الأمازيغي: يوسف بويحيى
إذا تمعنا في التجارب التاريخية من بدايتها إلى الآن بعلاقة الكورد و التحالف الدولي بالخصوص أمريكا أن الأخيرة لم تكن مع الكورد إلا على مصالحها الشخصية و ليس لعدالة القضية الكوردية و المشروع الإنساني ،تسلسل إستمر إلى ماقبل تأسيس جمهورية “مهاباد” إلى الآن.
بين فترة و ضحاها تعيش العلاقة الكوردية الأمريكية برودا عندما تنتهي مصالح أمريكا ،كما هو الحال الآن بعد القضاء على مرتزقات داعش بعدها تخلت أمريكا على الكورد بالرغم من أنه الحليف التاريخي لها ،تخاذل أمريكا في حادثة “كركوك” و المناطق الأخرى المحتلة لم تبرهن فقط على نزعة أمريكا المصلحية لأنها نقطة مكشوفة منذ عقود بل إتضح أن أمريكا بلحمها و عظمها و شحمها تعادي قيام الدولة الكوردية.
من أكبر العواقب التي لم تتجاوزها أمريكا إلى الآن هي تورطها في التعامل مع قوات البيشمركة هذه الأخيرة التي لم تترك أي مجال لأمريكا للتهرب بمكرها و خذاعها لحلفائها ،كما زاد نقد الزعيم “مسعود بارزاني” في خطابه لأمريكا و التحالف و المجتمع المدني بعد خيانة “كركوك” في كشف ما تبقى من خفايا أمريكا ،ردة فعل الكورد كان لها ثأثير كبير على حلفاء امريكا العالقين في الحرب مع إيران و المد الشيعي بصفة عامة ،أدى ذلك إلى تبعثر أوراق التحالفات و التشكيك في جدية أمريكا مما ترك الكثير يتوجه إلى إعادة النظر في علاقاته متوجها إلى الشرق و روسيا.
أمريكا تعلم جيدا موقف و اهداف قوات البيشمركة عن باقي القوى الكوردية الأخرى ،حيث أن فلسفة البيشمركة تعارض سياسة مجلس الأمن الدولي الراعي الرسمي لمعاهدة “سايكس بيكو” زيادة إلى طعن القادة الكورد في شلل المجتمع الدولي بخصوص الجرائم الإنسانية المرتكبة في حق الشعب الكوردي أدى بأمريكا و فرنسا و بريطانيا تقفن على محك مصداقيتهن أمام العالم.
قوات البيشمركة هي أعقد و أصعب حلف خلق متاعب لأمريكا عن باقي كل تحالفاتها في الشرق الأوسط و أهمها مرحلة إسقاط نظام العراق إلى داعش و بعد داعش ذلك لإقتران مشروع النهج القومي الكوردي الذي يعارض جذريا مصالح أمريكا الأساسية ،أمريكا غردت بعيدا عندما ظنت أن إفشال مشروع الإستقلال الكوردي بإسقاط كركوك لبسط كامل سيطرتها و مصالحها و كسر قوة الكورد لصالح الأنظمة الإقليمية متجاهلة أن القضية الكوردية هي بؤرة زلزال لمصالح أمريكا في كل من العراق و إيران و سوريا و تركيا.
الإنتفاضة الإيرانية التي لعب فيها إقليم كوردستان “روج هلات” دورا فعالا أثبتت للأمريكان أن الكورد مازالوا في الساحة و تخاذلهم في كركوك أكبر خطأ و فضيحة و نكسة لأمريكا ،علما أن خسارة حلف الكورد بمثابة إنتحار أمريكي بالتقسيط في ظل التصعيد الروسي و الصيني و الياباني في المنطقة ،كل ما نراه بخصوص تراجع حكومة بغداد بعد تنفيس البالون الإيرانية بالإنتفاضة على إقليم كوردستان هو نتيجة ضغط أمريكي للحوار و رفع الحصار ولو بشكل خفيف لما سيلعبه الكورد كعائق لمصالح أمريكا في الإنتخابات العراقية المقبلة و أظن موقف البارتي كان واضحا بعد بيان رفضه إجرائها في المناطق الكوردستانية المحتلة و خوضها ككيان مستقل بدون أي تحالف مع طرف عراقي تحت وصاية إيرانية أو أمريكية.
لو كانت أمريكا مقتنعة بالقضية الكوردية كقضية شعب و وطن لدعمت البيشمركة لدخول روجافا و باكور في حين تكتفي بدعم أشباه الكورد الذين لا يهمهم سوى الراتب زيادة أن أمريكا نفسها من وضعتهم في قائمة الإرهاب ،الذين رموا مشروع الدولة الكوردية ورائهم و إكتفوا بمشروع الأمة الديموقراطية الوهمية التي من مستحيلات التاريخ و الماضي و الحاضر و المستقبل تشكيلها لأنها لم تكن أبدا في يوما من الأيام.
إن تشكيل التحالف الدولي بزعامة أمريكا قوات سوريا الديموقراطية هي فقط لمصالحها الشخصية و ليس لمصالح الكورد الذين أصلا في حد ذاتهم لا يؤمنون بإقليم كوردستان في سوريا حسب قائدهم العظيم “عبد الله أوجلان” ،كما أن تأسيس إقليم في كوردستان سوريا برعاية أمريكية لن يفي بالغرض الذي يطمح له كورد روجافا مع العلم أن اغلبيتهم هجروا و أبيذوا ،كل هذا يوضح أن أمريكا تسعى للدمار و الترهيب و الحرب لذلك ترفض رفضا قاطعا عدم قبولها دعم البيشمركة التي تحمل مشروعا كورديا معتدلا مرغوب فيه من طرف الأمة الكوردية أجمع ،إن دعم التحالف الدولي للعمال الكوردستاني ككل هو بمثابة محاربة الكورد و الدولة الكوردية و محاولة تقزيم و إضعاف البيشمركة.
إذا لاحظنا جيدا أن هناك فرق كبير بين تكتيك قوات البيشمركة التي تحارب على حدود المناطق و المدن الكوردستانية حماية للشعب و الإستقرار و التحرير ،و قوات العمال الكوردستاني بكل أذيالها التي تتموقع وسط المدن و المناطق الكوردية من أجل تحويل المعركة على رؤوس المدنيين و البسطاء المساكين أي وفق ما تحبذه أمريكا و إيران و التحالف الدولي على الشعب و الوطن الكوردي.
أكبر دليل على هذا كله ما يحدث حاليا في “عفرين” بالضبط ،حيث لماذا لم تندفع قوات العمال الكوردستاني بكل أنواعها كقوات الإتحاد الديموقراطي و قوات سوريا الديموقراطية و قوات حماية الشعب إلى حدود عفرين لحماية عفرين و أهلها من الهجوم التركي ،إن كانت لا تريد الدفاع أصلا عن أهل عفرين و هذه هي الحقيقة فيجب أن تنسحب من وسط المدنيين لأن الدبابات العسكرية مكانها و مواقعها في الحدود و ليس بقرب منازل و وسط أحياء الفقراء.