عمر ملا
لا يمكننا التصور أن القيادة التركية غبية إلى درجة أنهم سيقومون بإتخاذ قرار قصف و اجتياح عفرين مع التغييرات القائمة في المنطقة دون ضمان عاملين رئيسيين:
الأول: أن تكون مصلحة تركيا التي ستتحقق من وراء القصف أكبر من خسارتها التي قد تنتج عن مثل هكذا عملية حيث أنها و بكل تأكيد ستكون على حساب إعادة توطيد علاقتها مع نظام بشار الأسد السفاح.
الثاني: أن عملية جريئة لقتل الأبرياء في مثل هذا الظرف الحرج الذي تمر به دول المنطقة ككل لا يمكن أن تمنح له الإشارة الخضراء ما لم تحصل مسبقا على غطاء دولي من الدول الراعية للسلام المزعوم في سوريا وفي مقدمتها أمريكا و روسيا التي بدت مواقفها من الهجوم الأخير على عفرين وكأنهما الآن خارج نطاق التاريخ و الجغرافيا.. نتيجة هذه المواقف المنبطحة لهاتين الدولتين ستحاول تركيا إستثمار عدة نقاط:
أولا: كوردستان ما زالت أوضاعها السياسية و الإقتصادية مضطربة إلى حد ما و في حالة مد وجزر مع حكومة بغداد.. كما أن عدم الوصول إلى إتفاق شراكة حقيقية على أرض الواقع وظروف المرحلة لا تسمح لحكومة و شعب كوردستان بالإنفجار في وجه تركيا لوقف عدوانها على كوردستان سوريا بالمحصلة هي مكبلة اليدين و حتى الرجلين..
وفي نفس الوقت من وجهة نظري فإن قيادة كوردستان ملزمة أخلاقيا بحماية شعب كوردستان سوريا كإمتداد طبيعي وثقافي وسياسي و بحكم أخوة الدم يفرض على حكومة كوردستان تحمل المسؤولية في حماية أبناء كوردستان سوريا من ألة الحرب التركية التي تتحرك بسبب أو بدون.
ثانيا: لا شك أن الحرب على عفرين تصرف الأنظار جزئيا عن ما يحدث في سوريا ولا يمكن لتركيا أن تقدم هذه الخدمة للنظام القمعي في سوريا بدون ثمن وفي الغالب فإن ذلك الثمن لن يكون أقل من ضمان التنازل عن مناطق لصالح مرتزقتها مقابل السير في إتجاه إنهاء وجود مسلحي البيدي في المناطق الحدودية ليبسط النظام سيطرته على المنافذ و النقاط الحدودية..
ثالثا: عند نجاح العملية العسكرية و تحقيق أهدافها سيعمل الأتراك على توطين العرب على تخوم مدينة عفرين و محاولة قطع أوصالها عن البحر مقابل حصولهم على تعويض مادي و حماية..
أما مدينة عفرين فإنها ستكون عبارة عن تحصيل حاصل قد يتم إخضاعها كورقة للتفاوض مع النظام أو مع أمريكا وفي أفضل الإحتمالات فقد يتم الإتفاق على بقاءها مدينة تحت الإشراف التركي .. هذا إذا لم تكون هذه الخطوة تمهيدية في إنتظار فرصة أخرى لتحويلها إلى مدينة تركية..
وبهذا ستكون كوردستان في أدراج التاريخ كقصة حلم دولة شاخت وهي بإنتظار موعد ولادتها فهرمت وتآكلت وأصبحت في عداد الماضي وهنا ستطمئن الأنظمة الغاصبة لكوردستان على مستقبلها بدون أي هواجس قيام دولة كوردية..
في الوقت الذي لا وجود فيه لأي رؤية إستراتيجية كوردية واضحة أو مشروع أمن قومي كوردي يقف أمام هذه التحولات الخطيرة التي تشهدها المنطقة.