الكُردي بوصفه حيواناً

 ابراهيم محمود
في لحظة غفلة، أطلق خيالي المحموم العنان لنفسه، وعلى غير جرْي العادة، كما هو الجاري واقعاً، دفع بالكردي إلى خانة الحيوان، شعوراً منه أنه يخفّف من وطأة الواقع الملتهب. ليجري ما ليس في الحسبان في الإثر، وهو أن احتجاجات كثيرة اجتاحت مناطق مختلفة من العالم لإعادة الأمور إلى نصابها، لأن مجرد اعتبار الكردي حيواناً، يعني- في الحال- خللاً في النظام الحيوي والبيئي، وبلبلة مضاعفة ليس في مقدور أي قوة عالمية، حتى لو كانت ترامبية أو بوتينية، التصدي لها أو استعادة الوضعية السابقة. إذ إنه في ضوء هذه الحالة غير المسبوقة، لا بد من اتخاذ التالي:
1-إيجاد أمكنة خاصة تستوعب هذا الفائض ” الحيواني ” الجديد، وفي أمكنة مختلفة، غير أماكن تواجد الكرد.
2- ضرورة ظهور منظمات دولية حيوانية مستحدثة تعطي اعتباراً لهذا الحيوان وترعاه وتصنفه كما ينبغي.
3- إجراء فحوصات دقيقة له، ومن ثم تسليط الأضواء عليه ليتم التعرف عليه عن قرب من قبل العالم أجمع، كأي حيوان له اعتباره المعترَف به.
4- لا بد من تأمين احتياجاته ذات الصفة الحيوانية الخاصة، وهو بهذه الكمية الهائلة عدا عن مساحة انتشاره .
أما من ناحية الاحتجاجات وصرخات الاستنكار لهذا الإخلال المريع بالنظام الحيوي والبيئي فمردّها نقاط عديدة:
أولاً، سوف يخلّف هذا التحويل النوعي فراغاً كبيراً في المجتمع، ليس في مقدور أي قوة اجتماعية أو سياسية سدّه، وهذا من شأنه تعريض العالم أجمع لأكثر من كارثة حيوية وسياسية واجتماعية، وكما أشير إلى ذلك بداية أيضاً.
ثانياً، يحتاج هذا العدد الكبير من ” الحيوانات ” إلى رعاية خاصة، وتخصيص عدد كبير بالمقابل من المشرفين، عدا عن الأجهزة والأدوات المساعدة على حساب حيوانات أخرى بالتأكيد.
ثالثاً، إن طريقة تربية هذا ” الحيوان ” المعلَن حديثاً عن اسمه، ومن ثم ذبحه وإعداده للطبخ، هي الأخرى تتطلب فترة من الزمن، عدا عن التمهيد لطرحه لحمه ومشتقاته الآخرى في الأسواق المحلية وحتى العالمية، وهي عملية مكلفة إلى حد كبير.
رابعاً، وهذه هي النقطة الأهم، وهي أن مجرد الإعلان عن وجود حيوان جديد، وما يخلفه من فراغ نوعي في المجتمع، فإن نسبة العنف سوف تزداد، ولن يكون هناك من يمكنه تخفيف حدته بديلاً عنه، أي لحظة اعتبار الكردي حيواناً وحتى ذبحه كأي حيوان، بينما في الحالة الأولى، وهو في مقام الإنسان، ولكنه دون مقاماً، ويمكن التصرف به، ذبحاً أو تمثيلاً فيه، وخصوصاً في الدول التي ترى في النيل منه وهي تسلط الأضواء عليه مجالاً لخفض التوتر، وتصريف عنفها، فإنه في الحالة هذه وحدها، يمكن أن يحول دون ظهور العنف الفائض، وهي عبارة عن معادلة لا يعرف محتواها، إلا من يرفض الاعتراف به إنساناً كسواه، أي على أنه خارج التقويم الإنساني، وربما بالطريقة هذه يمكن الربط بين وجوه العنف الدموية المركَّزة عليه وأمام أنظار العالم، وكيفية التغاضي عما يجري بحقه غير المصنَّف هنا وهناك دولياً.
هنا، جفلت وأنا منجرف في تيار خيالي المحموم، وتملكتني رعشة رهيبة، استعدت وعيي السابق، وأنا مطروح بين شقّي سوال: في المسافة الممتدة بين الإنسان والحيوان أين يتمركز الكردي في العُرف الجاري بحقه، وكيف يتمركز؟ 
حتى الآن لم أجد جواباً لهذا السؤال !
دهوك-في 14-2/2018 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

فرحان مرعي هل القضية الكردية قضية إنسانية عاطفية أم قضية سياسية؟ بعد أن (تنورز) العالم في نوروز هذا َالعام ٢٠٢٥م والذي كان بحقّ عاماً كردياً بامتياز. جميل أن نورد هنا أن نوروز قد أضيف إلى قائمة التراث الإنساني من قبل منظمة اليونسكو عام ٢٠١٠- مما يوحي تسويقه سياحياً – عالمياً فأصبح العالم يتكلم كوردي، كما أصبح الكرد ظاهرة عالمية وموضوع…

شيركوه كنعان عكيد تتميز سوريا كما يعرف الجميع بتنوعها القومي والديني وكذلك الطائفي، هذا التنوع الذي استطاعت السلطة البائدة أن تبقيه تحت السيطرة والتحكم لعقود طويلة في ظل سياسة طائفية غير معلنة، ورغم أن علاقة الدين بالدولة بقيت متشابكة، إلا أنها لم تصل إلى حد هيمنة العقلية الدينية أو الطائفية على مؤسسات الدولة بصورة صريحة. أدى ذلك الوضع تدريجيًا إلى…

علي جزيري نشرت جريدة قاسيون، في الخميس المصادف في 17 نيسان 2025 مقالاً تحت عنوان: “لماذا نحن ضد الفيدرالية؟” انتهج القائمون عليها سياسة الكيل بمكيالين البائسة بغية تسويق حجتهم تلك، فراحوا يبرّرون تارة الفيدرالية في بلدان تحت زعم اتساع مساحتها، ويستثنون سوريا لصغر مساحتها…! وتارة أخرى يدّعون أن سويسرا ذات (أنموذج تركيبي)، يليق بها ثوب الفيدرالية، أما سوريا فلا تناسبها…

صلاح عمر منذ أن خُطّت أولى مبادئ القانون الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، ترسخ في الوعي الإنساني أن الشعوب لا تُقاس بعددها ولا بحدودها، بل بكرامتها وحقها في تقرير مصيرها. ومنذ ذلك الحين، أُقرّ أن لكل شعب الحق في أن يختار شكله السياسي، وأن ينظّم حياته وفق هويته وتاريخه وثقافته. هذا المبدأ لم يُولد من رحم القوة، بل من عمق…