عفرين: على أنقاض سوريّة

حازم صاغية
حين يغزو الجيش والطيران شمال سوريّة الغربيّ، يقال إنّ الأكراد وعفرين استُهدفوا بالغزو. وحين تضرب إسرائيل جنوب سوريّة، يقال إنّ إيران و «حزب الله» استُهدفا بالضرب. وحين تتمدّد إيران في سوريّة، يجري الحديث عن نقاط ومواقع وبلدات مبعثرة كما لو أنّها نفرتْ من خريطة وطنيّة جامعة.
وهذه الأوصاف، للأسف، صحيحة. آخر علامات صحّتها أنّ آلاف المقاتلين من «الجيش السوريّ الحرّ» التحقوا بالغزاة الأتراك الزاحفين من الشمال. ذاك أنّ الحرب الأهليّة بانعقادها على المطامع الإقليميّة لا تترك شيئاً من الثورة، لكنّها أيضاً لا تترك شيئاً من البلد ذاته.
والحال أنّ سوريّة لم تعد سوريّة. لقد غدت جواراً، وربّما أطرافاً، لإيران وتركيّا وإسرائيل. والدول النافذة وذات المنزع التوسّعيّ هذه تشترك في «تنظيف» نطاقها الجغرافيّ المباشر. هذا ما قد يغدو إحدى أبرز سمات المرحلة المقبلة. إنّه، بالأحرى، من أبرز سمات اليوم، يومنا هذا.
تركيّا تخوض حملتها على «جوارها»، أي الأكراد السوريّين في عفرين. إسرائيل لا تريد وجوداً عسكريّاً لإيران في جوارها الذي هو الجنوب السوريّ. لقد أرفقت رغبتها بضربات عسكريّة موجعة. إيران لا تقبل بأقلّ من نفوذ وطيد وراسخ في سوريّة، يكون امتداداً لنفوذها الوطيد والراسخ في الجوار العراقيّ المباشر.
وهذه الدول «تتفهّم» واحدتها الأخرى وتتفاهم في ما بينها. ومعها تتفاهم الدول الكبرى مثلما فعلت إبّان الهجوم على كركوك في العراق. وفي اللحظة الراهنة يبدو التعويل على الرأي العام شبيهاً بالتعويل على دوله. الخدر القوميّ يفتك بجسم المنطقة: القوى الوازنة في تركيّا مجمعة على سياسة أردوغان، والانتقادات تنحصر في التفاصيل. في 90 ألف مسجد تركيّ تُليت «سورة الفتح» وارتفع الدعاء بالنصر للجيش. عن إسرائيل، وفي صحيفة «هاآرتز»، يكتب المؤرّخ وأحد أبرز دارسي الفاشيّة، زيف سترنهِل، عن «فاشيّة نامية وعنصريّة شبيهة بـ [طور] النازيّة المبكرة»، لكنّه ينهي مقالته بأنّ «معظم الإسرائيليّين لا يبدو أنّهم قلقون». في إيران، رفعت «الثورة الخضراء» في 2009، ومن بعدها احتجاجات الأسابيع الأخيرة، مطلب الانسحاب من سوريّة وبقية المشرق. هذا الموقف، على إيجابيّاته المباشرة، يقلّ كثيراً عن المطالبة بالعدالة والحقّ لسوريّة وبقية المشرق.
والأكراد، هنا وهناك، أبرز المذنبين لأنّهم أضعف الضعفاء. في الإقليم، أجروا استفتاء فخنقهم الحصار. في سوريّة، أخطأوا بأن علّقوا صورة لعبدالله أوجلان، فهاجمتهم طائرات رجب طيّب أردوغان ودبّاباته، وانفجرت في وجوههم أشباح صدّام حسين. للتذكير، فإنّ أوجلان الإرهابيّ أسير، بل أسير مزمن.
وإذا كان انعدام الإجماعات السوريّة المصدر الأوّل لهذا البؤس الذي تنتهي إليه البلاد، فإنّ هذه التدخّلات، وآخرها التدخّل التركيّ الراهن، لا تفعل سوى إضعاف الإجماعات الضعيفة أصلاً.
لقد راهن الأسدان، حافظ وبشّار، على دور إمبراطوريّ، فحوّلا البلد ساحة للأدوار الإمبراطوريّة الأخرى. مُزّق ولم يتبقّ منه إلاّ الأنقاض والأشلاء التي يقتسمها الآخرون. وقصّة سوريّة اليوم مثل رواية ذات ألف نهاية، كلّ واحدة من تلك النهايات بداية أخرى، وكلّ بداية من تلك البدايات مأساة أخرى. وهكذا دواليك…
نقلاً عن صحيفة ” الحياة ” اللندنية ، في 23-1/ 2018 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…