كوردستان: كل الدروب صوب الاستقلال

جان كورد 
منذ بدء العدوان التركي على منطقة عفرين الكوردية الآمنة، ومساهمة الفصائل المسلحة المتطرفة العربية التي تضم إرهابيين من شتى الأنحاء كمرتزقة فيه، يتضح مدى حقد وكره الحكومات المستبدة بأمتنا الكوردية على كل ما هو كوردي أينما كان، إذ بالنظر والاستماع إلى غالبية الإعلام العربي والتركي يلاحظ المرء بوضوح أن الشارعين التركي والعربي مشحونان بشكلٍ تام بالحقد والكراهية على هذه الأمة، لدرجة أن عبارات “الكفار الكورد” و”أعداء الإسلام”  و”عملاء أمريكا” تتردد على ألسنة الكثيرين من السياسيين والإعلاميين و”المجاهدين” الذين هربوا من مواجهة “شبيحة الأسد وحزب الله” ليتطوعوا كطلائع “الفتح الإسلامي!” لثاني أكبر جيشٍ من جيش الناتو الذي أعلنها حرب تدمير للمنطقة الكوردية (عفرين)، هذه المنطقة التي كانت طوال الحرب السورية منيعة في وجه الإرهابيين وحضناً دافئاً لمئات الألوف من اللاجئين من مختلف المكونات السورية، القومية والدينية، وليبدؤوا عمليات السطو والنهب لكل ممتلكات الكورد، في وضح النهار، وتحت إشراف الشيوخ ومن سموا أنفسهم “أحرار ومجاهدي سوريا”. 
 والجميع يعلمون أن تركيا التي تقصف مركز مدينة (عفرين) لا تزال عضواً من حلف الناتو وليس شعب المنطقة الكوردية. كما يتذكرون أن تركيا ناصبت الأسد العداء لأنه قصف المدن السورية الآمنة، وقالت ذات الشيء عن غزة الفلسطينية من قبل، وها هي تمارس نفس النهج العدواني على المدنيين وسط أدعية الاسلاميين.
هذا الوضع اللاإنساني، الإجرامي – الإرهابي، يلقى مع الأسف تأييداً واسعاً في الشارعين العربي والتركي، من قبل “الاسلامويين” و”القوميين” على حدٍ سواء، مع التأكيد على أن الشارع الفارسي لا يقل حقداً على الكورد عنهما، إلاّ أن الإعلام الإيراني الخاضعٌ تماماً لحكومة طهران له شؤون أخرى تشغله اليوم أكثر من (عفرين)، وما انتقادها للهجوم التركي إلاّ لإعادة المنطقة إلى جيوب الأسد وللاستيلاء على الساحة الكوردستانية ولتسخير الكورد وقواهم في أي حربٍ قادمة ولمصلحة نظامهم الرافض لأي حقٍ قومي للأمة الكوردية. 
ومن نكد الدهر أن نجد اليوم أبناء أقلياتٍ لا وجود ديموغرافي لها في منطقة (عفرين)، ومنها التركمان والآثوريين شرعوا يتحدثون عن كون المنطقة ملك تاريخي لهم وأنهم أصحابها الحقيقيون، بل إن رئيس الجمهورية التركية الذي يعتبر نفسه “الخليفة” المرتقب لكافة المسلمين يقول بأن نسبة الكورد في المنطقة لا تزيد عن 53% ولا أدري هل يستغفر ربه عندما بسجد على هذا الزعم الذي لا أساس له من الصحة أم لا.
ومن المؤسف أن المجتمع الدولي يسمح لتركيا أن تمارس أفظع الانتهاكات ضد المدنيين والبنى التحتية للمنطقة وكل وسائل العيش والصحة، ومراكز توليد الكهرباء وتنقية الماء، وتقتل طائراتها ومدافعها المواطنين المسالمين في بيوتهم، في حين أن علماء المسلمين يدعون لجيش الناتو (المحمد جيك) بالنصر على الكورد في حربٍ غير متكافئة، وهذا قعر الانحطاط الخلقي في العالم الإسلامي، ويفضح سلوك الذين يصدرون فتاويهم بدوافع سياسية أو قومية أو لأسباب شخصية ومالية مثل الجوقة الإسلامية القرضاوية –  القره داغية في قطر. 
في مثل هذه الظروف، وبعد تذكّر ما جرى سابقاً في مدن كوردية أخرى، في غرب وجنوب كوردستان، وعمليات قصف مناطق الحدود التركية – العراقية كلما شاء جنرالات تركيا، إضافة إلى لهجة رئيس الوزراء العراقي الدكتور حيدر العبادي المصاب بغرور العظمة والذي في حقيقة الأمر لا يعترف بوجود إقليم جنوب كوردستان رغم أنه مثبت دستورياً، يجد المر نفسه أمام حقيقتين:
لقد أصبح الكورد يفكرون في كل مكان بأنهم فعلاً “أمةٌ واحدة، مظلومة، يتكالب عليها كل الأعداء ويتعاونون من أجل قهرها وتدمير ذاتها، ولا يكترث بوجودها وحقوقها أحدٌ، ومن يمد لها يد المساعدة فعلى الأغلب من أجل صون مصالحه واستراتيجيته وسياسته، إذ كيف تدهم الولايات المتحدة الأمريكية (قسد) شرق الفرات وتسمح لتركيا بقصف مواقعها بلا رحمة في غرب الفرات؟ وعلى الحركة السياسية – الثقافية لهذه الأمة أن تفكّر كوردستانياً وتعيد النظر في مناهجها وبرامجها على أساس أن الوحدة القومية باتت ضرورةً لبقائها قيد الحياة في هذا العالم غير المبالي بحقوق الشعوب والإنسان، فكل الدروب التي نسلكها تقودنا في النهاية صوب الاستقلال، لذا فنعمل من أجله عوضاً عن التشتت والتيه في الدروب التي لم تجلب لنا سوى الدمار والهزائم. فهل هناك أمة في العالم تحارب بجزءٍ من قواها وتجعل دماء شبابها رخيصةً لأهدافٍ غير حريتها واستقلالها؟ 
من أجل تغيير حقيقي في مجمل العمل السياسي الكوردستاني يجب السعي لردم الخلافات الداخلية والجانبية والثانوية بين مختلف الفصائل العاملة في شتى أنحاء كوردستان وفي المهاجر دون بطء أو تردد، وعقد اجتماع طارئ موسّعٍ لزعماء وقادة الحركات السياسية – الثقافية لبحث الأسس الضرورية للبدء بعملٍ مشترك جاد، ووضع الاديلوجيات والتعصب الحزبي جانباً لأن الأمة الكوردستانية كلها مستهدفة اليوم، أكثر من أي وقتٍ مضى.   
وليكن الله عوناً لشعبنا في جبل الكورد (عفرين) وفي كل كوردستان وليدحر الظالمين المعتدين.
          ‏14‏ شباط‏، 2018
facebook:kurdax.net                          kurdaxi@live.com           

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…