د. محمود عباس
يجانب الواقع كل من يعتقد بأن القضية السورية ستحل سياسياً، ومصدقاً أن المؤتمرات المتلاحقة وذات الأسماء المختلفة ستؤدي إلى حلول مرضية، أو حتى شبه مرضية للشعب السوري.
مهما تكالبت روسيا على إقناع ذاتها قبل الذين سيحضرون مؤتمر سوتشي والذي كان مزمعاً عقده في 28-29 من هذا الشهر على ساحل البحر الأسود، بجانب منتجع الرئيس بوتين المفضل، فإنها لن تتمكن من وضع نهاية سلمية لوضع سوريا المأساوي، على خلفية جرائمها، وبقاء بشار الأسد وحاشيته، واستمراريتهما التدمير كأسلوب لإرضاخ الشعوب السورية، والاتفاقيات السرية مع بعض الفصائل الإرهابية المحسوبة على المعارضة، والتلاعب بمجريات الأحداث عن طريق التخطيط مع الدول الإقليمية، لإبراز المعارضة الانتهازية، وعقد مؤتمرات خلبيه بينهم وبين السلطة وبأسماء متنوعة (جنيف، أستانة، استانبول، رياض، قاهرة وغيرها) وكل واحدة تلغي مجموعة من المعارضة الوطنية، لتمييع القضية السورية وتعميقها وتمديدها.
مؤتمر سوتشي، ليس تكملة لجنيف ولا لاستأنه، بل هو أسلوب جديد للتلاعب بمصير الشعوب السورية، بعدما أهترت النماذج السابقة، والتي كان يخطط لهم بألا تنجح، فكل سلسلة من تلك المؤتمرات كانت تعقد لتمرير أجندات إقليمية، بمساعدة روسيا وأمريكا، على حساب الشعوب السورية، ولم تكن غايتها وضع نهاية للمآسي، ولا تشكيل حكومة مشتركة من معارضة تكفيرية مع سلطة إجرامية، كما ولا يستبعد أن يكون في المنظور البعيد نوايا روسية لكسب تركيا والخليج. ومثلهم هذا المؤتمر المزمع إخراجه من منطق المؤتمرات إلى شبه كرنفال لكل ما هب ودب من شرائح المجتمع، وبما أن أطراف من المعارضة رفضت الحضور بأمر من الأطراف الدولية الممولة لها، أو تلك التي تساندها لتمرير أجنداتها، أو التي طلبت منها سلطة الأسد بعدم الحضور، فعلى الحركة الكردية الحضور بكل قوتها، ليس إيمانا بأنها ستأتي بنتيجة للشعوب السورية، بل لتقف في وجه المخطط الإيراني_ التركي المدعوم روسياً، والاعتراض على ديمومة النظام الشمولي الحالي بمعارضتها الإسلامية التكفيرية، ورفض منطق أفضلية طرف على الأخر، أمام الرأي العام العالمي.
المشاركة الكردية، ستكون حجر عثرة، وستكون لها ثقلها فيما إذا تم تنسيق بين الأطراف المشاركة، وإلا فسيضيعون بين 2000 عضو سيتم إحضارهم إلى المؤتمر، وإذا خرجت الأطراف الكردية ببيان مشترك، صادر من الكرد، أعضاء المؤتمر ذاته، فسيكون له صداه، وسيكون موقفهم ضربة للسلطة والمعارضة الانتهازية معاً، وعلى الأغلب ستجلب الاهتمام العالمي إلى القضية السورية ومعها القضية القومية الكردية، ولا يستبعد تدخلات دبلوماسية مع روسيا من قبل تركيا وإيران وسلطة بشار الأسد للحد من عدد أعضاء الكرد في المؤتمر، تحت حجج متنوعة، واحتمالية تحركات مشابهة من قبل أطراف من المعارضة، وخاصة من الإتلاف الوطني والهيئة العليا للمفاوضات لئلا يكون هناك بديل عنهم في المؤتمر وعلى الساحة السورية.
فمن المتوقع أن تكون أغلبية الحضور من الموالين للسلطة أو معارضة السلطة للسلطة، وعلى الأغلب لقياداتهم علم بعموميات البيان الختامي الجاهز منذ شهور، وبعملية تمرير الدستور المقترح روسياً بعد مؤتمر أستانة الثاني، وهو الأفضل لمستقبل سوريا ولشعوبها حتى اللحظة، واحتمالية الاعتراض على بعض بنوده واردة، مثلما حدث سابقاً من قبل النظام، كمحاولة منها التعديل في بعض مواده، وهو ما يجب على الحركة الكردية مواجهتها، ومحاولة المساعدة على تمرير ذاك الدستور، أو عرض دستور بديل، أو إضافة مواد من دستور تم طرحة من قبل منظمة (بنيات) منذ أكثر من سنة، شارك فيها مجموعة من المثقفين الكرد وقانونيين ومختصين بصياغة الدستور.
روسيا قد تغوص في المستنقع، وستزداد أخطاؤها السياسية بعكس نجاحاتها العسكرية، وستتفاقم كراهية المجتمع السوري لها، مقابل الهيمنة شبه المطلقة على المنطقة برمتها من خلال سوريا، وإذا لم تتدارك الوضع السياسي، من خلال مؤتمر سوتشي وما بعده، فتستمر بالاعتماد على الحلول العسكرية للحفاظ على مكتسباتها في سوريا والمنطقة، خاصة بعد المشاكل التي تجتاح إيران، والتي إذا استمرت ستؤثر بشكل مباشر على هيمنتها في المنطقة، وبالتالي على الاستراتيجية الروسية. وقد ختم مؤتمر سوتشي (فيما إذا تم عقده، وقد تم تأجيله للمرة الثانية، إلى منتصف شهر شباط) بنهاية متوقعة من أغلب المراقبين السياسيين قبل أن تنتهي من الإشكاليات التي تعترض عقدها، كمواقفها في مجلس الأمن، وهي تدرك أن سوتشي ليس بأكثر من محاولة سياسية لوضع النهاية الأخيرة لأطراف المعارضة السياسية، الذين يحضرون الجنيفات، مثلما تشتغل في الساحة العسكرية للقضاء على البقية الباقية من المعارضة العسكرية وخاصة الإسلامية الراديكالية، والتي تكالبت على مؤتمرات أستانة، وفي الواقع لو كانت روسيا جادة في وضع نهاية لمآسي سوريا، لقضت على السلطة مثلما تفعلها بالمعارضة الفاسدة، وكان بإمكانها فعل ذلك على عدة محاور، من مجلس الأمن إلى الجنيفات الأولى، ولم يكن هناك من داع للأستانات، وأروقتها التي مررت من خلالها الأجندات التركية حول جنوب غربي كردستان والقضية الكردية.
ربما سيكون مؤتمر سوتشي، بمجرياتها الحالية، من أحد أهم أخطاء فلاديمير بوتين في المجال السياسي، وذلك حسب بعض مجريات الأحداث، ومنها عدم وضوح رؤية موقفها من القضية الكردية في سوريا أمام المطالب التركية المتواصلة واعتراضاتها، وعدم الانتهاء من المعارضة السورية التكفيرية المدعومة تركيا ومن دول إقليمية أخرى، ولغايات تخدم مصالح روسيا والسلطة في المنظور القريب، قبل أجندات الدول الداعمة لها، لكنها تمدد في عمر الأزمة، وبالتالي ستظل روسيا ضمن المستنقع، ووحيدة فيما لو أثرت الانتفاضات الإيرانية على أئمة ولاية الفقيه، رغم ضعف الاحتمالية الأخيرة، مع ذلك فروسيا تتخبط ما بين الكفة السياسية والعسكرية.
وللعلم فإن أخطاء بوتين السياسية بحق الشعوب السورية بدأت منذ اللحظة التي أقنع فيها حافظ الأسد بتعيين ابنه بشار خليفة له بعد مقتل ابنه باسل، التعيين الذي أدى إلى تصفيات متتالية بين قيادات البعث نفسه، أمثال رئيس الوزراء محمود الزعبي وغيره، ولربما سوف لن تنتهي بهذا المؤتمر ولا بالمؤتمرات التي ستلحقها، وهي ليست بأكثر من معادلة استمرارية الأنظمة الفاسدة، ودعم الأنظمة الدكتاتورية لسلطات مشابهة لها.
كان الأولى بروسيا قبل دخولها العسكري في سوريا، التهيئة لتشكيل معارضة وطنية، غير مرتبطة بأجندات الدول الإقليمية، التي كانت من مصلحتها تدمير سوريا، مثلما خططت لها سلطة بشار الأسد بعد أدراكه بقرب نهايته، حينها كان بإمكان روسيا إنهاء القضية بفترة زمنية قصيرة، خاصة وقد تبين ولعدة مرات بأن وجود النظام وعلى رأسه بشار الأسد ليست بإشكالية عند بوتين، ولما احتاج اليوم إلى مؤتمر سوتشي، بل ولما بلغت أعداد جنيف إلى الثمانية والقادمة منها، ولما كانت هناك مؤتمرات الأستانة.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
9-1-2018م