وهكذا أدخل الآبوجيون الذئب التركي إلى الحظيرة الكُردية

حسين جلبي
يبحث الأتراك منذ عشرات السنين في جبال قنديل النائية كما يزعمون؛ عن مقاتلي حزب العمال الكُردستاني من أجل التخلص منهم، لكن ذلك كان دون جدوى، فقد تماهى عناصر الحزب مع الصخور الصلبة، وأصبحوا جزءاً من الجبال النائية. بدورهم فشل قادة هؤلاء المقاتلين؛ طوال أربعة عقود من عملهم المسلح في تحقيق أي شئ من أهدافعهم المعلنة، وأخذوا بالنتيجة يراوحون في مكانهم؛ ولم يعد لديهم ما يخسرونه. ضمن خطة إقليمية مؤكدة؛ وفيما بعد دولية لإنقاذ نظام الأسد من الثورة عليه، أرسل هؤلاء القادة مقاتليهم إلى المنطقة الكُردية السورية؛ المنبسطة مثل كف اليد، والمكشوفة مثل الشمس والمواجهة لتركيا، بحيث أصبحوا ببساطة هدفاً مرئياً بالعين المجرد وبالتالي سهلاً للمدافع التركية، لكنهم جعلوا من أهل المنطقة طوقاً بشرياً محيطاً بهم.
بدأت الثورة في المنطقة الكُردية في سوريا قبل سبع سنوات كما ينبغي لها أن تكون؛ تحت شعارات تطالب بالحقوق الكُردية في البلاد، ومن خلال التضامن مع السوريين؛ الذين دشنوا الثورة على نظام الأسد. لكن شعار أنصار العمال الكُردستاني منذ اليوم الأول، رداً على شعار الكُرد، وكذلك السوريين: “أسدكم يقتلنا”، كان: “أردوغانكم يقتلنا”، وهدفهم الذي أعلنوه منذ البداية كان: (القضاء على الخونة الكُرد السوريين عملاء أردوغان) وعد أنفاسهم عليهم، وخطفهم بسبب تعاطيهم الحشيش الأردوغاني وزراعته والمتاجرة به، وبالنتيجة فتح بوابات السجون لكل كُردي سوري ليس مع قائد الحزب، ولا يطالب ليل نهار باطلاق سراحه من سجنه التركي، لأنه بالضرورة مع أردوغان والنصرة وباقي المتطرفين، فمن: “ليس معنا هو ضدنا” حتماً.
منذ سبع سنوات، وهي عمر الثورة في سوريا يتحرش حزب العمال الكُردستاني بأردوغان؛ ويتجاهل حتى في إعلامه نظام الأسد المسؤول الأول عن مأساة كُرد سوريا، والذي كانت ثورة السوريين عليه سبباً لعودة الحزب إلى المنطقة، ووضع يده على الملف الكُردي فيها، مع ما استتبعه ذلك من حصوله على قوة مادية وبشرية هائلة؛ ونفوذ كبير لم يكن يحلم به. تغيرت الحياة كثيراً، لم يعد أحد يولي أهمية كبيرة للقوة العضلية، فالأصابع الناعمة التي تعبث بأزرار صغيرة؛ هي التي تحرك العالم اليوم، ولكن الجماعة الآبوجية لم تعطي لذلك بالاً، فقد ركزت حصراً على عسكرة الكُرد السوريين بعد أن سيطرت عليهم، ثم وضعتهم في قالب واحد صنعته من الخوف، بحيث أصبحوا بالنتيجة يشبهون بعضهم البعض، وأصبحوا مجرد بندقية تطلق النار في كل الاتجاهات، حتى على قدميها إذا تلقت أمراً بذلك، مقابل ذلك لم يعر الحزب للسياسة أهمية؛ ولم يسأل عن ثمن قيامه بإطلاق النار، وعندما وقعت الواقعة في عفرين، انفض من حوله الجميع وتركوا الكُرد على صفيحٍ ساخن.
الكُرد السوريون في قلب صراع مصيري الآن، وبحاجة إلى معجزة للخروج من المأزق الحالي، وذلك بعد أن تلبسهم حزب العمال الكُرستاني؛ وربط مصيرهم بمصيره، بحيث بات من الصعوبة بمكان رؤية الشعرة الفاصلة بين الطرفين. سيحاول الأتراك عمل كل ما من شأنه للقضاء على كل بارقة أمل؛ من شأنها دفع الكُرد إلى رفع رؤوسهم يوماً، والعدوان التركي على عفرين هو وجهٌ آخر؛ وإمتداد لعمليات التتريك الناجحة التي تم تنفيذها في تركيا. أما حزب العمال الكُردستاني فقد أضعف الطرف الكُردي الآخر المتمثل بالمجلس الوطني الكُردي؛ خلال رحلة سيطرته على المنطقة، بحيث أصبح المجلس مشلولاً، ولا يملك أوراقاً وازنة يلعبها في المحافل الدولية في مثل هذه الظروف، في الوقت الذي يشكل فيه الحزب نفسه واجهة غير مقبولة خاصةً في أوربا؛ ولا توجد دولة واحدة في العالم ترضى بالتعامل معه، ولعل سبب الصمت الدولي الحالي، لا بل مباركة كثير من الدول للإعتداء التركي على عفرين، هو أن الطرف الآخر في المواجهة هو حزب العمال الكُردستاني، لذلك يعتبر الإصرار الكُردي على الدفع بالحزب نحو المقدمة، والإنضواء تحت رايته انتحار جماعي لن يجلب حتى الأسف، أما المناشدات فهي لن تتجاوز صفحات الفيسبوك الكُردية المغلقة على أصحابها، وما يحدث في سوريا منذ سبعة أعوام خير دليل.
طوال سبع سنوات إذاً، سكت معظم الكُرد السوريين ـ على مضض ـ على تجاوزات حزب العمال الكُردستاني بحقهم، لا بل عاملوا منتقديه كخونة أحياناً. فقد أمن الحزب؛ من خلال انضوائه في محور نظام الأسد نوعاً من الأمان لمنطقتهم، مقارنة بالمناطق السورية الأُخرى، إذ لم يلجأ النظام إلى تدمير بيوت المواطنين الكُرد على رؤوسهم، بعد أن أمن له الحزب سيطرة مجانية عليها. لكن سلوك العمال الكُردستاني من جهة أُخرى، نتيجة لوفائه المبالغ به لتحالفه مع النظام السوري ولتاريخه؛ كان يساهم يوماً بعد آخر في إعداد المنطقة، من حيث يدري أو لا يدري، لتكون ساحة المنازلة المقبلة مع الأتراك، بحيث أصبح المواطنون الكُرد في نهاية المطاف؛ مكسر عصا بين الأسد وأردوغان، أحدهما يلوح بعصا العمال الكُردستاني في وجه الآخر، والآخر يريد تكسيرها له، وبذلك يكون حزب العمال الكُردستاني قد أخذ من الكُرد في لحظة واحدة باليسار، ما سبق له وأن لوح لهم به من أمانٍ وهمي باليمين طوال سنين، لقد أراحهم من براميل الأسد المتفجرة، ولكنه حضر الساحة لجلب مدافع أردوغان إلى عقر دارهم، وكأن هذه “الرفاهية” هي التي كانت تنقصهم؛ في ظل سلطة الحزب القمعية الشمولية.
عفرين هي الاختبار العسكري الحقيقي الأول لحزب العمال الكُردستاني في المنطقة، وهو اختبار يجري بطريقة توحي بأن الجميع يحاول إنهاء نفوذه أو تحجيمه؛ بعد إنتهاء الدور العسكري المرسوم له في سوريا، فقد تخلى عنه جميع من صفق له طويلاً، بعد أن خاض حروبهم بسهولة، وذلك ضمن خطة شاملة شارك في تنفيذها طيران أقوى دول العالم، وهو ما لا يتوفر له الآن، بل أن الأمر انقلب عقباً على رأس؛ بالنسبة للغطاء الجوي على الأقل. لم يملك الحزب خيارات كثيرة منذ بداية استلامه للمنطقة الكُردية السورية؛ سوى السير في المخطط المرسوم له دون تردد، لكنه ذهب بعيداً وتجاوز خط النهاية كثيراً؛ فانكشفت حقيقة مغامرته بمصير الكُرد في المنطقة، لذلك فهو مرغم على العودة من النقطة البعيدة التي بلغها، إلا أن خياره الأقل انتحاراً في إعادة عفرين إلى حضن النظام؛ يكاد يصبح أمنية بعيدة المنال.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…