كوردستان و تعزيز مقومات الاستقلال .؟

قهرمان مرعان آغا
إرادة شعب كوردستان وتطلعه نحو الحرية و الاستقلال  سبقت حدث الاستفتاء بأشواط , كواقعة هزت كيانات الدول الغاصبة لكوردستان الوطن, مع أَنَّ تاريخ وقوعه بحدِّ ذاته علامة فارقة بين زمنين , لم يَعُد التمييز بين مدتيهما يتعلق بالتواريخ السابقة أو اللاحقة فحسب, بل بمقدار مع حمله من مضامين لحقيقة وجوهر قضية شعب أُلحقت أرضه التاريخية قسراً بالدول المجاورة الناشئة وتوزعت سكانه في الجهات الأربع , من جانب و مدى تآمر ومعاداة الدول الغاصبة للوجود الكوردستاني , من جانب آخر. حيث بلغ الحقد الدفين للشركاء المفترضين من المعارضة العراقية السابقة والتحالف الشيعي لاحقاً و بقايا ممثلي السنة المنتفعين و من مختلف السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية , في العراق ( الاتحادي الفيدرالي .؟ ), 
مقاييس من الإجرام و التشفي لم يألفها شعب كوردستان منذ نشوء دولة العراق منذ عشرينات القرن الماضي, فالعلاقة لم تَعد بحاجة إلى إعادة بناء الثقة في ظل وجود التشكيك والريبة والتآمر, لا بد من تصويبها نحو مسارات أخرى فوق دستورية, فهي بكل الأحوال بحاجة إلى ضامن أممي أو دولي نافذ ولن تستمر دون وجود ذلك. وعلى حكومة التحشدات الطائفية في بغداد أن تعلم جيداً بأن التحولات السياسية في هذا الشرق المضطرب غير مستقرة وقابلة للتبدّلات في كل الأوقات .
الضرورة ملحة إلى مراجعة الذات و تقصي أسباب عدم قدرة مؤسسات الإقليم ووزاراته على تجاوز المحاصصة الحزبية وعدم تَمكُّن التحالفات السياسية على الالتزام بالاتفاقات التي شكلت بموجبها الحكومات وبخاصة منذ 1998 وما تلاها . فالقضية لم تعد في مستوى ظاهرة التناحر الحزبي والهيمنة بل تعداها إلى الشرخ المجتمعي الذي يطال بدوره المنظومة الاجتماعية القيمية لشعب كوردستان و استهدافه في وحدته و مصيره المشترك , نتج عنه بروز توصيفات  ( الخيانة , التآمر , الفساد …) في الشارع الكوردستاني , ناتج عن واقع حال الحدث الفارق تاريخاً في عموم كوردستان , ليلة سقوط كركوك 16/أُكتوبر/2017  . بمعنى  ما يمارس في ظل التنافس الحزبي من تآمر , لا محالة سينعكس على الأوضاع بمجملها ولن يكون هناك منتصر و ما حدث من تخريب وإحراق للممتلكات العامة والخاصة خلال مظاهرات مدن وقصبات محافظة السليمانية , دليل إضافي على فشل سياسة الإستقواء بالأعداء ,لأن أعمال العنف المترافق مع حق التظاهر المدني يفرغه من مضامينه الأساسية في التعبير عن حرية الرأي بوسائل سلمية    . 
لذلك على القوى السياسية والمجتمعية والنخب الثقافية البحث عن مقومات تعزيز القرار المستقل بعيداً عن هيمنة الجوار الإقليمي , من خلال تصعيد الصراع مع المُسبب الحقيقي للأزمة و توجيه بوصلة الرأي العام الشعبي إليه و هي الحكومة الطائفية ( المركزية , في بغداد ) التي نسفت بعقد الشراكة (دستور 2005) دون رادع ٍ من حق أو قانون أو عرف أو تحكيم , بسبب استقوائها بالموقف الإقليمي والدولي من عملية الاستفتاء على استقلال إقليم كوردستان .
لهذا لا بد من العمل على ترتيب الأولويات للمرحلة الحالية والمقبلة تمهيداً للانتخابات البرلمانية المرتقبة في كوردستان و العراق في ربيع السنة القادمة .
والاعتراف بان المحاصصة الحزبية خلا العقدين الماضين كانت من أهم أسباب عدم تشكيل مؤسسات وطنية مالية ودفاعية كوردستانية , بعيداً عن الهيمنة الحزبية وان لعبة الديمقراطية في ظل أجواء الصراع المحموم بين مختلف التوجهات على مستوى كوردستان والعراق والإقليم قد أصابت بالفشل بسبب مواقف الدول النافذة وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية والعالم الغربي الحر والأمم المتحدة من قضية حقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها وإن هذه القضايا بمجلها رهن مشيئة مصالحها القريبة والبعيدة , لهذا لا بد من تقوية وتعزيز العامل الذاتي  القادر على حماية جسم الكيان الكوردستاني من معظم المؤثرات الداخلية والخارجية عن طريق الحكم الرشيد والتدبير العادل و الاحتكام إلى صندوق الاقتراع وتمكين القوى السياسية الفائزة بتشكيل الحكومة ورسم سياسات الوحدة الوطنية مع تمكين المعارضة بمراقبة عمل الحكومة دون تعسف في استعمال الحق من الجانبين و الالتزام بالحوار الداخلي المستدام لدفع المشروع القومي الكوردستاني نحو آفاق أوسع من الحرية و حفظ الكرامة , لما فيه خير شعب كوردستان , كل كوردستان . في 25/ك1/2017 
.نشرت في صحيفة كوردستان العدد575 تاريخ 1/1/2018

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف   مرت مئة يوم ويوم على سقوط الأسد، لكن الواقع الذي يعيشه السوريون اليوم يتجاوز بكثير الساعات التي مضت. هذه الأشهر الماضية التي تنوف عن الثلاثة كانت مليئة بالتحولات السياسية غير المنتظرة، إلا أن الواقع الأمني والمعيشي للمواطن السوري لم يتحسن بل ازداد تدهورًا. إذ من المفترض أن يكون تأمين الحياة للمواطن السوري هو أولى الأولويات بعد السقوط،…

شيروان شاهين تحوّل الصراع في سوريا، الذي بدأ منذ 14 سنة كحركة احتجاجات شعبية، من حالة صراع بين ميليشيات مسلحة وسلطة منهكة على مستوى أطراف المدن والأرياف إلى صراع طال شكل الدولة ككل. حيث أفرزت الحرب الأهلية واقعًا وعنوانًا جديدًا في 8 ديسمبر 2024: انهيار دولة البعث وإعلان دولة القاعدة. تميّز حكم البعث، الذي بدأه أمين الحافظ “السني”…

اكرم حسين   طرح الأستاذ عاكف حسن في مقاله هل ما زلنا بحاجة إلى الأحزاب السياسية؟ إشكالية عميقة حول جدوى الأحزاب السياسية اليوم، متسائلاً عمّا إذا كانت لا تزال ضرورة أم أنها تحولت إلى عبء ، ولا شك أن هذا التساؤل يعكس قلقاً مشروعًا حيال واقع حزبي مأزوم، خاصة في سياقنا الكردي السوري، حيث تتكاثر الأحزاب دون أن تنعكس…

صلاح عمر   ثمة وجوه تراها حولك لا تشبه نفسها، تبتسم بقدر ما تقترب من الضوء، وتتجهم حين تبتعد عنه. وجوهٌ لا تعرف لها ملامح ثابتة، تتشكل وفقًا لدرجة النفوذ الذي تقترب منه، وتتلون بلون الكرسي الذي تطمح أن تجلس بقربه. هؤلاء هم “المتسلقون”… لا يزرعون وردًا في القلوب، بل ينثرون شوك الطمع على دروب المصالح. لا تعرفهم في البدايات،…