو- لم تعد تقبل حتى بتفاهمات الحد الأدنى لأنها ستحاول تأزيم العلاقة بين الكرد والعرب، بما يخدم المخطط الذي يشتغل عليه الرئيس التركي أردوغان، وهذا ما يجعل الأيام المقبلة حبلى بالمفاجآت، لأن الأمانة العامة للمجلس الكردي، لابد ستخرج في اجتماعها الاستثنائي العاجل، لحسم الارتباط الشكلي بين هاتين الجهتين، لاسيما أن الشرخ بين الائتلاف التركي، والكرد بعامة، بات يزداد إلى الحد الذي يستعصى على أي شرخ.
وإذا كان المجلس الكردي يمثل أغلبية كرد سوريا الذين باتوا يؤكدون على شعار: عفرين أولاً، على رغم كل خلاف بين الاتحاد الديمقراطي والمجلس، وجمهوره العريض، إلا أن سجون الاتحاد لاتزال تعجُّ بمعتقلي المجلس الكردي، وأن حملة الاعتقالات بحق الكرد من قبله لما تزل مستمرة، وفي هذا تحد لابد من تفهمه من قبل الاتحاد، للكف عن ممارسة سياساته الخاطئة بحق كرده، كما تفرض ذلك إرادة الشعب الكردي، باعتبار عدوان عفرين لا يستهدفه- فحسب- بل هو يستهدف الوجود الكردي، وهو رسالة أردوغانية لكرد تركيا الذين يقارب عددهم الثلاثين مليوناً، كما هو رسالة لكرد العراق وإيران، على حد سواء. إن عفرين- بهذا المعنى- امتحان الكردي للكردي، وامتحان الكردي لشركائه، وامتحانه للعالم الذي لم ير فيه إلا أداة لتحقيق مصالحه، كما فعلت أمريكا وكما تفعل روسيا..!؟

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…